مصالح الانقساميين تقتل المصالحة.

بقلم: حمزة جمال حماد

أخذت بي السرحة طويلاً، تفكيراً بما قاله لي صديقي حين تناولنا موضوعِ شاغلِ لمدينة مسكينة تعيش أسوأ لحظاتها في البناء ووحدة الوطن، إنها غزة، وحالها من قضية المصالحة التي أصبحت الشاغل الوحيد لدى سكان القطاع كونهم الجزء الأكثر تضررا من أرض الوطن نتيجة تفاقم الخلافات الثنائية بين حركتي فتح وحماس والصراع على كرسي الحكم.

لم أكن أشعر بخجل حين أحتاج العذر ليسألني ماذا يفعل الشعب وكيف يرضى بهذا الذل والخنوع؟ وفجأة تكلم بحرقة غير مسبوقة (غزة تُعرف بالحيوية والصلابة والقوة ! ماذا يحدث)؟؟؟
حينها ضحكت ساخراً من حالنا وقلت له أي شعب تقصد؟ إن معاناة شعبنا الفلسطيني في غزة تزداد في كل لحظة يتمادى فيها طرفي الانقسام وتسول لهم أنفسهم بممارسة الإجرام الوطني والإنساني من خلال قراراتهم الجائرة الغير مسؤولة تجاه شعبهم الذي كان له البصمة والرمزية المشهورة في الانتفاضة بوجه المحتل في كل المحطات النضالية على مدار تاريخنا الوطني الفلسطيني.

كيف لا، وتعتبر المصالحة البوابة الحقيقية الآمنة لإنهاء أي مشاريع ومصالح فئوية ذاتية جلبت لشعبنا الدمار والأحزان على مدار 12 عام من الانقسام الأسود، بل الأُمنية التي ينتظر تحقيقها عشرات الآلاف من عموم شعبنا، ولا سيما منهم فئة الشباب باعتبارها الفئة التي سُحقت جراء الخلافات التي رمت لاحقاً إلى هدم حقوق الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة، وذلك دون الالتفات لصوت هذه الفئة التي لها القدرة على العطاء والبناء نحو مستقبل يحفظ سلامة الوطن والإنسان معاً. ففي حينها صمت صديقي قليلاً، و رد علي، والشعب ما به؟ قلت له نحن نعيش حياة ضنكة، ليس لنا سوى الله، فلا فصائل قادرة أن تتولى زمام الأمور، ولا إرادة من طرفي الانقسام للحل؟

فما الحل، قلت له لا بأس، هناك فرصة جوهرية ندعم مصر لاستثمارها، ونرمى بحملنا عليها بعد الله، حيث تواصل جمهورية مصر الشقيقة جهدها الحثيث في إنجاز ملف المصالحة الفلسطينية لضمان حقوق شعبنا الوطنية والإنسانية منها.فيما تتميز بإصرارها على تحقيق حلمنا الكبير في تحقيق وحدة شعبنا، ومنحه إرادته الباسلة في مواجهة كل المؤامرات التي تحاك ضده، ويأتي ذلك في ظل انحياز الإدارة الأمريكية للجانب الإسرائيلي بجملة قراراتها الأخيرة التي اتخذت بدءا من إعلان قرار القدس عاصمة لإسرائيل وصولاً لأزمة الأونروا، والتلويح بشطب حق العودة والذي يأتي انتهاكاً صارخاً للقرار الأممي 194.

حينها أعتقد صديقي أن الاختلاف جوهرياً، في البرنامج مثلاُ، قلت له لا، فقال في قرارات تولي المهام، فقلت له لا، قال أي بماذا! قلت له يا صديقي هؤلاء ليسوا بقيادة، حيث يواصل طرفي الانقسام البحث عن سبل وحجج واهية لضمان سلامة مصالحهم، وذلك من خلال اتخاذ قرارات أكثر تعنتا وفاشية بحق شعبهم، وهذا مما يعكس أثره السلبي على واقع الحياة المعاش في قطاع غزة تحديداً سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً، والسعي في رسم سياسات عدائية مع شعبهم لا تخدم التطلعات الوطنية والسياسية الفلسطينية إنما تهدم بشكل فاعل وقاتل للإنسان والوطن معا، فمن المستفيد؟؟

وأضفت له، عن نظرة هؤلاء السياسيين الجوعى للمطامع والمكاسب، حقا لهم أن يتمتعوا بها، وأن يتلذذوا على معاناتنا، لأننا مازلنا نرقص لهم ونطبل لهم، كما نرفض عن الوجود من ناحية أخرى دون أن نشعر، وهنا لا ندري إن كان الاحتلال يطعن أم يطعم، لا ندري إن كان الاحتلال يدوس أم يحوس، لا ندري إن كان الاحتلال يقتل أم يدعم، لكن نعلم أن الأرض ملكنا، والشمس لأرضنا، والقمر يطل علينا، والشجر ينبت لأجلنا، والسماء تمطر لرزقنا، فكيف أن نقبل بهؤلاء الناكرين لحقنا قبل عدونا!

وعودة على مواقف الإدارة الأمريكية، تواصل تهديداتها السياسية الغير أخلاقية أو إنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، وذلك تماشياً مع الرؤية والهدف الإسرائيلي في إنهاء الوجود الفلسطيني، وخلق عملية تصفوية خلاصية لحق شعبنا في الحرية والاستقلال كما نصت الشرعية الدولية في حق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولة على حدود 67.لذلك يجب أن نكون أكثر حرصا على حقوقنا من خلال تحقيق وحدة شعبنا وإنهاء معاناته من خلال الانصياع الكامل نحو مصالحنا كفلسطينيين، وعدم التماشي مع أي مشاريع تصفوية ضارة بالصالح الوطني العام تحت أي مبرر كان، والعمل على إعادة اللحمة وزراعة الثقة التي فقدت على غرار فشل عدة اتفاقات سابقة أبرمت برعاية مصرية، وحضيت باهتمام شعبي كبير.

عليهم أن يعلموا هؤلاء السياسيين أن غزة هي القنبلة، وصمام الأمان في صد أي مشروع قادم، وأهلها الذين ما زالوا يناضلون بصمودهم الأسطوري أمام أعتى آلة حرب إسرائيلية، بل يقاتلون ويدفعون ضريبة ذلك، حيث لم تتوانى غزة في تلبية النداء ولو لمرة، لكنهم خُذلوا عشرات المرات نتيجة السياسات الممنهجة من قبل طرفي الانقسام في غزة والضفة من أجل تركيعهم وإذلالهم الوجداني الغير معلن، فالترجيحات لا تبشر بخير، إنما تؤسس لمرحلة جديدة لا تسمح لغزة أن تقول لا بعد ذلك، فهل نحن باصمون؟

الأمل يكبُر وينمو كلما تغيرت ملامح الإرادة الهابطة التي نراها بعض الحين في عيون وعقول الإنسان الغزي بأنها ستخرج في ساعة ويوم ما وتلفظ كل من على وجه الأرض، فساعة الرحمن قادمة.

بقلم: حمزة حماد
صحفي من غزة
[email protected]