لماذا لا يفكر الصديق زاهر في الهجرة من غزة

بقلم: أشرف نافذ أبو سالم

كنت اجلس مع صديقي زاهر ،، أمام شاطئ البحر المتوسط ، لنا مكان نجلس به كل يوم نحتسى القهوة والشاي مع "اشوية" بزر شمس " بشيكل واحد بس" ،نهرب من الحر وانقطاع الكهرباء والفلس ، ونهرب من صيحات ومشاغبات ولخمة الأبناء والزوجات وصراخ السيارات والجو ولهب جدران البيوت الذى يسبب العجز الفكري والجنسي ويزيد التوتر والعصبية ويضيق الصدور..
هذا المكان بالنسبة لنا ، ملك أقنعنا أنفسنا اننا اشتريناه أو وهبنا إياه ..فنحن شباب في اول سنين الأربعينات ولا نملك أو ندخر حتى ،، مائة دولار ،، و لا يوجد معنا أكفان أمهاتنا لو جاء أمر الله بعد عمر طويل لهن .. هذا هو حال الجيل الكبير والصغير من عامة الناس هنا ..
كان ينظر الى السماء ويحدث نفسه الى متى سيدوم هذا الحال ؟؟؟ وفجأة سألني سؤال غريب من نوعه ، لماذا لآ أفكر في الهجرة بتاتاً ،،رغم كل ما يحدث هنا في غزة ؟؟
انتظرت قليلاً حتى أفهم معنى سؤاله !! ولماذا هو فعلا لا يفكر في الهجرة ؟؟!!
قلت له بعيداً عن القناعات الدينية والعقيدية التي تربينا عليها بأن هذه أرض رباط وجهاد الى يوم الدين وان هذا حال غزة منذ الأزل كما نراه ؟؟ وأن هذه أرض كشف الأسرار أرض محشر ومنشر أرض ابتلاء وشقاء ودماء وأشلاء ..بعيدا عن كل هذا ،، هناك أسباب تمنعك من الهجرة وهى كالتالي :
أولا: انت تربيت في بيت متعاون بيت اشتراكي يعتمد على المصير المشترك والواحد لكل أفراد الأسرة ، فكل قرش وشيكل تجنيه سوف يذهب الى حصالة البيت والى حكومة الأم والأب التي تجمع المال قرشا قرشا ويُقسم بعدها على الاحتياجات والمصاريف والى الدراسة والمصاريف اليومية والموسمية و ادخار جزء بسيط للمستقبل ،، هذه التربية جعلت منك شخصاً مدبراً مسؤولاً أمام العائلة ، فلا يوجد لك مجال لأن تصبح مستقلاً في يوم وليلة .. ضميرك لا يسمح لك ، رغم انك أصبحت أبا وزوجا ولديك همومك وبيتك وتعمل على اكمال مسيرة الاب .
ثانيا: انت كبرت في زمن التسعينات وهى مرحلة قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية ، وهى مرحلة كانت التعبئة الفكرية والثقافية الوطنية لجيلنا معتمدة على الاستعداد النفسي والوجداني والمادي لدخول السلطة والدخول في العسكرية أو المدنية لبناء الدولة التي كنا نحلم بها ، منذ زمن الانتفاضة الأولى ، فالوطن والدولة والانتماء كان يغلى في عروقنا وكنا في لهفة وشوق كبير لنحمل السلاح ونخدم الوطن ونبنى المطار والميناء وندخل الى الضفة الغربية ونكون أتراسأ عاملة وفاعلة ومميزة في عجلة الوطن وبناء الدولة .. في هذه الفترة كانت المنظومة والتعبئة والحياة الاجتماعية والوطنية قد صقلت شخصيتك ومارست عملياً وفعلياً الدور المناط بك ..
لم يكن في تلك الفترة والحقبة الزمنية ثقافة الهروب واللجوء والسفر والهجرة ، بل العكس كانت فترة بناء واعداد وفرحة على تحرير الوطن وبناء الدولة .. لم تكن البيئة والحياة تشكل أداة طرد نحو الهجرة والتفكير فالبحث عن الذات وتأمين المستقبل الذاتي للفرد فقط ..بل كانت بيئة مشجعة والجميع عايش ويعمل ويشارك بكل طاقته .
ثالثا : نحن جيل الانتفاضة الأولى "أشبال الحجارة " أكثر جيل ضحى منذ الثمانينات وحتى الان .. فمعظم من أسر واستشهد وجرح وقاوم هم من أبناء هذه الحقبة .. ولهذا من الصعب علينا أن نذهب الى بلدان لا يوجد فيها أكشن وازمات ،، فنحن نعشق الاكشن والأزمات وقدمنا مئات التضحيات والمواقف التي تسجل وتكتب بالذهب .
رابعاً : جيلنا يكره التقليد ، ولا يمر بما يمر به جيل الالفية الجديدة فهو جيل له مميزاته جيل منفتح على العالم وله قنوات اتصال وتواصل تكنولوجية تساعده على رؤية المستقبل وتوقعه وعلى السير على خطى الأمم والشعوب الأخرى ،، نحن جيل تربى على "حارة أبو عواد "وعلى ليالى الحلمية "كنا نرى العالم بصعوبة وحسب صفاء الجو ،، على الارائل التلفزيونية : لم نكن جيل "بضعطة انتر بتكون وين ما بدك "من كان عنده تلفاز ملون كان امحمل الحارة والمجتمع اجميلة ومن لديه خط تليفون كان مغلقة بقفل حديدى ،، لم يكن يردوا على الرنات من اجل التوفير" ..
خامساً : وبدون تفصيل : جيلنا لم يعيش ويتربى في زمن الانقسام ..
ارحمنا يا زاهر ،، وبكفى ..
خلص راحت علينا ،،
واللى شربناه ارضينا فيه ..

أشرف نافذ أبو سالم