* اعتبار الفلسطيني ساكن وليس مالك وحق اليهودي بالعودة تنفيذ فعلي لقومية دولة يهود

بقلم: عبد الحميد الهمشري

الاستيطان وقانون العودة الذي سنته الحكومة الصهيونية عام 1950 بمنح كل يهودي قادم إلى فلسطين حق المواطنة والجنسية والمسكن ، واعتبار كل فلسطيني على الأرض الفلسطينية ساكن وليس مالك لأرضه ومسكنه ، وجدار الفصل العنصري ، والطرق الالتفافية ، والتضييق على الفلسطينيين بعدم السماح لهم بالبناء أو حتى ترميم مساكنهم القديمة في القدس وكل فلسطين وهدم منازل المقاومين الفلسطينيين ومن يقدم لهم الدعم والمساندة وعدم السماح لهم بإعادة بنائها ، إلى جانب قوننة الاستيلاء على الأراضي تحت حجج مختلفة كالاستيلاء على أملاك المهجرين تحت بند حارس أملاك الغائبين حتى المهجرين الفلسطينيين المقيمين داخل الكيان العبري من قراهم لقرى مجاورة لم يسمح لهم بالعودة إلى مساكنهم بعد قيام الدولة العبرية في عام 1948 ، أو ابتداع أي سبب تبريري يرونه يخدم دولة يهود .. كل ذلك وضعت أسسه منذ بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتم ترسيخها بعد قيام دولة الاحتلال عام 1948 ، فهو يعتمد مبدأ الفصل العنصري منذ البدايات ، لذلك اعتمدوا الكيبوتسات أو المستوطنات المنعزلة عن محيطها من السكان العرب حيث كان لكل مستوطنة قانون يسير شؤونها وفق الدولة القومية اليهودية وللأسف الشديد لم يتم التنبه للمخاطر المترتبة على ذلك منذ البدايات في العهد العثماني أو غض الطرف عن ذلك ما نتج عنه نشوء الدولة العبرية جراء السماح ليهود ببناء مستوطنات منعزلة عن المحيط العربي رغم ما قيل ويقال عن رفض التواجد اليهودي في فلسطين فاستمر اجتذاب يهود لفلسطين بعد النكبة والتضييق على الفلسطنيين حتى نضجت الأمور بفعل الدعم الأمريكي اللا متناهي ما مهد السبيل لقادة الصهاينة لقوننة قومية الدولة اليهودية عبر القنوات التشريعية فما جرى اعتماده تكريس للهوية اليهودية وطمس للهوية الفلسطينية.
وهي في ذات الوقت داعمة لجهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهادفة لخدمة هذا التوجه تصفية للقضية الفلسطينية وفق رغبة نتنياهو وفريقه الوزاري المتطرف ، وفي هذا ضربة استباقية للعملية السلمية ، فمصادقة الكنيست (البرلمان) على "قانون القومية" الذي يعتبر "إسرائيل الوطن القومي لليهود، والقدس عاصمة إسرائيل هو قرار عنصري بامتياز وإعلان حرب على كل فلسطيني موجود على هذه الأرض كونه ينص على أن "دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي"، وحق تقرير المصير في دولة "إسرائيل" يقتصر على الشعب اليهودي و اللغة الرئيسية والوحيدة للدولة هي اللغة العبرية ، أما العربية فأصبحت ثانوية ذات "مكانة خاصة" والرموز اليهودية والصهيونية الأساس في النشيد الوطني وعلم الدولة، والطابع اليهودي ذو أفضلية على النظام الديمقراطي ملغياً ثوابت الفلسطينيين في المفاوضات، كقضية اللاجئين ؛ ما يعني نقل العملية السلمية لمسار آخر..ومع أن القانون يعري الاحتلال الصهيوني ويكشف عن عنصريته ، فإنه في حال السكوت عنه وعدم التحرك دولياً للكشف عن مخاطره وما سيترتب عليه لاحقاً فإنه وبلا أدنى شك سيمر بكل هدوء وستتوالى المصائب التي سيتسبب في حدوثها ضد الشعب الفلسطيني بأكمله ، فالقانون خطير جدًا، ويعطينا مؤشرات واضحة عن نوايا الاحتلال في تسريع عمليات هدم منازل الفلسطينيين وتهجيرهم وتجميعهم في جيوب معزولة وتسريع الاستيطان والتهويد والتعرض للمقدسات خاصة المسجد الأقصى المبارك ، فالواقع يشير إلى أن الوقت يسير لصالح الكيان الغاصب فكلما مر الوقت كلما ساءت الأمور أكثر وازدادت التعقيدات وفقدنا بوصلتنا في مجابهة الأخطار الناجمة عن مثل هكذا قرار .. فالقانون يمثل تهديداً لفلسطينيي الداخل المحتل من حيث تهيئة الأرضية لسحب الامتيازات التي تمتعوا بها طوال السنوات الماضية وتحويلهم لمواطنين من الدرجة الثانية وبالتأكيد سيتيح الفرصة للدولة العبرية لتهجيرهم بتهمة عدم الولاء للصهيونية وعدم الولاء ليهودية الدولة أما فلسطينيو الضفة وقطاع غزة فهم بلا حقوق أصلًاً، حيث يعتبرهم الاحتلال مجرد رعايا يعيشون داخل مناطق محتلة، ولهم قانونهم العسكري الخاص الذي يتم تفصيله بشكل يضيق عليه كما أنه يسرع من عمليات التهجير والتهويد في الداخل المحتل والضفة الغربية والقدس كما أنه يعزز من قبضة اليمين الصهيوني على دولة الاحتلال وفرض رؤيته الفاشية والعدوانية، وهذا نلمسه في الممارسات والتشريعات المختلفة.

* عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

[email protected]