الرئيس الأمريكي يتعامل بعقلية التاجر الذي ليس في حساباته سوى الربح والخسارة وترمب غرر به نتنياهو وحلفائه الخليجيين لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران ، منذ أن دخل بوابة البيت الأبيض وتصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تتوالى عن إيران وضرورة الحد من نفوذها في الشرق الأوسط، وأدرك متأخرا بعد الغاء الاتفاق النووي من طرف واحد مع ايران أن تلك المهمة لا تبدو سهلة، خاصة أن طهران تملك العديد من الأوراق التي يمكنها أن تلعب بها بوجه الولايات المتحدة، بحسب صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.
التحذير الذي أطلقه ترامب الأسبوع الماضي، بإعطاء إيران مهلة للتوقف عن أنشطتها الصاروخية، يمثل خروجاً عن سياسة الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي كان يركز على ضرورة تطبيق بنود الاتفاق النووي.
التوتر بين ايران وامريكا والتهديدات الايرانيه باستهداف القوات الامريكيه في المنطقه واغلاق مضيق هرمز جميعها شكلت مصدر للقلق واعادة الحسابات وموازنة الامور بميزان الربح والخساره وهي عقلية التاجر الامريكي ترمب ، إيران أقوى ممّا كانت عليه سابقا ؛ فلقد استفادت طهران من السنوات الست الماضية؛ حيث شهد العالم العربي اضطرابات تمكنت إيران من استغلالها لتوسيع نفوذها وقدراتها العسكرية. يقول نيكولاس هراس، من مركز الأمن الأمريكي الجديد: إنه "ومن أجل مواجهة إيران أو تحجيم نفوذها ربما تجد نفسك قد انزلقت إلى صراع قد يؤدي إلى تدمير الاقتصاد العالمي، فهل الرأي العام الأمريكي أو حلفاؤنا على استعداد للتحمل؟".
الاتفاق النووي الذي وقعته واشنطن والدول الكبرى مع إيران عام 2015 نجح بالفعل في الحد من تطلعات إيران النووية، إلا أنه وفي الوقت نفسه فإن طهران طورت من قدراتها الصاروخية، ولديها اليوم قدرة على ضرب قواعد أمريكا في الدول الحليفة.
تفرض إيران اليوم هيمنتها ونفوذها على القوس الممتد من طهران وحتى البحر الأبيض المتوسط، ومن حدود حلف شمال الأطلسي إلى حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيضاً على امتداد الطرف الجنوبي من شبه جزيرة العرب، فلدى إيران اليوم الآلاف من المليشيات المتحالفة معها، والجيوش التي تقاتل وكالة عنها في الخطوط الأمامية في سوريا والعراق واليمن، والتي تملك عربات مدرعة ودبابات وأسلحة ثقيلة، فضلاً عن آلاف من أعضاء الحرس الثوري الإيراني الذين يشاركون في تلك المعارك؛ ممّا أكسبهم خبرة كبيرة، بحسب الصحيفة.
معهد دراسات الحرب نشر تقريراً أشار فيه إلى أن إيران وضعت، للمرة الأولى في تاريخها، قوات عسكرية كبيرة خارج حدودها، "وهو أمر لا تملكه إلا عدد قليل من الدول، ذلك قد يغير جذرياً من حسابات التفاضل والتكامل الاستراتيجي وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط".
يقول عبد الله الشمري، دبلوماسي سعودي سابق: إنهم "سعداء للغاية ومتحمسون للرئيس ترامب، نحن نتوقع أن يتعامل مع التهديد الإيراني، وقيام إيران بإنتاج الصواريخ والتدخل في شؤون الدول الأخرى".
ولدى الولايات المتحدة دعم كبير من حلفائها في المنطقة لمواجهة التوغل الإيراني في العديد من الدول العربية، وهو دعم قد يؤدي دوراً كبيراً في مواجهة إيران والتضييق عليها. وليس من الواضح إلى الآن ما تنوي الإدارة الأمريكية فعله ضد إيران، ولكن بالتأكيد فإن أي عمل سيؤدي إلى إخلال التوازن بالمنطقة، خاصة أن المنطقة تخوض حرباً ضروساً ضد تنظيم الدولة، وأيضاً فإن انتشار طهران في العديد من دول المنطقة سيجعل من الصعوبة بمكان مواجهة نفوذها.
