يستحيل مناقشة ما يحدث على الأرض الفلسطينية من استلاب واستعمار وتنفيذٍ لمخطط E1 وانغلاق في الأفق السياسي والعملية السلمية خارج اطار المشروع الاستيطاني ككل، وبالعودة الى تاريخ ليس ببعيد، أي الى مجريات حرب عام 1967، فاننا نجد ان هدم 9 قرى في اريحا الوسطى عام 1967 لتحقيق العمق الصهيوني الاستعماري في أضيق خاصرة جغرافية في فلسطين التاريخية من معالية ادوميم وحتى نهر الاردن كان المنج الأول لقوات الاحتلال الإسرائيلي ، ما ساعدها في تحقيق مشروعات الضم والتوسع التي كشفت حكومة الاحتلال الإسرائيلي النقاب عنها لاحقا، فيما يستند اليها مشروع الاحتلال بالكامل منذ انطلاقه في فلسطين.
تستخدم حكومة الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة أنواع من أساليب الهيمنة المرتكزة الى ربط القانون الاحتلالي بالفعل المستلِبِ للأرض والفكرة، اذ تذهب أولا الى بث الاشاعات المتعلقة بمصادرة أرض معينة لتحقيق المباغتة النفسية للفلسطيني لترسيخ مفهوم واحد وهو ان هذه الأرض ليست له، ثم تلجأ الى الضم الفعلي للأرض من خلال انشاء نقطة عسكرية او وضع كرفان لمستعمرين او حتى رفع علم فوق الأرض المستهدفة بالمصادرة، تليها مرحلة الضم القانوني من خلال التكييف القانوني في المحاكم الاحتلالية لقوانين عنصرية تهدف الى ضم الأرض ما يجعل الطعون المقدمة من أصحاب الأرض اجراء يتم رفضه دائما استنادا الى اللوائح والإجراءات العنصرية.
ان الشروع في حالة نضال شعبي مقاوم لفعل الاستلاب يستلزم البناء على محاور ثلاثة للعمل تتلخص بالحفاظ على المقاومة ومعانيها بكل مصداقية ثم تعزيز صمود المواطنين بكل الوسائل الممكنة وحماية التجمعات البدوية والزراعية في مناطق التماس من خلال تقديم كافة اشكال الدعم وأسباب الصمود وتقديم أنموذج لنظام حكم قوي ونزيه يأخذ بعين الاعتبار الاستغلال الأمثل للسلطة والامكانيات المتاحة في دعم المواطن وتعزيز ثقته.
وفي الوقت الذي نستدعي فيه التاريخ الأول لنضال منظمة التحرير الفلسطينية بكافة كوادرها والأسماء التي أضاءت -بعبقريةٍ- مسارات المقاومة والتحدي، وصاحبة القول الماثل الى الابد كأمثولة في الانخراط الشعبي والفكري والاستراتيجي في النضال والمقاومة، نجد الرعيل الاول من فتح الثورة من قادة النضال في الساحات الخارجية ومعارك الكرامة والصمود يعودون الى الالتحام بالجماهير لتحقيق النضال من خلال الالتفاف الشعبي في أماكن الحدث ولمواجهة الانحياز الأمريكي والعنجهية الإسرائيلية.
قرية الخان الأحمر وكفر قدوم والاغوار الشمالية اليوم في كردلة وبردلة وعين البيضاء التي سبقت وان اصحبت الصحفيين لتغطية سرقة الاحتلال لمائها والمستوطنين لأرض قرية الشهيد ياسر عرفات خلال الجولات الصحفين التي أقوم بترتيبها من خلال وزارة الاعلام منذ عام 2002 هي الواجهة والوجهة، وينبغي ان تكون العناوين لمقاومة حالة المحو الاحتلالي للمواطن الفلسطيني وتفعيل برنامج نضال شعبي واضح وثابت على الأرض يحيي النهج الأول للمقاومة والخطوة الآولى لآباء الحركة العظام على الأرض من سَدَنَةِ هيكل المقاومة وورثةِ النهج الأكثر التصاقا بهموم المواطن ومعاناتهم.
نفخر ببرنامجنا النضالي في كل مرحلة من مراحل الثورة، وإذ عولنا في الفترة الماضية على برنامج سياسي، فان الأمور تحكمها مخرجاتها، وحيث ينغلق الأفق السياسي أكثر وأكثر لعنجهية يبديها المحتل وصَلَفٍ يظهره تجاه المرجعيات الدولية الدستورية والقانونية وحتى حقوق شعب تحت الاحتلال او حتى الحقوق الإنسانية اليومية والبسيطة المكفولة بموجب ميثاق جنيف الرابع وبروتوكولاته او الحقوق السيادية والوجودية بموجب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي كسلطة اعلى وبقوة الحق الفلسطيني كما يسميها الأخ الرئيس محمود عباس، فان فتح هي عنقاء الأزمنة التي تخرج من رماد المرحلة كلما تطلبت المرحلة - شامخة وعالية تسير بكافة كوادرها سراعا نحو الحرية والاستقلال بوعي جمعي مستلهم من هذه الفكرة التي لا تموت ومن ضرورات الرد على تغول استعماري إسرائيلي الغائي
مع كل عجوز او طفل حافٍ في مواقع التماس الأخطر والأقرب لتنفيذ مخططات المشروع الصهيوني في الأرض الفلسطينية سيتم بناء التفاف شعبي والعمل على تشكيل جبهات رد سيكون لها دورها في مرحلة الركود واللافعل، وستؤدي الى توجيه رسائل واضحة المضمون والمعنى بأن القدس فلسطينية وبأن فلسطين دولة وبأن الشعب الفلسطيني يقاتل ليس فقط محاولات نفيه ومحوه عن الأرض من خلال التهجير والاستلاب بل ويقاوم منظومة قوانين عنصرية كان آخرها حتى الان قانون القومية الذي يفرغ القيم الإنسانية من مضاميها ويؤسس لتحويل الديانة اليهودية الى قومية، ما يضع المجتمع الدولي امام المساءلة الأخلاقية والقانونية ونحن جنبا الى جنب قيادة وشعبا في مواجهة المحتل.
ليست اللحظة التاريخية خارج اطار الحسابات الضيقة لافراد يقتسمون المصالح والمناصب كما نقتسم نحن المعاناة والهَّم تحت الاحتلال، ففي الوقت الذي يعمل البعض على استكمال دائرة انغلاق الافق السياسي والالتفاف المصالحة من خلال الذهاب الى المصالح الوظيفية والفئوية ومحاولة ترسيخ مشروع "امارة غزة"، فان الوطن أمام مرحلة فاصلة في تاريخه سيكون لها ما بعدها اذا ما استمرت حالة المحاصصة والمواجهة الداخلية.
وبينما يتم تمرير المشروع الأخطر على القضية الوطنية بدعم امريكي من خلال ما يسمى بصفقة القرن التي تشترك فيها أيد فلسطينية، يستمر ما يزيد عن عقد من الانقسام في حرف البوصلة عن أفق المواجهة مع الاحتلال خدمة لأهداف مشبوهة.
بقلم/ نداء يونس