رغم الإنقسام والتشتت السياسي والإجتماعي والجغرافي والذي يهيمن على المشهد الفلسطيني , ورغم الفجوة الكبيرة بين الشعب والفصائل ورغبة الشعب بالحصول على حياة كريمة وضمان إجتماعي وإقتصادي , ورغم عدم التناغم بين إسلوب الفصائل وطموحات الشعب بالعيش , رغم هذه الخلافات المزمنة فعندما تقع الواقعة نجد تعاطف بين الشعب والفصائل من باب الدم الواحد والقضية الواحدة , ووسط الإخفاقات الكبيرة في إدارة الوطن والتي تتمثل في الإنقسام والتشتت والتراجع السياسي المستمر , إلا أن فصائل المقاومة بأجنحتها العسكرية المختلفة جسدت الوحدة الوطنية من خلال العمل العسكري , ومن خلال غرفة عمليات مشتركة باتت تتحدث بلسان واحد لتصبح أكثر تأثيرا وردعا لآلة الدمار الإسرائيلية , وبناء على ذلك أصبحت إسرائيل النووية تخشى هذه المعادلة والتي تتمثل في ردات الفعل المباشرة على كل إستهداف تقوم به إسرائيل .
أثناء القصف المتبادل إسرائيل النووية طلبت من مصر التدخل الفوري لوقف إطلاق النار , ورغم أن الطلب كان يحمل لغة الهنجهية والتهديد بعملية عسكرية واسعة في غزة , إلا أن هذا الطلب يعتبر نقطة تحول كبيرة في لهجة إسرائيل , فقبل ذلك كانت مصر تتدخل بشكل فوري لوقف إطلاق النار , وكانت إسرائيل تؤجل الرد حتى تكسب وقت يتيح لها أن تنهي مهمة بنك أهدافها في غزة , ومن ثم ترد على طلب الهدنة بكل أريحية , فاليوم الوضع مختلف بعد ما سارعت إسرائيل بالإتصال على مصر للتدخل الفوري , وبناء على هذا تم تأجيل إجتماع المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" كي يتاح لمصر الفرصة لوقف إطلاق النار بين الطرفين .
إسرائيل لا تريد الحرب على غزة , والفلسطينيين لا يريدون الحرب أيضا , ولكن أصبحت القاعدة الأساسية للصراع بيننا وبين إسرائيل ترتكز على العمل التكتيكي أكثر منه إستراتيجي , فأصبح القصف المتبادل عبارة عن ردات فعل فقط , فكل منا يريد حماية أمنه وهيبته , حتى لا يقترب أحد من الآخر .
العمل العسكري للمقاومة الفلسطينية إستراتيجيا غير ناضج , ويحتاج وقت كبير ليتحول الى عمل ممنهج ومدروس ومنظم بحيث يرتقي الى مصطلح التحرير أو قلب موازين القوى أو تحقيق مطالب كبيرة تخدم القضية الفلسطينية بشكل عملي وملموس , فلا زالت المقاومة الفلسطينية تعمل في حقل العمل التكتيكي والدفاعي , ومعادلة القصف بالقصف تشكل قاعدة صلبة للدفاع , فهي على الأقل تحد من هجوم إسرائيل المتواصل , وأيضا تبني جسر متين بين العمل التكتيكي والعمل الإستراتيجي , وأيضا تشكل ورقة ضغط وقوة للمفاوض السياسي الفلسطيني ليكون أقوى من المفاوض الإسرائيلي .
على غرار الإنقسام الفلسطيني باتت الأجهزة العسكرية موحدة وتعمل بشكل منظم ومدروس , وباتت تشكل قوة ردع حقيقية للكيان الإسرائيلي , ورغم أنها أصبحت جاهزة للرد على إسرائيل , إلا أنها تضع لنفسها سقف زمني لهذا الرد بحيث لا تجر غزة لحرب مدمرة .
القرار التي إتخذته فصائل المقاومة ومن خلال غرفة العمليات المشتركة هو قرار سليم , وهو أنها إكتفت بالرد وسيتم وقف إطلاق النار من طرفها , بحيث تكون على جاهزية لأي عدوان إضافي تقوم به إسرائيل بعد وقف إطلاق النار .
في تقديري أنه لا أحد يريد حرب على غزة , فإسرائيل أصبحت لها حساباتها وسقفها الزمني للردع , والفصائل الفلسطينية لها حساباتها أيضا ولها سقفها الزمني للردع , ولكن إسرائيل لم توافق على هدنة رسمية بينها وبين حماس بوساطة دولية كي لا تلزم نفسها بالصمت أثناء مدة الهدنة , والتي تتراوح ما بين خمسة أو عشرة سنوات , فإسرائيل تعرف جيدا أن سنوات الهدنة في حال تمت ستعطي الفرصة لفصائل المقاومة بالعمل بأريحية في مجال الإعداد والتجهيز , وتأمين البنية العسكرية والمنظومة الدفاعية وخاصة تطوير الصواريخ , وهذا ما تخشاه إسرائيل من الهدنة الطويلة , بالإضافة الى التسهيلات الإقتصادية الملازمة للهدنة , فإسرائيل أصلا معنية أن يكون الشق الإقتصادي ورقة ضغط بيدها تستخدمها متى تشاء , فالرفض الإسرائيلي لهدنة طويلة لهذه الأسباب , بالإضافة الى أنها تربط ملف جنودها المختطفين في غزة بملف الهدنة وهذا ما يزيد الأمر تعقيدا .
رغم أن حماس وافقت على هدنة طويلة الأمد , وستوافق في كل مرة عندما تتاح لها الفرصة , ورغم أن حماس لا تمانع بحوار غير مباشر مع إسرائيل , وهذا ما جاء على لسان المكتب السياسي لها بشكل رسمي , إلا أن باقي الفصائل ستكون حجر عثرة أمام حماس في سلوكها السياسي والذي يتجه الى حوار مع إسرائيل , بالإضافة الى عدم موافقة إسرائيل لرغبة حماس ,
فإسرائيل ستكتفي بمصطلح وقف إطلاق النار في كل مرة كي لا تلزم نفسها على أوراق رسمية .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
فلسطين – غزة