من أخطر الظواهر والتي من الممكن أن تؤدي الى فشل حوارات الفصائل الفلسطينية في القاهرة , وخاصة في ملف المصالحة , هي دمج ثلاث ملفات في وقت واحد , وهما ملف المصالحة وملف التهدئة مع إسرائيل وأيضا ملف حل المشكلات الإقتصادية في غزة وتقديم التسهيلات ,بالطبع هناك حالة إزدحام للفصائل في القاهرة ولا زالت الوفود تتجة الى القاهرة , والملف الأخير سيتم إنجازة في حال فشل المصالحة وفشل التهدئة مع إسرائيل أيضا , فملف تقديم التسهيلات لغزة هو الخطة البديلة التي سيقوم بها جهاز المخابرات المصرية في حال الوصول الى طريق مسدود مع الفصائل , فالمخابرات المصرية تعلم جيدا أن غزة متعطشة للحلول الإقتصادية , وفي حال أنجزت هذه الحلول ستنعكس فورا على الوضع الأمني والتوتر على حدود غزة , وسيسود الهدوء تلقائيا سواء على الصعيد الشعبي أو الفصائلي .
ثلاث ملفات ستجعل من الحوار صعبا ومعقدا , وسيمتد الى ما بعد عيد الأضحى بحسب ما ورد على لسان الناطق بإسم لجان المقاومة الشعبية محمد البريم "أبو مجاهد" وخاصة أن العقلية السياسية الفلسطينية لا زالت غير ناضجة كي تستوعب نقاش ثلاث ملفات مهمة ومفصلية في وقت واحد .
لقد أخطأت المخابرات المصرية عندما تعاملت مع نيكولاي ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط , فهو كان قاصدا ومن خلال زياراته الأخيرة أن يدمج ما بين ثلاث ملفات في غاية الأهمية , وهو يعلم تماما أن العقلية السياسية الفلسطينية في حالة صراع مستمر مع بعضها البعض بسبب الإنقسام والتوجهات الفكرية والأجندة وغيرها من الظواهر الخطيرة التي تسيطر على عقلية السياسي الفلسطيني , وبناء على هذا التقييم نستطيع أن نقول أن إحتمالات فشل الحوارات كبيرة , وأيضا بناء على الضغط الكبير الذي يقومون به المصريين وإصرارهم على إنجاز هذه الملفات , ستبقى نافذة الأمل مفتوحة ومعلقة على مدى جهد وقوة ضغط المصريين .
لا نستطيع كمحللين أن نخرج بتحليل دقيق في هذا الوقت وبالتحديد , فهناك إزدحام للفصائل في القاهرة يتزامن مع رغبة الجميع في هدنة مع إسرائيل , ويتزامن أيضا مع رغبة الجميع بالمصالحة وأيضا التسهيلات على غزة , ويتزامن مع قوة ضغط المصريين , ويتزامن مع بعض الإشكاليات التي تظهر كل ساعة عبر وسائل الإعلام مثل شروط حركة فتح بأن تترأس وفد الهدنة , وأيضا يكون حضور واضح لمنظمة التحرير بتكليف رسمي من الرئيس أبو مازن , ويتزامن أيضا مع مخرجات المجلس المركزي المنعقد , فمنها ما يخدم المصالحة ومنها ما قد يعيقها .
في الوقت الراهن هناك أحداث متزاحمة ومتجددة , وهناك تزامنات كثيرة وضغوطات كبيرة , بالإضافة الى رغبة كل فصيل وكل طرف بأن يحقق مطالبه الشخصية , فمن المهم جدا أن نعرف على الأقل ماذا يريد كل طرف كي نستطيع أن نحدد مدى فرصة نجاح الحوارات .
نيكولاي ملادينوف أراد أن تكون صفقة القرن عبر ملفات مختلفة وكان مصرا على تحقيقها , فهو يعلم جيدا أن الثلاث ملفات والتي تصب في الجانب الإقتصادي هي بحد ذاتها جزء من صفقة القرن .
إسرائيل تريد هدنة بأقل ثمن فهي تستثني بند الميناء وتكتفي بفتح معبر كرم أبو سالم كما كان سابقا , وعودة مساحة الصيد الى ما كانت عليه سابقا ستة أميال .
حركة حماس تركز جيدا على الهدنة وتريدها بأي ثمن
حركة فتح تريد النفوذ السياسي والسيطرة والتمثيل الكامل في الملفات , وأيضا قيادة الوفد المفاوض .
باقي الفصائل تريد أن يكون لها حضور مستمر في جميع الملفات , وخاصة بعد عمليات الإقصاء التي تتعرض لها في كل مفاوضات , وأيضا تركز أن تكون الهدنة بثمن كبير وخاصة بعد إستعداد حماس للتنازلات من أجل مطالب إقتصادية .
المخابرات المصرية تريد إنجاز ملف المصالحة باقرب وقت ممكن , لأنها تعمل بوكالة من النظام المصري والذي يسعى الى تحقيق الأمن القومي في المنطقة , وأيضا يريد التعامل مع غزة من خلال السلطة الشرعية , وهذا بالطبع بالوكالة من جامعة الدول العربية , فالدول العربية أعطت الثقة لمصر وحرية التصرف بالملف الفلسطيني , وهذا يزيد من مكانه مصر عربيا ودوليا .
بإعتقادي ومن خلال قراءة الواقع أرى أن الكفة الراجحة ستكون لملف الهدنة أكثر من المصالحة , وذلك لأن تركيز الفصائل وحركة حماس بالتحديد ينصب في ملف الهدنة مع إسرائيل , رغم ضغط المصريين بإتجاه المصالحة , وأيضا في حال فشل الهدنة والمصالحة سواء سيكون الحظ الأوفر للخطة البديلة , وهي تقديم التسهيلات لغزة لتثبيت نظرية الأمن مقابل الغذاء .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
فلسطين – غزة