اين نحن من العيد

بقلم: هادي زاهر

بعد أيام يقبل علينا عيد الأضحى المبارك، جعله الله عيدًا سعيدًا على جميع خلقه، ونحن هنا لا نريد التطرق إلى مناسبة هذا العيد من المنطلق الديني، خاصة وأنها معروفة، ولكننا نريد أن نتطرق إلى المعاني السامية للعيد ككل، وذلك على ضوء ما نقوم به في أيام العيد المباركة، طبعا نحن لا نعمم لان في التعميم الكثير من الظلم والتجني، ولكننا ما نشهده اليوم هو ان العيد فقد الكثير من معانيه، خاصة الاجتماعية والروحية، لدى شريحة كبيرة جدًا من جيل الشباب حيث ان الأغلبية الساحقة من هذه الشريحة تترك قراها أيام العيد وتسافر في رحلاتها الاستجمامية، داخل البلاد لتفرغ قرانا من سكانها، في العام الماضي ذهبت إلى قرية دالية الكرمل وعدت إلى بلدي قرية عسفيا في اليوم الثاني للعيد دون أن اصادف ولو سيارة واحدة، علما بان الشارع الرئيسي الذي يوصل بين القريتين يعاني دائما من الاكتظاظات المرورية، مدينة أيلات تنغمر بالقادمين اليها حيث ان البلدية هناك تنصب على مدخل المدينة يافطة كبيرة تعايد وترحب بالقادمين اليها بمناسبة العيد، فالمهم ما يدره العيد على المصالح التجارية هناك من راس مال.

خارج البلاد، تركيا مثلًا تكتظ بالزائرين العرب من إسرائيل، ولا نريد ان نسهب في ادراج الأمثلة، طبعا من حق كل إنسان أن يتصرف وفقا لما يراه مناسبا، ولكن نحن بدورنا نريد أن نساهم في بلورة تصرفاتنا ومفاهيمنا من منطلق الغيرة والمحبة على مصلحة أهلنا، من منطلق أن لكل مقام مقال، فللعيد معان سامية علينا أن نتمسك بها، يجب تجديد أواصر العلاقات الاجتماعية بيننا، التقرب من الاهل، زيارة بعضنا البعض، ويمكننا أن نقوم برحلاتنا خارج أيام العيد.

في هذه المناسبة نردد مع شاعر العرب " المتنبي " عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد

لا بد في هذه الأيام من أن نترحم على كل الشهداء الذين يذبحون بدم بارد على يد أعداء شعبنا.. وعلى يد قوى الظلام، في السويداء وكل انحاء سوريا، في غزة وكل انحاء فلسطين، لقد قتل في السويداء قبل أيام حوالي ال3000 مواطن ونفس العدد قتلت إسرائيل في حربها الأخيرة في غزة، ان الإرهاب لا يتجزأ قلنا أن إسرائيل الداعمة للإرهاب انها، وداعش وجهان لعملة واحدة وقد اعترض من اعترض على هذا الكلام ولكن حقيقة دعمها للإرهاب لا يدع مجالًا للشك في ذلك، وفي اليمن وفي العراق وكل مكان، إن الأضحى جاء ليحمل اسمه حقا وحقيقة، جاء للتضحية في سبيل احقاق الحق.. في سبيل رفع الضيم عن المظلومين في سبيل دعم الفقراء، فاين نحن من كل ذلك على ارض الواقع؟ جميعنا يتغنى بهذه الشعارات في حين ان العطاء في مجتمعنا ما زال متواضعًا للغاية، إذ لا نجد مقتدراً أنقذ مفلسًا وجعله ينهض من جديد.. ولا نجد من يبني مشروعًا خيريًا وإذا حاول أحد أن يبني مشروعًا ولو صغيرًا نجد من يتصدى له بدلا من دعمه؟!! وإذا أعطينا فالعطاء يكون بالفتات إذ لا نجد حتى من يقيم ناد في حيه. ومن المعروف بان الإنسان يمر خلال مسيرة حياته بظروف مختلفة فيها من نجاحات وإخفاقات.. من صواب وأخطاء.. صداقات وخلافات، سوء تفاهم قد نكون في غنى عنه، إلا أن السرعة التي هي من الشيطان توقد عواطفنا وتأجج أنانيتنا فتحجب عنا أخطاءنا لنرى أخطاء الآخرين بحقنا بالمكبر؟!! وهنا من الفروض أن يأتي العيد بالقيم التي يحملها ليطفئ عواطفنا الهوجاء كي نرى الأمور بموضوعية ونعمل على طي صفحات الماضي السوداء أو لنزيل البقع عنها لتغدو ناصعة البياض، وهنا تكمن الحكمة.. حكمة الفرد منا.. إن من هو أكثر رحابة صدر.. من هو أكثر وعيًا عليه أن يبادر إلى تسوية الخلاف، وقد قيل: "إن الوعاء الكبير يتسع للوعاء الصغير"، ولنا من أقوال الأنبياء والحكماء ما يمكنه أن يغطي هذه الإشكالية، فقد اشاروا إلى مدى أهمية الاعتراف بالخطأ وقد قيل: " من غلط ورد لا يرد " وقيل: " العفو عند المقدرة " و " من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه " و "الاعتراف بالخطأ واجب " والخ من الحكم والأمثال التي تشجع على الاعتراف بالخطأ، وهنا نسأل أين نحن من ذلك ؟!!، يبدو أن جذورنا ما زالت تمتد إلى العهد الجاهلي فتقاليدنا العربية المستمدة من هناك.. المتشبثة في نفوسنا تجعل الفرد منا يعتقد بأن الاعتراف بالخطأ هو استصغار في شأن الذات.. ضرب للكبرياء، فنكابر ونعاند حتى لو شعرنا واعترفنا بالخطأ في قراره أنفسنا؟!!.. إننا نجد ملاذا من ممارسة ما يتطلبه العيد بواسطة أخذ زاوية من متطلباته ومنها إعلان الفرح ولكننا نوغل في ذلك لنبالغ في الإسراف والتبذير حتى نفرغ العيد من معانيه السامية ونحوله إلى مظاهر عابرة من إقامة الولائم بدلا من الاقتصاد في إنفاق لدعم مجتمعنا.

نوغل في ارتداء الملابس الجديدة ولكن ما معنى أن نلبس ملابس جديدة دون أن نتسامح.. دون أن نمنح صك الغفران لمن أساء إلينا، والعفو عن المقدرة. دون أن نخلع ما في نفوسنا من أحقاد وبغضاء نوغل في المصروفات التي نستلفها من البنوك كقروض بالفوائض الفاحشة لتدخلنا في أزمة مالية تبعد هداوة البال، من العيد للعيد

وهنا نعود ونسأل: ما معنى أن نُعيد دون أن نفهم المعاني الروحية للعيد دون أن نتمسك بقيمنا وتراثنا وجذورنا وتاريخنا؟ يجب أن يكون العيد خفيف الظل إذا صح التعبير، يخفف عن كاهلنا بدلا من الإثقال عليه.. يجب أن يُرسل البسمة على شفاهنا.. من قحط القلب.. يجب أن لا يُكدر صفونا بالاحتفالات الفوضوية التي تغلق الشوارع وتعطل حركة السير خاصة في اليوم الأول للعيد.. علينا أن نودع العيد كما استقبلناه بفرح شديد وليس بحسرة في قلوبنا أو بأجواء متوترة ومكهربة كما يحدث أحيانًا كثيرة عندما يعلو صوت "زامور" سيارة الإسعاف لأن مأساة حلت بهذا الشاب أو ذاك بسبب المراهقات والمفرقعات.. يجب أن نودع العيد دون أن تُفقأ عين أو تُبتر أصابع شباب من شبابنا او من اشبالنا فلذات اكبادنا. وكل عام وأنتم بخير.

 

بقلم: هادي زاهر

دعوة عامة دار " الفاروق " للثقافة والنشر - نابلس تدعوكم اللجنة الثقافية في دار الفاروق لمناقشة ديوان "تعويذة الحب والياسمين"" " للشاعر الفلسطيني هادي زاهر وذاك يوم السبت الموافق18 /8 /2018 في تمام الساعة الرابعة مساء المكان، نابلس، شرق المقاطعة، مقابل مركز اسعاد الطفولة. يمكن الحصول على الديوان من دار الفاروق بفروعها. حضوركم دعم للثقافة