المفاوضات بين إسرائيل وحماس بالرعاية المصرية على حبل رفيع

بقلم: علي ابوحبله

تؤكِّد مُعظَم المُؤشِّرات والتَّسريبات الصَّادِرة عن كُل مِن حركة “حماس″، والحُكومة المِصريّة، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، أنّ اتِّفاق من أربع مراحل جَرى التَّوصُّل إليه لهُدنةٍ طَويلة الأمد، اعتمده اجتماع غير مسبوق للمكتب السياسي لحركة “حماس” في غزّة بحُضور جميع أعضاء الداخل والخارج، برئاسة السيد إسماعيل هنية، رئيس الحركة، ونائبه صالح العاروري، الذي يَتصدَّر المطلوبين على لائِحة أجهزة الأمن الإسرائيليّة لدَورِه في مقتل ثلاثة إسرائيليين انتقامًا للشهيد محمد أبو خضير، الذي أحرقه مُستَوطنون إسرائيليّون عام 2014، وكان هذا المَقتَل الذَّريعة الذي قادَت إلى العُدوان على قِطاع غزّة عام 2014.
ماذا يتضمن الاتفاق مع اسرائيل الذي تم طبخه في القاهرة؟ هدنة لمدة خمس سنوات (مع وجود خيار لتمديد)، ووقف الأعمال "العدائية" بين قطاع غزة و"إسرائيل"، وإزالة الحواجز الاقتصادية عن القطاع، جلب المانحين لتمويل المياه والكهرباء في قطاع غزة وإعادة بناء البنية التحتية والمنازل التي دمرت. بعد ذلك، إنشاء ميناء بحري في الإسماعيلية ومطار في سيناء. وفي المرحلة الأخيرة تبادل السجناء والمفقودين (كلا الطرفين غير راضين عن هذا المضمون). من المهم التأكيد على ما لم يرد ذكره في الاتفاقية: العلاقة بين قطاع غزة والضفة الغربية. كما لو كانوا يتحدثون عن كيانين منفصلين. السلطة الفلسطينية، إذا رغبت، ستقيم علاقات مع الأردن. وستقيم غزة تدريجيا علاقات وثيقة مع مصر. سوف تكون هذه الروابط قريبة جداً لدرجة أنها لن تحتاج إلى معبر كرم أبو سالم (تقريباً) لنقل البضائع إلى غزة.
هذا الاتِّفاق، ومِثلَما أشارَت مُعظَم التَّسريبات المُتعمَّدة لتَهيئة الرأي العام الفِلسطيني له، لَعِبت المُخابرات المِصريّة المسؤولة عن مَلفيّ القِطاع وحركة “حماس” دَورًا كبيرًا في إعدادِه، والتفاوض مع الحركة حول بُنودِه، سيتم إعلانه رسميًّا اذا صادق الكابينت الاسرائيلي عليه اليوم الاحد مساء برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ألغى زيارةً رسميّةً مُقرَّرة إلى كولومبيا ليُشرِف على التفاصيل والمُتابَعة بنَفسِه،
لا يمكن فصل الجهود المصريه عن المؤتمر الذي نظمه البيت الأبيض لبحث “الوضع الإنساني” في قطاع غزة قبل شهرين او اكثر ،والمؤتمر يندرج ضمن “صفقة القرن”، التي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضها على الفلسطينيين.
وعقد البيت الأبيض، مؤتمراً حول الأوضاع الإنسانية المتدهورة في قطاع غزة، بدعوة وإشراف جيسون غرينبلات ممثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للمفاوضات الدولية، ومستشاره والمسؤول عن ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية جاريد كوشنر، بمشاركة 13 دولة، بينها 7 دول عربية (السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان وقطر ومصر والأردن). وقال غرينبلات إن المؤتمر يهدف إلى مساعدة سكان القطاع، ومنع تدهور الأوضاع المتفاقمة، ما يشكل تهديداً أمنياً لكل من مصر وإسرائيل.
