خلال اللقاء الذي جمع بين قائد حماس في غزة يحيى السنوار , وعدد من الكتاب الصحفيين والمحللين السياسيين في مدينة غزة , كان السنوار صريحا بما فيه الكفاية , حتى باتت دلالات تصريحاته واضحة جدا , وهي تعبر عن تمسك حماس بهدنة مع إسرائيل بأي ثمن , لأن الهدنة مع إسرائيل هي البديل الطبيعي للمصالحة في حال فشلت , وهي التي ستوفر لغزة أكثر من ما كانت ستوفره المصالحة في حال نجحت , وهي أيضا إحدى البدائل المطروحة لترسيخ حكم حماس في غزة , كان حديث السنوار يعبر عن رغبة حماس القوية بالهدنة , لدرجة أنه وضع سقف زمني للتوقيع عليها , وهو خلال إسبوعين حسب تعبيره , وأيضا وضع سقف زمني لإنهاء الحصار الجزئي على غزة وهو لايزيد عن شهرين حسب تعبيره .
في تقديري أن حديث السنوار مزج بين الأوهام والشعارات , فكان واهما عندما وضع سقف زمني للتوقيع على الهدنة مع إسرائيل , لأن رغبة حماس القوية بالهدنة مع إسرائيل لا تعني أن الهدنة ستتحقق , وذلك لوجود عقبات كثيرة في وجه الهدنة , وأهمها أن المخابرات المصرية دمجت بين ملفي المصالحة والهدنة , وهذا بحد ذاته يشكل خطورة على مسار الملفين , وأيضا رفض حركة فتح للهدنة , وإنسجام المصريين مع موقف فتح كونها تمثل المؤسسة الرسمية والتي تتعامل معها مصر , بالإضافة الى رفض الجبهات الشعبية لتحرير فلسطين والقيادة العامة والديمقراطية أيضا , والأهم من كل ذلك هو موقف إسرائيل من الهدنة , فإسرائيل ترغب في هدنة مع حماس لترسيخ فصل غزة عن الضفة , ولكنها لم ولن تعطي شيئا , ولم تشفي غليل الفصائل بالموافقة على مطالبهم , وستكتفي إسرائيل بإستمرار فتح معبر كرم أبو سالم , وعودة مساحة الصيد لما كانت عليه سابقا 12 ميل .
بعد كل هذا كيف لا يستطيع السنوار تقييم موقف إسرائيل , وكيف يكون متفائلا إلى حد أنه وضع سقوف زمنية لإنجاز هذا الملف .
أما بالنسبة للشعارات والتي مدح فيها السنوار قدرة حماس العسكرية , وهاجم السلطة ووصفها بأنها تقف وراء كل نصيبة في غزة , فهي تحمل ما يكفي من التناقضات , كونه ذكر أن لا رغبة لحماس في صراع عسكري مع إسرائيل , وتأكيده على تمسك حركته بالهدنة مع إسرائيل , وفي نفس السياق يقول أنه قادر على زلزلة إسرائيل في أقل من خمس دقائق , لأن المنظومة الصاروخية لديهم تطورت كثيرا , والسؤال هنا , لطالما الصواريخ قادرة على فتق إسرائيل وإسترجاع ما إغتصبوه بالقوة , إذا فلماذا التمسك في هدنة هشة لا تقدم شيئ جديد ؟ الإجابة على السؤال هو أن , تصريحات السنوار , مزيج من الأوهام والشعارات .
الكثير من الناس يحترمون يحيى السنوار , وأنا على رأس هؤلاء الناس , أحترمه لأنه يحمل خصال تجعل منه شخصية محبوبة بين الناس , ومن أهم هذه الخصال أنه قائد معتدل وغير متعصب , ويتحدث الصراحة وينتقد حركته حماس قبل أن ينتقد الآخرين , بالإضافة الى أنه قضى عمره في سجون الإحتلال , ولكن هذه الخصال المتعلقة بشخصيته لا تنفي أنه يعمل ضمن منظومة فكرية لحركته , فلا يستطيع الخروج منها , فهذه المنظومة تعتمد على الشعارات الكبيرة , والتي تحمل تناقضات في السلوك , وتبحث عن البدائل بشكل مستمر , فعندما تحدث السنوار عن أن الهدنة قادمة لا محال , سواء تمت المصالحة أو لم تتم فهذا يعني أن البديل عن المصالحة موجود , بالإضافة الى البدائل الكثيرة والتي ترسخ وجود حكم حماس في غزة .
برأيي أن لقاء السنوار مع الكتاب الصحفيين والمحللين السياسيين , وخاصة المحسوبين على حركة حماس , كانت خطوة ذكية , لانه يعلم جيدا أن كلمتهم محسوبة ولها تأثير ملموس , وهم قادرين على توجيه الرأي العام , ولكنه أخطأ عندما تحدث بلغة الشعارات والتناقضات والأوهام , لأن الهدنة لا زالت تراوح مكانها , وهذا ما أكده السنوار خلال اللقاء .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
فلسطين – غزة