هدوء مقابل هدوء لا يرضي أهل غزة

بقلم: فايز أبو شمالة

بعد أن اغتصبوا كل فلسطين، وحاصروا مقدرات أهل غزة، يردد القادة الصهاينة مقولة (هدوء مقابل هدوء)، مقولة لن يرضى عنها أهل غزة، ولن يقبلوا بها، وهي لا تشفي غليل أهل القدس المحتلة، ولن تحرر شبراً من الضفة الغربية المنكوبة.

الهدوء مقابل الهدوء، والأمن للمستوطنين مقولة بائسة، لا تجلب سلاماً للمنطقة، ولا تحقق استقراراً، إنها مقولة العربدة السياسية التي تقوم على الانتصار والهزيمة، السيطرة والخنوع، القوة والضعف، التفوق والتخلف، الغطرسة والتذلل.

(الهدوء مقابل الهدوء) معادلة تتناغم وأطماع قانون القومية اليهودي الذي أخذ كل شيء من فلسطين، وترك الفلسطينيين حائرين في تدبير لقمة عيشهم فقط، دون القدرة على تلوين هويتهم بالعلم الفلسطيني، وهذا غير مقبول على أهل غزة الذين عانوا الحصار والعقوبات، واكتشفوا بالتجربة أن الهدوء مقابل الهدوء لم يحقق لهم البسيط من أحلامهم وتطلعاتهم، والهدوء مقابل الهدوء لن يحقق لهم فرصة العمل، ولن يحقق لهم الوظيفة، ولن يطور من واقعهم، ولن يرفع عنهم العقوبات، ولن يسمح لهم بحرية السفر والتنقل!! فكيف يقبلون بهذه المقولة التي لا تعني إلا الموت البطيء، والخروج من التاريخ العربي والجغرافيا الفلسطينية.

الهدوء مقابل الهدوء مقولة مرفوضة، ويحتقرها أهل غزة، ويؤثرون الموت انتصاراً لحقهم في الحياة على الموت انتظاراً، لذلك فإن غزة على قلب رجل مقاوم، تصر على أن لا هدوء في قلب المستوطنات اليهودية طالما لا يتحقق العمل والتطور والحياة والحرية والعودة لمخيمات جباليا وبلاطة والدهيشة والمغازي.

الهدوء مقابل الهدوء مقولة لا يرضي بها صغار غزة الباحثين عن المستقبل، ولا يرضى بها الكبار الذي ضاع مستقبلهم بين احتلال وحرب واغتصاب وسجن وجراح وشهادة، ولا ترضى بها الصبية والطفلة التي يطاردها الحصار حتى مقعد الدراسة، وعلى كل الأطراف الدولية، وعلى رأسهم ملادينوف، وعلى كل الأطراف العربية وعلى رأسهم مصر، أن يتأكدوا بان الشعب الفلسطيني يرفض هذه المعادلة، ويطالب الجميع بأن يكونوا وسطاء منحازين للإنسان في قطاع غزة، الإنسان الذي يفتش عن الحياة بعيداً عن لغة الانتظار بلا أمل.

وعلى المجتمع الإسرائيلي أن يراجع حساباته، فالهدوء مقابل الهدوء لغة المنتصرين، الذين يملون شروطهم على المهزومين، وغزة لم تهزم، ولن تهزم، والشعب الذي يخرج على خطوط الهدنة في مسيرات العودة يرفض النسيان، ويرفض الهزيمة، والشعب الذي يحمل البندقية ويواجه الدبابة ليس مهزوماً، والشعب الذي يطلق البالونات الحارقة مقابل الطائرات الحديثة لا يهزم، والشعب الذي يصرخ بالعودة من وسط الجوع والحصار هو شعب يبحث عن كرامته وحريته وحياته، وسيصنعها بأظافره وحجارته ورصاصه وقذائفه، وبكل ما أوتي من قوة وجاهزية للتضحية، وعلى القيادة الإسرائيلية أن تدرك جيداً، أن التصعيد والمواجهة الشاملة لن تسفر إلا عن مزيد من الضحايا والجرحى والدمار، ولكنها لن تحقق لكم الانتصار، فاختصروا الطريق باتجاه تهدئة مقابل رفع الحصار، والبدء في تطوير حياة الناس في غزة، والبدء في الاعمار، ودون ذلك، فالمواجهة سيف ذو حدين.

د. فايز أبو شمالة