لا احد يفهم دونالد ترامب، ويعرف كيف يتعاطى معه، وغطرسته، اكثر من الإيرانيين، وردهم الحازم والصلب على العرض المفاجئ الذي عرضه امس، وعبر فيه عن استعداده للقائهم، ودون أي شروط، في أي وقت يختارونه، يعكس هذه الحقيقة بكل جرأة ووضوح.
الرئيس ترامب وصف اللقاء بالإيرانيين بأنه “سيكون جيدا لهم، وجيدا لنا، وجيدا للعالم اجمع، خاصة اذا استطعنا ان نفعل شيئا ذا مغزى لا يكون اهدارا للورق مثل الاتفاق النووي السابق”.
الأكثر من ذلك ان غريت ماركيز، المتحدث باسم مجلس الامن القومي الأمريكي، اكد ان الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ الإجراءات لإلغاء العقوبات، وإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بالكامل والسماح لإيران بتطوير التكنولوجيا، وإعادة دمج الاقتصاد الإيراني بالنظام الدولي الجديد.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بالأسباب التي تقف خلف هذا “الكرم الحاتمي” الأمريكي، والتغيير الكبير في اللهجة من التهديد بتدمير ايران، وفرض عقوبات خانقة غير مسبوقة في التاريخ ضدها، ومنعها من تصدير برميل واحد من النفط، والطلب من السعودية زيادة انتاجها بمليوني برميل لإغراق الأسواق وتخفيض الأسعار، الى دعوة صريحة للحوار مرفوقة بسلسلة من الاغراءات الدبلوماسية والسياسية؟
ايران قابلت عرض ترمب والمسؤولين الامريكيين في الثبات في المواقف واشترطت تراجع الرئيس الامريكي عن الغاء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن ايران النووي
إستراتيجية ترامب مكشوفه ومعروفه لأصغر مبتدأ في علم السياسة، فهو يصعد تهديداته بعقلية التاجر الكبير املا في استحواذ الخصم ، لجره الى مائدة المفاوضات تحت وهم وجشع التاجر في تحقيق اكبر ربح في تجارته ، ترمب لا يصلح ان يكون سياسيا لان للسياسه دهايزها واهدافها وغاياتها وهي تحكمها استراتجيه باتت امريكا تفتقدها بفعل التعامل النزق للرئيس ترمب وخسارته وخسارة امريكا في كافة الصراعات والقضايا التي خاضها
تراجع الرئيس ترامب وادارته عن تهديد ايران جاء بعد ان ادرك جيدا بأن التهديدات التي اطلقها بخنق ايران اقتصاديا، والتلويح بالحرب ضدها، وتأسيس “حلف ناتو عربي سني” تكون إسرائيل العضو التاسع فيه، استعدادا للهجوم عليها، لم ترهب الإيرانيين مطلقا، وجاء ردهم عليها عمليا بإعطاء الضوء الأخضر لحلفائهم “انصار الله” اليمنيين بإطلاق الصواريخ على بوارج عسكرية وناقلات نفط سعودية قرب باب المندب، لتوجيه تحذير الى أمريكا وحلفائها بأن معظم خطوط الملاحة الدولية، ونصف صادرات النفط في العالم، باتت تحت رحمة الحلف الذي تتزعمه طهران وصواريخه، فاليوم باب المندب وغدا مضيق هرمز، وهذه قد تكون تهديدات اوليه ” قبل وجبات الصواريخ الرئيسية من مختلف الابعاد والاحجام التي قد تستهدف الرياض وابوظبي ودبي وتل ابيب
ترامب تراجع صاغرا بعد ان هدده الرئيس حسن روحاني بـ”ام الحروب” التي ستكون ردا على أي عدوان سيشنه على ايران، وحذره الجنرال قاسم سليماني، قائد فليق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اذا بدأ الحرب فان ايران هي التي ستحدد طبيعة نهايتها، واغلاق مضيق هرمز سيكون جزءا بسيطا من الرد الإيراني.
ما غاب عن ذهن الرئيس ترامب، في غمرة انشغاله بفضائحه النسائية، وادائه السيء، والمهين، في قمة هلسنكي التي عقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وظهر فيها جهله في عالم السياسه وتفوق بوتن عليه بفرض شروط الانتصار حيث خرجت قمة هلسنكي وبينت للعالم اجمع ضعف امريكا امام امتداد النفوذ لحلف روسيا في المنطقه
ان أمريكا وباعتراف ترمب خسرت الحرب في سورية بعد ان انفقت 70 مليارا وعلى يد من؟ الروس والسوريين والإيرانيين و”حزب الله”، مثلما لم تربح الحرب في أفغانستان بعد 17 عاما من خوضها، ولا تعرف كيف ستخرج من مصيدتها وتتفاوض حاليا مع الطالبان في الدوحة على امل تقليص الخسائر، وباتت أمريكا بفضله اكثر دولة مكروهة في العالم، والدول الأوروبية الحليفة على وجه الخصوص.