وقد رفضت السلطة الفلسطينية المشاركة في المؤتمر، وقالت إنها يندرج في إطار إقامة دولة في قطاع غزة. كما انتقد صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المؤتمر، وقال إنه “يُمهّد لدولة غزة كجزء من صفقة الرئيس ترامب الهادفة إلى إسقاط ملفات القدس واللاجئين من طاولة المفاوضات، وفصل الضفة عن القطاع بهدف تدمير خيار حل الدولتين، على حدود الرابع من حزيران 1967″. وأعلن ترامب في 6 ديسمبر/كانون أول الماضي، القدس عاصمة لإسرائيل، وبعدها بشهر جمّد نصف المساعدات السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لوكالة أونروا.
وفي قلنا ما تطرحه الولايات المتحدة هو صفقة غير قابلة للمناقشة بل للتطبيق، وستبدأ بعزل غزة، وخلق ترتيبات معينة بشأن القطاع على أن يتم لاحقاً الحديث عن حكم ذاتي وبناء مدن كبرى بين غزة وسيناء وبالتالي توطين اللاجئين فيها”. وووفق ذلك تكمن خطورة المبادره المصريه وهي تحت عناوين المصالحه وانهاء الانقسام لكن وفي حقيقة الواقع فان أي اتفاق بين حماس وحكومة الاحتلال تجسيد للفصل الجغرافي بين غزه والضفة الغربيه وتمهد حقيقة لصفقة القرن واقامة دويلة غزه وبتمعن ما كتبت "سمدار بيري" من يديعوت أحرنوت" هذا الصباح حول زيارة وفد من حماس على رأسه نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، صالح العاروري إلى قطاع غزة.
وكتبت بيري، في مقالها صباح اليوم، تحت عنوان "المفاوضات على حبل رفيع"، "أنه في ظاهر الأمر، لدينا حالة رائعة: ألغى رئيس الوزراء (رحلة مهمة؟, ليس أكيد) إلى كولومبيا، وأعلن أنه قرر البقاء هنا للتعامل مع الأمور المتعلقة بغزة. بعد زيارة قصيرة للقاهرة، وصل وفد من كبار قادة حماس، بقيادة صالح العاروري، "الشرير الكبير"، الذي شارك بعمق، من بين أمور أخرى، في خطف وقتل المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة في عام 2014.
هذه هي المرة الأولى التي يصل فيها العار وري إلى غزة. وقد تعهدت "إسرائيل"، وفقا لتقارير أجنبية، بعدم اغتياله. يتحول الوضع إلى الأمام عندما تعقد قيادة حماس اجتماعاً مصغراً في القاهرة ومن ثم تذهب إلى قطاع غزة لتوسيع دائرة المشاركين، للتجول في الميدان واتخاذ القرارات. على الطريق زاروا الحدود مع "إسرائيل" وتم تصويرهم برموز مدانة.
الأمر المدهش في القصة هو أن "إسرائيل"، مثلها مثل حماس، مهتمة بأن يتم إنجاز هذا الترتيب فقط عبر مصر. لاحظوا أننا نتحدث عن ترتيب فقط مع غزة، دون الضفة الغربية. وهذا يعني أن أعيننا مقتصرة على القطاع، وأبو مازن مدعو أيضا للمتابعة مع شركائه والانفجار. إذا نجحت الأمور، فسيكون في النهاية اتفاقاً بوساطة مصرية بين "إسرائيل" وحماس، بمشاركة ممثل الأمم المتحدة لادانوف ومبعوث قطر محمد العمادي. لاحظوا أيضًا الجملة الأخيرة:
"نعمل الآن لمنع المواجهة القادمة في غزة... ولإعادة تأهيل غزة، علينا أن نتحدث إلى إسرائيل". إنه لا يقول من سيتحدث، ولا ينوي إجراء محادثات مباشرة بين حماس و"إسرائيل".
