الانقسام الفلسطيني من اسواء ما تعرضت له مسيرة النضال الفلسطيني منذ فجر التاريخ ,لم تكن عشوائية ولا مصادفة ولا مجرد صراع فصائلي وشقاق سياسي محدود , بل اكثر من ذلك فهو اختلاف فكري ايدلوجي سياسي بعيد المدي ومتشعب الامتدادات التي لا تريد للفلسطينيين ان يقبلوا بعضهم ويتوافقوا على استراتيجية واحدة ويتشاركوا في المسيرة النضالية احا اطار واحد , اليوم اصبحنا امام انقسام عميق يضرب كل قواعد التحرر الوطني واستراتيجياته واخشي ان يتمثل في مشروع بديل ذوو ابعاد استراتيجية مختلفة تماما عن المشروع الوطني الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية , واخشي ان يكون هذا المشروع قد اسس له منذ زمن ورصدت له كل الاموال المطلوبة ليتطور وتتسع جبهته لتواجه الجبهة القائمة جبهة منظمة التحرير والانشغال في مواجهتها وليس مشاركتها او الانضواء تحت رايتها التي لطالما حاول اخرين اسقاطها بإيعاذ من اجهزة مخابرات اقليمية وغربية , الانقسام فتح ثغرة واسعة في جدار التمثيل السياسي والنضالي الفلسطيني تستخدم الان لتفكيك الروابط السياسية العميقة التي تقوي وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في مواجهة المخططات والمؤامرات الاستعمارية.
اتسعت الثغرة في الجدار الوطني وتشتت جهود المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي عندما اخذ كل طرف ينهش في ذات الجدار لإسقاطه والحد من صلابته وأهدافه ومغذي وجوده في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وانعكس هذا على الشارع الفلسطيني الذي انقسم هو الاخر واصبح مجموعتان فصائلية متناحرة وهذا يلقي باللوم على من خطط وبني منهاج التعبئة الفكرية للفصائل فبدأنا نلاحظ افكار التخوين والتكفير تصدر من صغار وكبار اعضاء هذا الطرف ضد الطرف الاخر وعلى مختلف المستويات لتقضي على أي امل في تجاوز المحنة والعمل سويا لإغلاق الثغرة التي فتحها الجميع ,كل هذا بمثابة ضربات قاسية لذات الجدار لتوسيعها وصولا لإسقاطه دون الاكتراث باي كوارث سياسية او أي تداعيات قد تصيب مسيرة التحرر بالشلل الكامل نتيجة لذلك.
الثغرة كبرت ومحاولات ردمها او بنائها من جديد فشلت حتى الان وفشل معها كل الداعين لإعادة اللحمة الفلسطينية ولم الشمل واستعادة الوحدة الوطنية على قاعدة المشروع التحرري الفلسطيني , تعدت مسألة الاختلاف الخطوط المسموح بها واصبحت معركة مكشوفة ضارية بين طرفين حشد كل منهما للأخر وجمع ما جمع من فصائل سياسية لمواجهة الاخر هذه المعركة يبدوا ان لا نهاية لها في القريب برغم مساعي الوسطاء الذين لم يستطيعوا اغلاق قنوات التوتير والتحشيد ويوقفوا استغلال المال السياسي , بل تركت التدخل في الشأن الفلسطيني على حالة ولم تغلق ابواب التحريض والاقليمي . الثغرة اصبحت اليوم قاتلة ومدمرة لكل مكونات العمل الوطني فلا بقاء لمكون اذا ما انهار الاخر بمعني , ان لا بقاء لحماس اذا ما انتهت فتح ولا بقاء لفتح اذا ما انتهت حماس ولا بقاء لحماس اذا ما انتهت م ت ف فكل مركبات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني هي مركبات محسوبة على المشروع التحرري والخلاص من الاحتلال الاسرائيل واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
تعقد الموقف مع ظهور ما يسمي بالصفقة اليهودية الامريكية ( القرن ) وبات الانقسام الثغرة التي قد ينفذ من خلالها أي مشروع امريكي يهدف لتصفية النضال الفلسطيني وتفكيك الثوابت التي استشهد من اجلها الالاف من ابناء هذا الشعب واخراج القضايا الكبرى كالقدس واللاجئين من الصراع وإبقائهما خارج أي مفاوضات . لعلي اؤكد ان الصفقة الامريكية التي تم بنائها بالكامل جاءت على اثر المشهد الفلسطيني المنقسم والصراع على الحكم والسلطة مما اضعف الجبهة الفلسطينية واخشي ان كل الحلول التي تطرح الان وفي المستقبل تطرح على اساس نظرية البدائل التي تعتمدها امريكا في كثير ما حالات الصراع المشابهة , وهذا ما اكده جيسون غرنبلات مؤخرا في تصريح له قال فيه "انه في حال استمر الرئيس ابو مازن رفض خطة التسوية الامريكية للسلام فان من سيملأ الفراغ موجود " وهذا يعني ان فريق ترامب للسلام يقصد اوجيه تحوير اخير للرئيس ابو مازن قبل ازاحته عن المشهد بطريقة هادئة .
اغلاق الثغرة بات مسؤولية نضالية للكل الفلسطيني لان بقائها يعني ان هناك مدخل جاهز لمشروع جديد تعد له الادارة الامريكية منذ وقت وهذا بات واضحا واغلاقها يعني المصالحة الفلسطينية الحقيقية وجمع شمل فلسطيني عاجل على اساس المصلحة العليا للمشروع الوطني دون حسابات الربح والخسارة لأي طرف كان لان الخسارة غير واردة الا لإصحاب العقول الحزبية الضيقة الذين يعاندون لأخر لحظة لتحقيق مكاسب سياسية لأحزابهم, لا اعتقد ان أي مكاسب سياسية لأي طرف يمكن ان تتساوي مع المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس , هذا يتطلب ارادة وطنية بلا ادي شكك و وعي وطني لمخاطر بقاء الثغرة مشرعة على مصرعيها امام الطروحات الامريكية والمال السياسي الدولي وبقاء فصيل فلسطيني بعينه عارضا بضاعته على انقاض هذه الثغرة دون اعتراف ان الثمن الذي يدفع والمكاسب السياسية لا يتعدي تسديد فواتير امريكا واسرائيل, ان اغلقت الثغرة واعتمدنا بابا شرعيا فلسطينيا واحداً في جدار التمثيل السياسي الفلسطيني فان هذا سيربك كل المستويات السياسية والاستراتيجية الأخرى وفي حال نجح الفلسطينيين وحدهم بإغلاق الثغرة القاتلة وقالوا للعالم ان البوابة الشرعية الحقيقة للكل الفلسطيني من يمتلك مفتاحها هي م ت ف الممثل الشرعي والوحيد ,من يريد ان يأتي بمشاريع سياسية او غير سياسية فالبوابة مفتاحها قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات التي حددتها القيادة الفلسطينية كأساس لحل الصراع والا فان البوابة مغلقة في وجه كل العرابين واصحاب المشاريع المشبوهة والتصفوية .
بقلم/ د. هاني العقاد