هذا الرجل، أي ترامب، لا يستأسد الا على العرب، وفي منطقة الخليج فقط، حيث يرضخون لإملاءاته، ويطيعون أوامره، ويلبون كل مطالبه المالية الابتزازية، ومعايراته بالحماية دون أي مقابل، ايثارا للسلامة فقط، وتطبيقا لنظريته بأنهم لا يستمرون أسبوعا في الحكم دون الحماية الامريكية.
الرئيس روحاني قال انه رفض ثمانية عروض للقاء الرئيس ترامب، لأنه لا يثق برجل لا يحترم توقيعه، تجسيدا لمقولة السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى التي ترى في هذه اللقاءات “مضيعة للوقت”، وهذا هو الفرق بين زعمائنا العرب الذين يستجدون لقائه وبين نظرائهم الإيرانيين.
واذا قبلت ايران وذهبت الى لقاء ترمب بشروطها ، وبما يؤدي الى تخفيف معاناة سبعين مليونا ايراني ، وتوصلوا لتفاهمات واتفاق تقلب المواقف والتحالفات في المنطقه فماذ سيكون عليه موقف دول الاعتدال العربي اذا قلبت ايران ظهر المجون للعرب المتحالفين مع ترمب ،
الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون، قَبِلَ دعوة نظيره الأمريكي للحوار، وذهب الى قمة سنغافورة مرفوع الرأس، وتوقع الكثيرون من الشامتين ان يرضخ ويرفع الراية البيضاء، وها هي صحيفة “الواشنطن بوست” الامريكية تكشف انه بدأ تطبيق برامج صاروخية جديدة اقوى بكثير من تلك التي تزدحم بها ترسانته العسكرية، ويمكن ان تضرب العمق الأمريكي بفاعلية اكبر، ولم نسمع كلمة واحدة من ترامب الذي ابتلع لسانه، وتحلى بفضيلة الصمت.
الامر المؤكد ان أعضاء حلف الناتو العربي الذي امر ترامب بتشكيله، بالتنسيق مع نتنياهو، لشن حرب على ايران في موقف لا يحسدون عليه ، وهم يتابعون هذا الانقلاب في المواقف الامريكيه ، ومطالبته ايران للتفاوض بدون شروط مسبقه ، لقد وقعت السعوديه والامارات تحت وهم وخديعة ترمب الذي افرغ خزائن هذه الدول بصفقات كانت بالفعل وهم واحلام يقظه بمحاربة امريكا لايران وها هي وبعد مسرحية الغاء الاتفاق النووي تستجدي مفاوضتها
فهل يدرك قادة الاعتدال العربي وفي مقدمتهم السعوديه مخاطر تراجع ترامب عن تهديداته للإيرانيين وعرض التفاوض بلا شروط مع ايران حول الاتفاق النووي وهل باتت المواقف الامريكيه ضمن حسابات الربح والخساره مقدمه للتخلي عن الحلفاء التقليديين الخليجيين ضمن المسعى الامريكي للتحالف مع محور ايران لحماية المصالح الامريكيه بعد هزيمة المشروع التامري الصهيو امريكي على سوريا
نتمنى على “الزعماء العرب الذين يهدرون ثروات بلادهم بفعل نزواتهم وسعيا وراء اوهام وسراب الحرب مع ايران، سعيا لتدميرها مثلما دمروا العراق وسورية واليمن وليبيا، والاستعانة بإسرائيل وامريكا لانجاز هذه المهمة نيابة عنهم، نتمنى ان يتعلموا من دروس دهاء الاكاديميتين الإيرانية والكورية الشمالية، وما تحمله في طياتهما من أصول الكبرياء والكرامة وعزة النفس، فهذا قد يعيدنا لمرحله جديده من الوعي العربي تقود العرب جميعا لبلورة مشروع عربي يجمع العرب ويوحدهم على استراتجيه تقود لتحقيق التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وانشاء قوة ردع عربي إقليمي فاعل ومؤثر، في مواجهة إسرائيل ومشروعها التوسعي وتحقيق التوازن العسكري مع ايران أيضا بما يحفظ المصالح القوميه العربيه ويحقق وحدتهم السياسيه والجغرافيه
المحامي علي ابوحبله