شهدَ الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة الماضية تقدّماً إيجابياً ملحوظاً، سواء كان ذلك على مستوى المسؤولين السياسيين أم على مستوى المجتمع المدني.
فالفلسطينيون الذين يقيمون في القارة الأوروبية منذ عقود ، قالوا بأنّ هناك فرقاً شاسعاً بين نظرة الأوروبين للقضية الفلسطينية سابقاً ، و نظرتهم اليوم ، ففيما سلف ، كانت الرواية الإسرائيلية هي السائدة في الأوساط الأوروبية ، و هي المصدّقة التي لا نظير لها ، و لم يكن لفلسطين ذلك الحضور الكافي أوروبياً ، أمّا اليوم ، فالأمر على النقيض تماماً بعدما أصبح الخبر الفلسطيني منتظراً في أوروبا ، و أصبحت الراوية الفلسطينية منافساً قويّاً للرواية الإسرائيلية ، حيث تزايد عدد المناصرين للحق الفلسطيني ، و كُشِفت إسرائيل على حقيقتها العدوانية ، و عرفها الجميع بأنها دولة قائمة على سلب الحقوق الفلسطينية ، و تعرّت أمام المجتمع الأوروبي .
و لعلّ السبب في ذلك يعود إلى الحراك المنظّم و الأنشطة السياسية و الفعاليات التي ينظّمها أفراد الجاليات الفلسطينية في أوروبا ، و التي لفتت الانتباه إلى الهمّ الفلسطيني ، و جعلت الأوروبيين يُحدِثون تغييراً في موقفهم من الصراع العربي الإسرائيلي ، لا سيما عندما راحت إسرائيل و في كل مرة تستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين العُزّل الذي يطالبون بأدنى الحقوق ..
فعلى سبيل المثال ، و عندما نظّمت الجالية الفلسطينية في هولندا بالتعاون مع مؤسسة (روتردام من أجل غزة) سبعينية النكبة في شهر أيار مايو الفائت ، شارك ناشطون هولنديون في مراسم إحياء تلك السبعينية ، بالإضافة إلى الحضور الإعلامي الهولندي الذي غطّى تلك الفعالية ، و قام بنقل الحدث بالصوت و الصورة إلى المجتمع الهولندي ..
و كذلك الأمر ذاته كان قد تكرّر عندما خرجَ الفلسطينيون المقيمون في هولندا في مسيرة عارمة جابت شوارع العاصمة أمستردام ، ليعبّروا عن تضامنهم مع مسيرات العودة في قطاع غزة ، و يفضحوا إسرائيل أمام الهولنديين ، و بالتالي فإنّ تلك المسيرة شهدت مشاركة واسعة من قبل المواطنين الهولنديين الذين انضموا إلى الصوت الفلسطيني المطالب بالعدالة و استعادة الحقوق المسلوبة ، و قد ارتدوا الوشاحات الفلسطينية و رفعوا الأعلام الفلسطينية ، في مشهدٍ مهيب أزعج أنصار إسرائيل الذين ما راقَ لهم المشهد ..
هذا و إنّ أنشطة الجاليات الفلسطينية في القارة الأوروبية أصبحت مصدر قلقٍ للمدافعين عن الغطرسة الإسرائيلية ، إذ أصبحوا يتابعونها بقلقٍ بالغ ، بعدما تزايدت شعبية فلسطين في الأوساط الأوروبية ..
ففي شهر نيسان من العام الفائت 2017م ، و قُبيل انعقاد المؤتمر الخامس عشر لفلسطينيّي أوروبا في مدينة روتردام الهولندية ، عاش أنصار اللوبي الإسرائيلي شهراً قاسياً ، و وقفوا مستنفرين على أرجلهم لمدة شهرٍ كامل ، في محاولة فاشلة منهم لتعطيل المؤتمر ، أو تعكير أجوائه ، أو التقليل من أهميته ، لِيُعقد المؤتمر رغماً عن أنوفهم ، و بحضور هولندي واسع إعلامياً و سياسياً ، إذ شارك فيه البرلماني الهولندي توناهان كوزو الذي رفض مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء الزيارة التي قام بها الأخير إلى هولندا عام 2016م .
و ممّا يجدر الإشارة إليه أيضاً هو أنّ تطورات هذا الأمر وصلت إلى قُبة البرلمان الأوروبي و لم تقتصر فقط على الأنشطة و الفعاليات ، فالحق الفلسطيني كثيراً ما كان حاضراً في الأروقة السياسية ، ففي شهر نيسان أبريل الماضي ، شدّد البرلمان الأوروبي على ضرورة الإنهاء الفوري وغير المشروط للحصار المفروض على قطاع غزة ، مُدينًا عمليات قتل الاحتلال الإسرائيلي للمتظاهرين الفلسطينيين على حدود قطاع غزة ، بعدما مرّر البرلمان في جلسته آنذاك قرارًا بأغلبية 524 صوتًا (نحو 70% من أعضاء البرلمان الأوروبي) مقابل 30 صوتًا ، لإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة في قتل المتظاهرين السلميين المشاركين في مسيرة العودة الكبرى ، و شدّد القرار على حق الفلسطينيين في الاحتجاج السلمي الذي يطالبون من خلاله بحقوقهم الأساسية ..
و أخيراً يمكن القول إنّ الأيام المقبلة ستشهد تطوراتٍ جديدة في الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية ، و ذلك بعد ازدياد عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في أوروبا ، و الذين سيحصلون على الجنسية الأوروبية ، لينخرطوا بعدها في المجتمع الأوروبي ، و يقدّموا القضية الفلسطينية بما يليق بحجمها و حجم شعبها ..
بقلم/ عبدالسلام فايز