منذ ما يزيد عن مائة عام , توالت المؤامرات على فلسطين , فلم يكن وعد بلفور المشؤوم الا إشارة البدء لإغتصاب الوطن ومحاولة سلب الهوية الوطنية الفلسطينية , ولقد سخرت بريطانيا كدولة إحتلال كافة إمكانياتها لإقامة الكيان الصهيوني, وكسلطة إنتداب سخرت قوانينها وقوتها العسكرية الباطشة لفرض الإستيطان الصهيوني في فلسطين .
لم تتوقف المؤامرات والخذلان والتواطؤ على فلسطين وأهلها , وشاركت قوى الإستعمار قاطبة إلى جانب العصابات الصهيونية في سرقة فلسطين , وكان الأكثر مرارة خذلان الأنظمة العربية الوليدة من رحم أفكار المستعمر الذي قسم الأمة الواحدة إلى دويلات متناحرة , لتحقيق أهدافه الاستراتيجية في السيطرة على المنطقة العربية , غرس الخنجر الصهيوني في قلب الأمة حتى لا تتعافى وتبقى حبيسة القهر والخوف والتبعية للمستعمر .
تنوعت المؤامرات التي تستهدف فلسطين القضية والشعب , بعد سلب الأرض وتهجير أهلها عبر سلسلة من المجازر الدموية , دون رادع من وازع ضمير أو مقتضيات المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لقوى المجتمع الدولي ذات النفوذ الواسع ومؤسساتهم الأممية, فالصمت سيد الموقف ما دامت الضحية عربية أو مسلمة .
لقد احتل العدو كامل فلسطين وأجزاء واسعة من الدول العربية , في حرب النكسة عام 1967م , فكان الرد بالإعتراف بالكيان الصهيوني عبر إتفاقيات عربية ثنائية مع العدو الصهيوني ,شكلت كامب ديفيد مع مصر في العام 1978م البداية , وإنفرط العقد عبر موافقة الدول العربية إجراء مفاوضات مع الكيان الصهيوني في مدريد عام 1991م , هذا المسار أفرز اتفاقية أوسلو 1993م, وإتفاقية وادي عربة1994م , تغيرت الأبجديات العربية المعلنة رسمياً فيما يتعلق بالصراع مع الصهاينة , وأصبح إنسحاب "إسرائيل" من الأراضي المحتلة عام 1967م , هو المطلب العربي الرسمي كما جاء في المبادرة السعودية التي أصبحت مبادرة العرب في قمة بيروت 2002م , كشرط للإعتراف بشرعية كيان الإحتلال وتبادل السفراء وتطبيع العلاقات , مما يعني بأن الأنظمة العربية الرسمية قد إعترفت بشرعية الكيان الصهيوني على الأراضي التي إحتلها عام 1948 والتي تشكل ما يقارب 80% من أرض فلسطين .
إنسلخ العرب عن قضيتهم المركزية إن شئت قلت بإرادتهم , أو تحت وطأة التبعية لقوى الإستعمار العالمي, ولم تعد فلسطين تمثل لهم أي قيمة دينية أو قومية , وأصبحوا شركاء في حصار الفلسطيني المقاوم , بل تجرأ البعض من الرسميين العرب بوصف المقاومة الفلسطينية بـ " الإرهاب " تساوقاً مع الرؤية الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني , وأضحى واضحاً مدى الحصار العربي الذي تتعرض له قوة المقاومة الفلسطينية , في حين كان المفترض أن تقابل بالدعم والإسناد في مشروعها التحرري من نير الإحتلال الصهيوني الغاشم .
في العهد الترامبي الأمريكي كانت فصول المؤامرة الأكثر وضوحاً , كما كان التواطؤ العربي الرسمي أكثر بشاعة , بإعلان القدس عاصمة لـ " إسرائيل " , ساد الصمت المخجل أو الموافقة المفضوحة عناوين الرد العربي على إعلان ترامب العدواني , ألم يكن بقدور الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" سحب سفرائها من "تل أبيب" , أو طرد سفراء العدو من عواصمها , وهذا أقل رد يشعر ترامب بخطورة خطوته القبيحة ضد مدينة القدس المحتلة , وذات الأمر فعلت لو أرادت إتجاه الإدارة الأمريكية .
ما تتعرض له وكالة الأونروا من مؤامرة التصفية والإنهاء , تأتي كأحد فصول مؤامرة صفقة القرن الأمريكية , في محاولة لشطب حق العودة وإنهاء قضية اللاجئين بالتعويض أو التوطين , لطمس الشاهد الحي على جريمة العصر بتشريد ملايين البشر , من أجل إسكان عصابة استيطانية في أراضيهم التي إنتزعوا منها بنيران الإرهاب وآلة الموت الصهيونية , وهذا ما فضحته جولة "غرينبلات – كوشنر" مؤخراً , عبر تناولهم القضايا الإنسانية للاجئين الفلسطينيين وطرق معالجتها الطارئة خارج إطار وكالة الأونروا , وحديث غرينبلات مع السفراء الأجانب في الكيان الصهيوني , حول ضرورة إنهاء عمل وكالة الأونروا فلا يعقل أن تستمر لمدة 70 عاماً ويجب أن تنهي عملها بأسرع وقت كما قال غرينبلات وهذا ما يفسر الإجراءات والتقليصات وقرارات الفصل التي تصدرها وكالة الأنروا في قطاع غزة .
القانون الذي أصدره الكنيست الصهيوني تحت مسمى قانون "القومية" , هو في ذات سياق صفقة ترامب , التي تعتبر صفقة للإقليم بكامله والقضية الفلسطينية جزء من هذه الصفقة ولكنها الأخطر في حلقات هذه المؤامرة الأمريكية , حيث تهدف إلى طمس الهوية الفلسطينية وتعمل على تهويد الأرض الفلسطينية , وهذا ما عبر عنه قانون " القومية " الصهيوني , والذي يؤسس ليهودية الدولة , مما يسمح لكيان الإحتلال تهجير أكثر من مليون فلسطيني في الداخل المحتل , وتوفر له إمكانية السيطرة على المقدسات الإسلامية , والتلاعب بها والعمل على تهويدها, كما يحصل الأن في المسجد الأقصى المبارك , حيث يدنسه الصهاينة يومياً ويقيمون به صلواتهم التلمودية .
ما تتعرض له قضيتنا مع مؤامرة باتت مكشوفة لكل ذي عقل وبصيرة , فهل نواجه هذه المؤامرة ونحن في حالة فرقة وشرذمة ؟!, هل نقاوم هذا العدوان بترك السلاح وإنتظار المبادرات السياسية؟ , في اللحظات الفارقة من زمن القضية الفلسطينية ما أحوجنا إلى وحدة الصف وبلاغة البندقية , وحدة تجمعنا على هدف التحرير, وبندقية تقودنا نحو ساحات المسجد الأقصى المبارك , لا مجال لمزيد من المناورة أو الإنتظار , الوحدة ذخيرة الوطن والبندقية تحرسه من مكر الأعداء وأطماع اللصوص .
بقلم/ جبريل عوده