العاروري، الذي يعيش في لبنان منذ عامين ويتحرك بحرية في الشرق الأوسط وأفريقيا، هو "ماكر للغاية". منه يجب الحصول على التزامات.
من ناحية، لم يغلق شيء حتى الآن. من ناحية أخرى، العاروري لم يكن ليأتي إلى غزة لو لم يكن هناك شأن خطير، و"إسرائيل" بالتأكيد لم تتعهد بعدم التعرض له. أيضا لا ننسى أنه الى الآن يستطيع الخروج (للمرة الرابعة هذا العام) من لبنان إلى طهران، للطلب من الإيرانيين أن يكونوا أكثر انخراطا في تمويل الأسلحة إلى قطاع غزة.
العاروري، كما ذكر، رجل خطير للغاية ولإسرائيل حساب طويل معه. ولكن للأسف، كلما قمت بـ"التخريب" وكان الكثير من الدماء على يديك كلما كنت تقدر أكثر.
ومع ذلك كل شيء مفتوح. يبدو لي أنه لم يكن هناك مثل هذه السابقة، على الأقل خلال فترة نتنياهو، حول اتفاق سيتم التوصل إليه بين "إسرائيل" وقيادة حماس. يشك كلا الجانبين في بعضهما البعض، وحتى مصر، التي تعرف كيف تقرأ الصورة، ليست خالية من الشكوك.
من المثير للاهتمام رؤية ردود الفعل في السلطة الفلسطينية. خلال لحظة يمكن إبعادهم وخلال لحظة يمكن إحضارهم، وفي لحظة يمكن أن ينهار كل شيء. وبعد ذلك ستكون هناك جولة مروعة من القتال بين "إسرائيل" وحماس. جميع الأطراف تفهم هذا.
وفق هذه الرؤيا الاسرائيليه علينا نحن الفلسطينيون ان نحلل خفايا الموضوع من كافة جوانبه بهذه الصفقه التي تسعى مصر لتحقيقها وفي حال تحقق الاتفاق وفي حال نجاحه ، قد يكون المَرحلةَ التمهيديّة الأُولى لتَطبيق صفقة القرن باسمٍ آخر، أو الشَّق المِصريّ القَطريّ (من قطر) ودون وجود تنسيق بين الجانبين، فالأُولى قامت بالوِساطة، وتَقديم المُغرَيات لحركة “حماس″، والثانية سَتُقَدِّم المال، وهُناك تسريبات إسرائيليّة، لا نَعرِف مدى صِحّتها، تتحدَّث عن قِيام شخصيّة إسرائيليّة كُبرَى بزيارة الدوحة في اليومين الماضيين للاتِّفاق على حجم التَّمويل، وطريقة وصوله إلى القِطاع، والشَّرِكات التي ستتولَّى إعادَة الإعمار، وبِناء محطّات تَحلية المِياه والكَهرباء، والمَطار والميناء.
حركة “حماس” تُقدِم على مُخاطَرةٍ كُبرى، عُنوانها كسب الوقت، وتَكريس وجودها، وإنقاذ أبناء القِطاع من وَضعٍ لا يُطاق، يَصعُب تَحمُّله، بسبب الحِصار، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالبواطِن وما تتطلَّع إليه دولة الاحتلال الإسرائيلي من وَراء هذا الاتِّفاق، خاصَّةً أنّ تجارب الفِلسطينيين السابقة مع الاتِّفاقات المُماثِلة مُؤلِمة بِكُل المقاييس، وما جَرى لاتِّفاق أوسلو، وبَعدَ رُبعِ قَرنٍ من توقيعه، ما زالَ ماثِلاً للأذهان.
سننتظر الإعلان الرسميّ لبُنود هذا الاتِّفاق وتفاصيله، ومَلاحِقه، وضمانات تنفيذه، ورُدود الفِعل الفِلسطينيّة والعَربيّةِ عليه، ولا نَعتقِد أنّ انتظارَنا سيَطول، ولِكُلِّ حادِثٍ حَديث.

 

المحامي علي ابوحبله