* الاستيطان ما بين النكبة والنكسة

بقلم: عبد الحميد الهمشري

عند الإعلان عن قيام دولة " إسرائيل" في 14/5/ 1948 كان في فلسطين نحو 285 مستعمرة انتشرت في معظمها على امتداد حدود التقسيم ، من المطلة في الشمال عند الحدود اللبنانية إلى عين جدي في الجنوب عند أطراف البحر الميت. وبعض هذه المستعمرات كمستعمرة "يوطفتا" بُنيت في عام 1950 مقابل وادي عربة، و"غونين" على الحدود السورية (1951)، و"ناحل عوز" (1951) مقابل قطاع غزة.

ومثلما كان هناك قوانين بريطانية لتسهيل عمليات الهجرة اليهودية وتسهيل الحصول على أراضٍ فلسطينية بهدف قيام مستوطنات يهودية تخدم قيام الدولة القومية اليهودية كانت هناك قوانين صهيونية يشرعنها الكنيست الصهيوني للاستيلاء على الأرض الفلسطينية فقد صدر بعد النكبة وبالذات في العام 1950عن الحكومة الصهيونية قانونين أحدهما أطلق عليه " قانون العودة " وهو تشريع إسرائيلي صدر في 5 يوليو 1950 وينص على حق اليهود القدوم إلى إسرائيل من شتى أنحاء العالم وعلى التكفل بتسهيل هجرتهم ويسري هذا القانون على من ولدوا يهوداً (أي أبناء اليهودية أو أحفاد اليهودية من طرف الأم) ومن هم من أصول يهودية (أي أبناء وأحفاد اليهودي) ومعتنقي اليهودية (من الأرثودكس والمحافظين والإصلاحيين) ..وقد عُدل القانون عام 1970ليشمل أصحاب الأصول اليهودية وأزواجهم ..

والآخر "قانون حارس أملاك الغائبين" وهو قانون صهيوني أقره الكنيست في آذار من عام 1950 لشرعنة سرقة أملاك الفلسطينيين الذين أكرهوا على الخروج من ديارهم عام 1948بفعل بطش العصابات الصهيونية المشكل منها جيش الاحتلال ، ويسمح بموجبه بوضع ممتلكاتهم تحت ‏تصرف "القيّم على أموال الغائبين"،حتى الفلسطينيين الذين انتقلوا من قرية لأخرى مجاورة في داخل الكيان العبري لم يسمح لهم بالعودة إلى قراهم وأملاكهم حيث وضعت تحت تصرف حارس أملاك الغائبين وقد منحت لهذا "القيّم" الاحتلالي صلاحيات واسعة في التصرف بتلك الأملاك بشتى الطرق وحتى ‏بيعها، ووضع اليد عليها حين يجد ذلك مناسبًا وسمح هذا القانون للاحتلال بالاستيلاء والسيطرة على الآلاف من المنازل والعقارات وملايين ‏الدونمات، وهدف هذا القانون لمنع عودة أي من المهجرين الفلسطينيين إلى أراضيهم وممتلكاتهم التي ‏تركوها قبل حرب 1948 أو أثناءها أو بعدها. فاستولى "القيّم" على أراضي حوالي ثلاثمائة قرية عربية متروكة أو ‏شبه متروكة تزيد مساحتها على ثلاثة ملايين دونم. وشملت الأراضي المستولى عليها مساحات واسعة من الأراضي الخصبة، والتي تقدر ‏بحوالي 280 ألف دونم منها الكثير من البيارات والأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة.

كما تم بموجبه الاستيلاء على ما يزيد على خمسة وعشرين ألف بناء، تحوي ‏أكثر من سبعة وخمسين ألف مسكن وعشرة آلاف محل تجاري أو صناعي،. واستولت السلطات الصهيونية بموجب هذا القانون ‏على ما يزيد على ربع مليون دونم من أراضي المواطنين الفلسطينيين الذين ظلوا في الأرض المحتلة ‏بعد عام 1948.‏ وحتى نهاية سنة 1958 كانت إسرائيل صادرت نحو مليون دونم من الأراضي الفلسطينية، وهي إما أملاك خاصة، أو أملاك مشاع للقرى، أو أملاك اللاجئين. وفي سنة 1957 صادرت مساحات من أراضي الرينة وعين ماهل وإكسال لإنشاء مستعمرة "نتسيرت عليت" (الناصرة العليا)، لاستيعاب المهاجرين اليهود الجدد الذين تقاطروا بعد حرب السويس في سنة 1956. وكان الهدف، في البداية، يقضي بزيادة أعداد اليهود في الناصرة العليا حتى تتفوق على عدد العرب في مدينة الناصرة، ليجري توحيد المدينتين، فيتولى رئاسة البلدية أحد اليهود. ثم عمدت السلطات الإسرائيلية، في سياق خطة بعيدة المدى، إلى تأسيس مدن استيطانية، مثل "معالوت" التي أُقيمت في سنة 1958 على أراضي ترشيحا ومعليا وسحماتا والبقيعة، و"كرمئيل" (1961)، على أراضي دير الأسد والبعنة ونحف.والهدف من وراء ذلك التغلغل في قلب المناطق العربية، وقطع الاتصال الجغرافي للقرى الفلسطينية، ولهذه الغاية راحت مؤسسات الاستيطان تشق الطرق بين القرى العربية لوصل المستعمرات بعضها ببعض، ولخدمة أغراض الحراسة والدفاع معاً... فقانونا العودة وحارس أملاك الغائبين كل منهما يكمل الآخر في هدر حقوق الفلسطينيين في العودة لديارهم ويمنح هذا الحق ليهود المختلفي الأعراق والأنساب والقوميات والجنسيات..

* عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
[email protected]