الطبخة على وشك النضوج

بقلم: طلال عوكل

وضع الناس في غزة أياديهم على قلوبهم خوفاً من أن يتدرج الوضع إلى تصعيد كبير، لا تتوقف إسرائيل عن التهديد للقيام به، بينما تصدر تصريحات عن مسؤول في حركة حماس، يقول فيها إن القصف بالقصف والدم بالدم.
كان ذلك في نهاية الأسبوع الماضي حين شنت طائرات إسرائيلية عدة غارات أدت إلى استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين.
مرة أخرى تتدخل القاهرة من خلال اتصال أجراه مع السيد إسماعيل هنية وزير المخابرات عباس كامل، من واشنطن، فضلاً عن لقاءات واتصالات حثيثة قام بها المبعوث الدولي لعملية السلام ملادينوف.
شبح الحرب لا يغادر سكان قطاع غزة، الذين لم يرمم الكثيرون منهم آثار الحرب السابقة العام 2014، خاصة أن مصادر الأمم المتحدة إن كان من خلال مبعوثها لعملية السلام أو من خلال أمينها العام انطونيو غوتيريس، لا تتوقف عن التحذير من إمكانية وقوع حرب رابعة.
دخان التصريحات، والتهديدات بالعدوان، وهرس غزة، وارتفاع نبرة التحدي من قبل فصائل المقاومة، لا تخفي حقيقة أن لا أحد في هذه المرحلة يجد له مصلحة في مثل هذا التصعيد وأن المايسترو الأميركي الذي يدير اللعبة كلها في المنطقة لا يرغب في وقوع مثل هذا التصعيد.
التحالف الأميركي الإسرائيلي يرى أن الحصار الطويل والمتشدد على قطاع غزة، قد حان قطاف ثماره بوسائل غير عسكرية ودون أن يتكبد نتائج عدوان، يثير الكثير من الانتقادات من قبل الجبهة الداخلية الإسرائيلية ويؤجج مواقف المجتمع الدولي الذي لم يعد يحتمل نتائج السياسات الإسرائيلية التي تدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
ما لا تدركه العين يدركه العقل، فالحراك الجاري حول قطاع غزة على مختلف المستويات الدولية والإقليمية والعربية ويشغل الفلسطينيين والإسرائيليين يشير إلى أن ثمة عملية إنضاج لملف غزة، باتجاه تغيير واقع الحال وحياة الناس.
في العلن ثمة تحرك مصري مثابر على جبهتي التهدئة ومنع تدهور الأوضاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ولإنجاز مصالحة فلسطينية تتوفر لها فرصة أخيرة.
وعلى خط التحركات العلنية لا يتوقف نيكولاي ملادينوف عن التنقل، بين إسرائيل وغزة والضفة، والقاهرة، لتحقيق الهدفين ونقصد سحب فتيل التصعيد، وتحقيق المصالحة، كإجراءات أساس للبدء بتنفيذ ما قال إنه خطة يتوافق عليها المجتمع الدولي لمعالجة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.
وبين الحين والآخر يظهر الدور القطري عبر تصريحات وتحركات السفير محمد العمادي، وهو أكثر المهتمين الذي يفصح أحياناً عما يدور أو بعض ما يدور في الكواليس.
ولكن الأهم هو ما يجري بعيداً عن الإعلانات ووسائل الإعلام من تدخلات وتحركات ووساطات تقوم بها الأطراف سابقة الذكر، وأطراف أخرى دولية بغرض التوصل إلى تفاهمات بشأن الملفات التي تتعلق بغزة.
الإسرائيليون لا يتوقفون عن الإدلاء بتصريحات ومعلومات، ولا يتوقف الكتّاب والصحافيون عن تقديم تحليلات وتقديرات واستنتاجات من واقع معرفتهم ببعض خفايا الأمور.
وحدها الأطراف الفلسطينية، تمتنع عن الإفصاح عن أي معلومات حول ما يدور في الخفاء، وتواصل الحديث بأساليب شعاراتية، عامة وضبابية، لا يستفيد منها أحد في محاولات فهم الواقع وتحضير الناس لما هو قادم.
التصريحات الإسرائيلية شهدت أكثر من انقلاب في المرحلة الأخيرة، بين التهديد بعظائم الأمور ثم الحديث عن التهدئة وعدم الحاجة للحرب، وبين البكاء على الأزمة الإنسانية في القطاع والاستعداد للمساهمة في التخفيف عن الناس، وبين التهديد بالاغتيال مرة وقصف عمق غزة مرة أخرى، ومرات باجتياح قطاع غزة، آخر هذه الانقلابات، تصريح يدلي به وزير الدفاع  أفيغدور ليبرمان، الذي يطالب فيه حركة حماس بالتهدئة، ووعود نتنياهو بأن تتحول غزة إلى سنغافورة.
تتلاقى وعود نتنياهو لغزة بأن تصبح سنغافورة مع تصريحات ووعود الثنائي الأميركي كوشنير وغرينبلات، بتحويل غزة إلى منتجع سياحي مثل شرم الشيخ.
أخيراً تتلاقى مواقف المتطرفين من الساسة الإسرائيليين على ما قال نتنياهو إنه مبادرة مدنية سياسية، ينوي طرحها على الكابينت الإسرائيلي، وتوحي بأن ثمة توافقا واسعا حولها.
فجأة إسرائيل تريد إعادة تأهيل قطاع غزة، وتريد أن يحصل ذلك من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية التي ينبغي لها أن تستعيد السيطرة على القطاع، ثم يصدر تصريح عن نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة السيد خليل الحية بأن حركته ترحب بأية مبادرة يمكن أن تخفف الأعباء الإنسانية عن سكان القطاع.
يبدو أن ما تقوم به القاهرة، ويساعد في تحقيقه السيد ملادينوف لا يتوقف عند حدود إقناع حركتي فتح وحماس بضرورة البدء بتنفيذ اتفاق المصالحة، وإنما يتجاوز ذلك إلى تأهيل الطرف الفلسطيني لمعالجة ملفات التهدئة أو الهدنة والسلاح، والأسرى، والحراك الشعبي شرق غزة.
من المتوقع أن يتفاجأ الفلسطينيون، خصوصاً سكان قطاع غزة، بتفاهمات مدهشة تنهي لديهم حالة القلق وعدم الثقة والإحباط إزاء كل ما يتعلق بأوضاعهم التي يلتقي عند ضرورة معالجتها الجميع، والجميع يختلف حول الدوافع والأهداف من وراء ذلك.

طلال عوكل
2018-07-30