تل الزعتر سيبقى في الوجدان

بقلم: عباس الجمعة

في مثل هذه الأيام من عام 1976، كان مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين والواقع في المنطقة الشرقية من بيروت، ميدانًا لحرب إبادة واسعة النطاق، قامت بها القوى الانعزالية انذاك ، حيث كتب تل الزعتر بصمود ابنائه حكاية كفاح الشعب العربي الفلسطيني، وفلسطينيي لبنان على وجه التحديد من خلال ما ارساه ابطال تل الزعتر من صفحة مجيدة حيث صنعوا أسطورة حية تلهم أمة بكاملها على مدى الأجيال القادمة.
من هنا عندما نقف امام مخيم تل الزعتر الذي صنع ابنائه المجد والعزة والكرامة والتضحية وقدموا أرواحهم رخيصة من أجل أن نبقى أحياءاً ونعيش أحراراً، اعتقد البعض ان بعد مرور هذه السنوات يمكن ان تنهي المأساة التي عاشها ابناء المخيم المخيم.
ان ما حدث في مخيم تل الزعتر، من جريمة طالت ايضا قطاعات من الشعب اللبناني، هم فقراؤه وكادحوه، وأبناء المناطق الريفية المهمشة في الجنوب وعكار وجرود الهرمل ومعهم المئات من عائلات العمال السوريين في لبنان الذين كانوا ضمن حدود مخيم تل الزعتر، إلى جوار أشقائهم الفلسطينيين في بيوت متواضعة البناء، وبعضها لا سقف له سوى أسقف من ألواح الصفيح المصنوعة من معدن التوتياء.
نعم نقول ان المؤامرة في لبنان كانت تستهدف ضرب مخيمات الشعب الفلسطيني وكان مخيم النبطية البداية عندما دمره العدو الصهيوني، ومن ثم تل الزعتر باعتباره خزان الثورة الذي خرج منه مئات المقاتلين ملتحقين في صفوف الثورة منذ انطلاقتها وسقط منهم عشرات الشهداء على ارض فلسطين في الاردن والجولان وجنوب لبنان من اجل العودة الى فلسطين.
من هنا نرى ان المخيمات لا زالت تنبض بنضال اصرارا على حق الفلسطيني بالعيش بكرامه انسانيه، وان الشعب الفلسطيني يستلهم الفكرة الخالدة في الوفاء لأسطورة تتجدد في بشكل دائم ، ومعها ينهض تل الزعتر الذي يبقى حيا بتحركات ونضالات الشعب الفلسطيني وفصائله وقواه ، لانه هو جرح ودرس ورمز وذكرى اسمه مخيم تل الزعتر ، التي جسد بشموخ وبتضحية وبصبر وصمود وعطاء، وبطولة أبنائه العظام الذين استحقوا المجد ، لنقول لمن ارتكب الجريمة ان الحقيقة لاتضيع أو تطمس معالمها، إنما تبعث دائماً لتعرفها الأجيال الجديدة والأمم والشعوب بتاريخها وبسالتها، ومهما طمست وتم تجاهلها فهي باقية ممتدة وعميقة وغنية بفعل قيمتها ودروسها، كما ان تل الزعتر جريمة لا تحتاج إلى أدلة وقرائن و شهود، ارتكبت على مدار ٥٢ يوماً بحق الإنسانية، والقتلة ليسوا إلا حفنة من الفاشيست، وجودهم ليس سوى نقيض لثقافة الحياة .
وها نحن اليوم نرى بصمود وتضحيات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة والقدس والخان الاحمر تجسيد لأنصع الصور المشرقة في تاريخ النضال الوطني، حيث يوجه الشعب الفلسطيني بإرادته وعزيمته وبتضحيات أبنائه رسائل تحدي جديدة للاحتلال المجرم ولكل المشاريع والمخططات الامريكية والصهيونية ولكل المحاولات الهادفة لتحييد شعبنا ومقاومته من دائرة الصراع، حيث يواجه شعبنا عبر أدوات النضال بين الوسائل الشعبية والكفاحية الاحتلال المجرم، مدافعا عن الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية.
وفي ظل هذه الظروف نشهد من خلال الجولات المكوكية ان الطريق الذي تدير به حركة حماس موضوع المصالحة وقضية الهدنة أمر يبعث على القلق، حيث بات من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة الاحتلال وبعض الأطراف الإقليمية تستخدم في الشأن الفلسطيني سياسة العصا والجزرة فإما القبول بتهدئة طويلة الأمد مع الاحتلال وفي إطاره معالجة قضايا غزة وترك مسألة المصالحة ، أو خيار التهديد بشن عدوان واسع النطاق على قطاع غزة ، ولكن في المقابل نرى صمود الموقف الفلسطيني الثابت والرافض لصفقة القرن ورفض معالجة الأزمات الإنسانية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، لهذا نتطلع الى اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني من اجل استثمار حالة الوحدة الشعبية التي تعزز في ميدان المواجهة للدفع بتنفيذ قرارات المجلس الوطني الفلسطيني والحفاظ على المشروع الوطني وحماية منظمة التحرير الفلسطينية، والتصدي لكل ما يحاك من مؤامرات من خلال تطبيق اليات المصالحة الفلسطينية وتنفيذ كل ما اتفق عليه في القاهرة وصادقت عليه الفصائل برعاية مصرية.
ختاما : ان ملحمة تل الزعتر وأسطورة الصمود التي يصنعها شعبنا على ارض الوطن كما صنعتها من قبل صمود القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية في التصدي للغزو الصهيوني عام 82 ، وما صنعتها الانتفاضة الاولى والثانية على ارض فلسطين ستظل تاريخًا مجيدًا على طريق تحرير الارض والانسان .


بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي