تشهد الحالة السياسية الفلسطينية , حراكاً داخلياً وإقليمياً متسارعاً ,يتعلق بقضايا مهمة , تمس جوهر القضية الوطنية الفلسطينية , تأتي هذه الظروف الصعبة والمعقدة ونحن نواجه مؤامرة صفقة القرن , التي أصبح عنوانها واضحاً للجميع , ممثلاً بتصفية القضية الفلسطينية , وطمس معالم هويتها وتهويد أرضها ومقدساتها , هذه المؤامرة المفضوحة والتي تطفح حقداً وعدواناً للكل الفلسطيني بلا إستثناء , لم تستدعي للأسف جهداً وطنياً مخلصاً لتوحيد الصف الفلسطيني , وتعزيز جبهة المواجهة لكافة أشكال العدوان والمؤامرة على شعبنا وقضيتنا .
قضيتنا الوطنية يتجاذبها مساران، أحدهما يملك القوة الشعبية والمادية ومشروعاً للوحدة الحقيقية، والأخر كهل في السياسية التفاوضية , أعدم كل وسائل القوة والثورة والوحدة من برنامجه , يرى في نفق التسوية والإنتظار فيه رغم خبث ما يفضي إليه ، ورغم الخسارة ومذلة الاستجداء التي يعيشها ، يرى في ذلك استراتيجية وطنية وخيار لا رجع عنه ولا بديل له, ويريد إرغام الكل الفلسطيني أن يلج هذا الجُحر الذي لا حياة ولا أمل ولا مستقبل فيه .
يعقد رئيس السلطة محمود عباس المجلس المركزي لمنظمة التحرير في دورته "29" في رام الله , منفرداً بلا عصبة , ووحيداً بلا عشيرة , متمسكاً بعناده وسياسته الإقصائية , والتي طالت حليفه الإستراتيجي الجبهة الديمقراطية مؤخراً , خاوياً جرابه من أي قوة , فهو لا يؤمن بحمل المسدس أو إلقاء الحجر في وجه المحتل , يحرص على إستمرار التنسيق الأمني , ويفتح قاعات مقاطعة رام الله للتواصل مع المجتمع الصهيوني , ويغلق قنوات الحوار مع الكل الفلسطيني , السيد عباس يصرح بمعارضته لصفقة القرن وأنه يقارعها وحيداً, ولم يحرك دولاراً واحداً لإسقاط صفقة ترامب في القدس والضفة , أليس تقييد الجماهير في مدن الضفة عن التفاعل مع قضاياها , ومنع ثورتها على محتليها جريمة لا تغتفر؟ , قد سُمنت المستوطنات على تلال الضفة , وزادت عربدة المستوطنين على أهلها أرضها وزيتونها , فإسقاط قوة الجماهير وإخضاعها عبر الآلة الأمنية السلطوية لا يصب في صالح قضيتنا , ويؤثر بالسلب على مسارات الدفاع عن الحق الفلسطيني وإظهاره جلياً واضحاً أمام العالم أجمع .
صبت السلطة برئيسها وحكومتها سهامها القاتلة ضد غزة وناسها عبر العقوبات الظالمة ، أليس تعزيز صمود الجماهير في غزة من موجبات مواجهة صفقة القرن الأمريكية , فلماذا تُقمع غزة ويحاول البعض إذلال أهلها بشكل ثأري متعمد؟ , فكيف تواجهون صفقة القرن والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية؟ , وسياساتكم مزيداً من الإبتعاد عن الوحدة الشاملة والشراكة الحقيقية , وعقوباتكم تمس مقومات الحياة الإنسانية لأهل الصمود والمرابطة في غزة , فلماذا عقاب الشعب بمقدرات الشعب , أليست السلطة ملك للشعب ؟ , هل كل ذلك من أجل معارككم الإقصائية , وسعياً لحشد الناس لرؤيتكم التي لا يأتيها الباطل ولا يقبل لها النقد .
وسادت لغة التهديد والوعيد في الخطاب السلطوي ضد قطاع غزة , لتحل غزة مشاكلها بأيديها , أو تنزع أشواكها بأظافرها , إجراءات غير مسبوقة ضد الطائرة المختطفة "غزة " حتى تعود إلى "الشرعية" , شعارات فجة وصادمة لا تمت للوطنية أو الإنسانية بصِلة , كانت تٌستهدف بها غزة وأهلها , وفرضت العقوبات الجائرة بلا أدنى شفقة , كانت بقسوتها تفتك بالإنسان ومقومات البقاء للفلسطيني على أرضه .
في غزة كان الخطاب وحدوياً , وكانت الفصائل الفلسطينية تتداعي للتشاور في كل أمر أو حادثة , إجتمعوا معاً في ميدان المواجهة للإحتلال والحصار والعدوان والعقوبات , كان الخندق في غزة يتسع للجميع, أيقن الفلسطيني أن لا مشكلة في غزة التي تطلب الشراكة لا أكثر , وتطلب الكرامة للكل الوطني , وتنزف من أجل ذلك بكبرياء من أوردة العطاء والتضحية بلا توقف .
في القاهرة تجتمع الفصائل الفلسطينية للحوار ودراسة مقترحات التهدئة ، وتخفيف حدة التوتر في غزة وإنقاذها من حالة الإستنزاف في حالتها الإنسانية ،وسط تهديدات لقادة الإحتلال بالحرب , بعدما أركبت المقاومة حسابته وأوجعت خاصرته في غلاف غزة , وصنعت بصمود شعبها معادلات الردع في إطار المواجهة مع المحتل الصهيوني , فلا تلوموا غزة وهي تقاتل بيد وتلوح للوحدة بيدها الثانية الجريحة , غزة تقطر بالدم وتصرخ بروح الإخوة وتلاحم الصف, لا من ضعف ولا من كسر وهي العنيدة في الحق , قد حطمت رؤوس الطغاة قديما وحديثاً ولا تحنى رأس كرامتها أبدا , نداء الواجب في الوطن الجريح الذي تطلقه غزة لا يعني الإستسلام , بل هو نداء أجيالاً مضت وأجيالاً قادمة من أجل ترك الشقاق والفرقة وتوحيد الصفوف , هذه رسالة الوحدة والشراكة التي تطلقها غزة القوية , فهل من مجيب ؟ .
هكذا هي الصورة الفلسطينية العامة , كآبة الحال وسط بحور المؤامرات , وتجبر الطغيان وتزايد العدوان , فهل من سبيل للخروج بالحالة الفلسطينية من إنشطارات العبث إلى ساحة الوفاق الحقيقي , من سراديب التيه إلى بوصلة الإلتقاء على الهدف المنشود نحو الحرية والإنعتاق من الإحتلال , فهل من سبيل لرؤية وطنية جامعة تلم هذا الشعث , وتوحد تلك الامكانيات والطاقات في مسيرة شعبنا نحو الحرية والخلاص من المحتل.
بقلم/ جبريل عوده