قانون القومية الاسرائيلى فى ميزان الشرعية الدولية

بقلم: ناجى احمد الصديق

لن تدخر دولة الاحتلال الاسرائيلى جهدا لتوجيه الصفعة تلو الاخرى ليس لدولة فلسطين وحدها وانما للمجتمع الدولى باكمله ، ولن يدخر اليهود جهدا لاعلان الحرب على تعهدات العالم الدولية ما كان منها مكتوبا وموثقا فى اضابير الامم المتحدة وما كان منها متوارثا عبر الحقب الزمنية المتطاولة حيث اصبح عرفا يرتب كافة اثاره القانونية . ولن يستطيع المجتمع الدولى باسره ان يقف ضد من يريد تقويض قيمه ومورثاته وحتى قوانينه لان اسرائيل باتت ذات قناعة راسخة بانها دولة فوق القانون ونظام فوق المحاسبة وشخصيات باتت تمرح كيفما شاءت فوق اشلاء الشعب الفلسطينى وبقايا الدولة الفلسطينة دونما ان تواتيها لحظة واحدة تشعر فيها بان العالم يحظى بتراتبية قانونية تحمى فلسطين والفلسطينين سواء اكانت لهم دولة منقوصة السيادة او كانوا هملا يعيشون تحت رحمة الاحتلال .
لا نعتقد ان الفصل الاخير فى ماساة الشعب الفلسطينى قد كتب ولا نأمل ان الفصل الاول فى ملهاة الاغتصاب الاسرائيلى قد ختم فما يزال فى انتظار الفلسطينين ايام سودا حالكات وما تزال فى جعبة الاحتلال مزيدا من الصفعات والصدمات.وها نحن اليوم امام
واحدا من فصول الماساة المستمرة منذ عام 1948م ،وها هو قانون القومية الاسرائيلى يصدر بعد ان صدق عليه الكنيست واصبح واجب التطبيق ، وها هى بداية الماساة لشعب صبر على المآسى وها هى اول الملهاة على سلطة ما رأت في حياتها غير ملاهى الاحتلال .
قانون القومية الاسرائيلى هو احد القوانيين التى ثابر اليمين الاسرائيلى المتطرف لاقرارها على مدى زمن طويل وهو قانون الفصل العنصرى فى اخف تعاريفه وقانون محو الوجود الفلسطينى الى الابد فى اغلظها وما بين عنصرية ذلك القانون وسعيه لمو فلسطين من الوجود يكون الشعب الفلسطينى قد دخل الى حرب اخرى اعنف من حرب البنادق والصواريخ ، فحرب الصواريخ ستخلف قتلى بالعدد اما حرب التحدى الاكبر فى ساحات الفكر فستمحو فلسطين من خارطة العالم الى ابد الآبدين .
تقول الفقرة الاولى من المادة الاولى المسماة بالمبادئ الاساسية
(ارض اسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودى وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعى والثقافى والدينى والتاريخى لتقرير المصير ) وتنص الفقرة الخامسة ( لم الشتات) على
(تكون الدولة مفتوحة امام قدوم اليهود ولم الشتات ) ، وتقول الفقرة السابعة (الاستيطان)
(تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودى قيمة قومية وتعمل لاجل تشجيعه ودعم اقامته وتثبيته)
هذه بعض من المبادىء الاساسية التى نص عليها قانون القومية فى اسرائيل وهى بلا شك - وكما يرى الاسرائليون انفسهم من خلال تصويتهم – تعتبر ادوات قانونية لتثبيت سياسة الفصل العنصرى البغيضة بكل معانيها ، فبالرغم من ان جميع اطياف السياسة فى اسرائيل ينادون فى الخفاء والعلن بتطبيق سياسة الفصل العنصرى ضد الفلسطنيين الا ان بعض من احزاب اليسار قد عارضت القانون لانه يفصح للعالم بادوات التوثيق ان اسرائيل دولة عنصرية وهو ما يرون بان يفتح عليهم ابواب الجحيم من قبل المجتمع الدولى الذى لا يستطيع غض الطرف – او هكذا يبدو لنا – عن انتهاك اسرائيل للقانون الدولى فى كل بند من بنود ذلك القانون ، ففى سجال العودة باسرائيل الى اعوام سابقة عندما صدر قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الملغى تحت ضغط الصهيونية والذى سمى (بالصهيونية حركة عنصرية ) طالب انصار اليسار بعدم التصديق على القانون دفاعا عن تاريخ الصهيونية العالمية وتنقيتها من تهم العنصرية .
قانون القومية ونظام الابارتيد
-------------
عرف العالم فى عصور سوداء من تاريخه نظام الفصل العنصرى (الابارتايد) فى دولة جنوب افريقيا ونظر العالم كله بعين الفخر الى مثابرة الافارقة السةد هناك بقيادة نيلسون مانديلا لابطال ذلك النظام البغيض واحتفل العالم باسره على نجاح تلك المثابرة وذهاب نظام الفصل العنصرى ومن طبقوه الى مزابل التاريخ .
كلمة ابرتايد تعنى الفصل وتم الاصطلاح باطلاقهاعلى نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا حيث كان يقوم على الاسس التالية
1 نشاط استيطانى ضمن مشروع كوليانى انفصل عن الدولة الام
2تشكل جماعة فوقية من خلال هذا الاستيطان تؤكد على تميزها العرقى الارقى عن السكان الاصليين بحيث تعبر الدولة عن سعى هذه الجماعة الى الحرية والاستقلال رغم انها تشكل اقلية ضمن سكان الدولة
3 نظام حقوقى من الفصل العنصرى يبقى العرق الادنى فى نطاق الدولة ولكنه يحرمه من حق التنقل والاقتراع ، فابناء العرق الادنى السكان الاصليون هم نظريا موجودون ولكنهم فى الواقع رعايا الدولة خاضعون لها
4 سيطرة نخب العرق الارقى على مقدرات الدولة الاقتصادية وثرواتها
5ثقافة سياسية ودينية منتشرة ترتكز على نظريات عرقية تتبناها الدولة
من خلال مقارنة هذه الاسس مع بنود قانون القومية الاسرائيلى نجد انه قد وضع حجر الاساسفى عملية بناء نظام الفصل العنصرى ( الابارتايد) فى اسرائيل ، كما مهد القانون ايضا الطريق امام دولة الاحتلال لسن التشريعات الاخرى التى من شأنها تفعيل سياسات الفصل العنصرى التى تؤدى الى الغاء الوجود الفلسطينى باكمله وتشكل خطرا وجوديا على الفلسطينيون وتحولهم الى مجرد رعايا داخل دولة اسرائيل وسيؤدى ذلك القانون فى نهاية الامر الى نفس النتائج التى وصل اليها نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا من تمييز واقصاء وظلم .
مخالفة القانون للشرعية الدولية
---------------
لا يساور من قام بسن قانون القومية فى اسرائيل شك واحد بان ذلك القانون مخالف للشرعية الدولية ويقوم بانتهاك الكثير من القواعد القانونية الدولية ولكنهم لا يساورهم شك ايضا بان العالم كله لن يجرؤ على ادانة هذا القانون لان فى اعتقادهم ان الشرعية الدولية هى ما يرونهم هم شرعيا وان الحق ما يرونه حق والباطل ما يرونه بطل وان المحافل الدولية ذات الخطورة عليهم باتت تدور فى فلك القوة العظمى فى العالم وهى الولايات المتحدة الامركية حليفهم الاوحد فى كل هذا الكون ،ومع ذلك سنظل نؤمن بلا تردد ان الحق الى ظهور ولو بعد حين وان الباطل الى زوال ولو بعد دهر وان الشرعية الدولية تقول بالصوت العالى ان العنصرية ممنوعة فى نصوص الاعلان العالمى لحقوق الانسان الصادر فى عام 1948 حينما نصت المادة الثانية منه على ان (لكل انسان الحق فى التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فى فى هذا الاعلان دون اى تمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الراى السياسى او اى راى او الاصل الوطنى او الاجتماعى او الثروة او الميلاد او اى وضع اخر) ، وان العنصرية مرفوضة بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم (2016 الف 2-20) المؤرخ فى 21كانون الاول – ديسمبر1965م ( الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصرى) حيث عرفت المادة الاولى منها التمييز العنصرى بانه (اى تمييز او استثناء او تقييد او تفضيل يقوم على اساس العرق او اللون او النسب او الاصل القومى او الاثنى ويستهدف او يستتبع تعطيل او عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الاساسية والتمتع بها او ممارستها على قدم المساواة فى الميدان السياسى اوالاقتصادى اوالاجتماعى اوفى اى ميدان اخر من ميادين الحياة العامة) ، وان العنصرية جريمة يعاقب عليها القانون الدولى فى الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصرى والمعاقبة عليها التى اعتمدت وعرضت للتوقيع بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم (3068 د 28) المؤرخ فى 30 تشرين الثانى نوفمبر 1973م والتى جاء فى مادتها الاولى ان ( الفصل العنصرى جريمة ضد الانسانية وان الافعال الاانسانية الناجمة عن سياسات الفصل العنصرى وما تلاها من سياسات وممارسات والمعرفةفى المادة 2 من الاتفاقية هى جرائم تنتهك مبادئ القانون الدولى الانسانى ولا سيما مبادىء ميثاق الامم المتحدة وتشكل تهديدا خطيرا للامن والسلم الدوليين)، والعنصرية جريمة ايضا فى ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية حيث تنص المادة 72 منه على
1 لغرض هذا النظام الاساسى يشكل اى فعل من الافعال الاتية جريمة ضد الانسانية متى ارتكب فى اطار هجوم واسع النطاق او منهجى موجه ضد اية مجموعة من السكان المدنيين
....... جريمة الفصل العنصرى
وتستطيع المحكمة الجنائية الدولية ممارسة سلطاتها القضائية عندما يكون المتهم من ضمن رعايا احدى الدول الاعضاء اوفى حالة ان الجريمة قد حدثت فى احدى الدول الاعضاء ا وفى حالة احالة الوضع الى المحكمة من مجلس الامن
ولا اخال اننا فى حاجة الى التذكير باننا فى معركة مستمرة مع الاحتلال ، معركة عمادها الفكر واساسها الكلمة وميدنها المحافل الدولية رغم اجحافها والمحافل الاقليمية رغم انكسارها والمحافل المحلية رغم ضعفها ولا يجب ان يمل المسلمون من العصف الذهنى العنيف فى موازاة المقاومة المسلحة للمدافعة عن فلسطين وعن كشف نفاق الاحتلال فى كل ما يفعلون او يقولونه وستكون لفلسطين الغلبة فى نهاية الامر لا لشئ الا لانها على حق وان الاحتلال على باطل

بقلم ناجى احمد الصديق المحامى -- السودان