في مثل هذا اليوم قبل أسبوع، استقبل محمود عباس بمقر الرئاسة في مدينة رام الله عدداً من الأكاديميين الإسرائيليين، برئاسة البروفيسور ايلاي الون، بحضور مسؤول لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي محمد المدني!
أهم ما قيل في ذلك اللقاء ورد على صفحات معاريف الإلكترونية، ومنها أن محمود عباس يدعم دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وأن يكون هناك فقط جهاز شرطة مسلح، بدون جيش للحفاظ على الأن والسلم الأهلي بدلا من الدبابات والطائرات!
موافقة عباس على دولة منزوعة السلاح ليس بالجديد، فسبق وأن أعلنت تسفي لفني وزيرة الخارجية السابقة، أن محمود عباس يوافق على دولة منزوعة السلاح.
ما وراء تلك التصريحات التي يدلي بها محمود عباس رغبة طافحة لدى الرجل لاستئناف المفاوضات، ولذلك فهو يقدم تنازلات مجانية مسبقة، في محاولة منه لإغراء الإسرائيليين للتقدم خطوة في اتجاه استئناف المفاوضات، ولعل حديثه قبل يومين مع وفد من اليسار الإسرائيلي يؤكد ذلك حين قال: لا خلاف بيني وبين حزب الليكود، ولا خلاف بيني وبين الإسرائيليين، الخلاف القائم بيني وبين نتانياهو شخصياً!!
في هذا اللقاء الأخير، كشف محمود عباس عن شخصيته الحقيقة، وعن مضمون سياسته وبلا مواربة، وإنما بوضوح أراد من خلاله أن يوجه للمجتمع الفلسطيني صدمة قوية، صدمة تهيء الراي العام لتقبل كل ما يملي عليه من مواقف سياسية وإدارية في المستقبل، ولاسيما أن الحديث الذي تطرق إليه محمود عباس مس مشاعر ووجدان كل فلسطيني، بما في ذلك تنظيم حركة فتح، ومس حديث عباس أهم ركائز العمل السياسي الفلسطيني والقائم على مشروع الدولة، فإذا به يوافق على الكونفدرالية مع إسرائيل والأردن.
ولكن الأهم في حديث عباس ذلك التصريح الذي أكد فيه على لقائه الشهري مع رئيس جهاز الشاباك نداف أرغومان، والتوافق معه في كافة القضايا بنسبة 99%، وهنا التوافق مدار اندهاش الشعب الفلسطيني الذي يعرف أن جهاز الشاباك لا يعمل إلا في الأمن، ولا علاقة له بالسياسة، ولا وجود له على طاولة المفاوضات، وشغل جهاز الشاباك هو مطاردة الشباب الفلسطيني، والتفتيش عن المقاومين، ومحاربة المقاومة، والاعتقالات اليومية، والتعذيب للمعتقلين، وفي هذا التوافق بين جهاز الشاباك وعباس اعتراف بأن كل الاقتحامات الليلة للمدن والمخيمات في الضفة الغربية تتم بالتوافق والتعاون بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وهذه الصدمة التي هزت وجدان الشعب الفلسطيني، حين اكتشفوا أن رئيسهم يعمل مع جهاز الشاباك، الجهاز الذي أشرف على تعذيب عشرات آلاف الفلسطينيين، والجهاز الذي وجه التهم بمحاربة المحتل لشباب وصبايا فلسطين، وانتزع بالعنف والإرهاب منهم الاعترافات التي زجت بهم طويلاً في السجون.
من حق 6000 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية أن يطالبوا بحقهم في الحرية، وأن يطالبوا بمحاسبة محمود عباس شخصياً بصفته الجهة الفلسطينية المسؤولة عن اعتقالهم، وما طاله من عذاب، وتمزيق جسد في التحقيق قبل تقديمهم للمحاكم الصهيونية.
تصريحات محمود عباس تجاوزت كل حدود المنطق والعقل والوطنية حين قال: أجهزتنا الأمنية تحافظ على التنسيق الأمني، وأقوم أنا وشعبي بكل ما هو ممكن حتى لا يتعرض أي إسرائيلي لأي أذى!!!.
فهل أراد محمود عباس من هذه التصريحات تذكير الإسرائيليين بأهميته، وجدواه، وضرورة عدم التفريط به في هذه المرحلة، وأنهم لن يجدوا من هو أخلص منه، وأصدق منه لأمنهم؟
ربما يكون ذلك، ولكن الأهم من طموحات محمود عباس، هل يوافق شعب فلسطين أن يظل أسيرا ُلقرارات رئيس يرى بالتعاون مع جهاز الشاباك الإسرائيلي مبتغاه؟ وإلى متى سيصمت شعب فلسطين وتنظيماته السياسية على مثل هذا التعاون المضاد للوطنية الفلسطينية؟ وهل يرتضي شباب حركة فتح أن يكون مقياس وطنيتهم مرهون بعدم تعرض أي إسرائيلي محتل لأي أذى؟.
بقلم/ د. فايز أبو شمالة