كتبت النائبة المحترمة نجاة أبو بكر على صفحتها على فيسبوك تتساءل ط هل بدأ الاحتلال بالتهجير الطوعي, وسألني صديق لي فيما إذا تم استبدالنا لأننا حسب رأيه لم نعد نحن أبدا فانشغالنا بذواتنا وصراعاتنا الداخلية ليس بين فتح وحماس فقط بل بين كل الكل وطنيا وعشائريا وجهويا ومناطقيا وبأشكال مختلفة وصلت حد القتل وإهدار الدم والصلح على الدم ووصل حد الاتجار الفاحش بالمخدرات وغيرها وغيرها ولم يعد عيبا في بلادنا أن تتوسط لقاتل أو لتاجر مخدرات أو لطالب غش في امتحان أو لشخص غير مؤهل أبدا ليشغل وظيفة محترمة أو أن تسمع عن حالات ابتزاز علني على الانترنت أو أن تنتقم من شخص ضايقك بحادث سخيف بتدمير حياة أسرته بالكامل.
يبدو أن المثل الجاهلي القديم " إلي بتعرف ديته أقتله " بات فاعلا هذه الأيام فمعظم إن لم يكن جميع حالات القتل باتت تحل بواسطة العطوة ويعود القاتل إلى بيته كان شيئا لم يحدث مما شجع ويشجع حالة الفوضى والخراب التي تصيب شعبنا وتدفع بشبابنا للكفر ببلادهم ووطنهم والبحث عن ملاذ لدى الغرباء وقد يكون الملاذ لدى الأعداء في بعض الحالات فقد بات الحصول على تصريح عمل لدى مؤسسات الاحتلال في الداخل المحتل عام 1948 ميزة يتمناها القطاع الأوسع من شبابنا العاطلين عن العمل والأمل معا.
هل تم استبدالنا فعلا أو هل تم تهجيرنا فعلا أو هل تم قطع علاقتنا بذواتنا وتاريخنا وأهدافنا وأحلامنا عبر تهجيرنا ليس مكانيا بل ذهنيا وفكريا وزمانيا فمن لا يستطيع تحقيق الهجرة المكانية يهاجر زمانيا إلى الخلف ويتمنى لو يمكنه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعيش في أيام زمان والمتحضر فينا يرغب بالهرب ويسعى إليه عبر كل الأشكال فهناك من يسافر بشكل قانوني ثم يرفض العودة وهناك من يقبل بالتهريب إلى أي بلد ولم تعد الجنسية المطلوبة لنا لها ميزات فقد بتنا مستعدين لقبول أية جنسية أيا كانت اللهم إلا وثائقنا الفلسطينية فقد ذكرت دائرة الإحصاء المركزية في بيانات مسح الشباب الفلسطيني 2015 ان " "حوالي 24% من الشباب (15-29) سنة في فلسطين لديهم الرغبة للهجرة للخارج، ويبدو أن الأوضاع السائدة في القطاع دور في زيادة نسبة الرغبة في الهجرة للخارج، إذ بلغت نسبة الشباب الذين يرغبون في الهجرة للخارج في قطاع غزة 37% مقابل 15% في الضفة الغربي " يما تشير بعض الإحصائيات إلى وجود 50 ألف طلب هجرة للشباب الفلسطيني " لدى قنصليات الدول الغربية في الأراضي الفلسطينية وهذا الرقم لا يشمل قطعا فلسطينيي الشتات ولا فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 ويرى شبابنا في الهجرة فرصة ذهبية لمن يمكنه ذلك
لا زالت اليابان تحت الاحتلال ولا زالت ألمانيا كذلك وقد خضعت جنوب إفريقيا للاحتلال زمنا طويلا لكن أحدا لم يسعى للهرب فلماذا نفعل ذلك نحن, لماذا نقبل بان نهاجر بأذهاننا حين لا يسمح لنا ولا نستطيع أن نهاجر بأجسادنا مما يصل بنا حد الانسلاخ عن الأرض والواقع تاركين للاحتلال حق الانشغال بنا كما يشاء ومستمتعين وأي استمتاع بانشغالنا بذواتنا ضد ذواتنا.
الغريب في أمرنا أننا جميعا نعلن احتجاجنا عما يجري ورفضنا له ومع ذلك ننغمس فيه دون أدنى مقاومة ودون أدنى محاولة للتغيير وقد أصبح لدينا مؤسسات تخص حالنا فهناك مؤسسات للانقسام ومؤسسات للوصل لا توصل ولا ما يحزنون وهناك مؤسسات للاحتجاج على الحال المزري باتت تكرس الحال أكثر مما تسعى لتغييره بل هي تحولت إلى جزء منه بشكل أو يآخر.
انسداد الأفق السياسي للحل وغياب برنامج سياسي فلسطيني عملي وتوافقي يجعل من المواطن الفلسطيني غير قادر على الإيمان أو الاقتناع بالأمل بالتغيير.
استمرار الانقسام بشكل يبدو معه أن لا أمل بإنهائه وجعل الفلسطيني العادي غير قادر على تصديق كذبة المصالحة التي باتت تشبه كذبة جحا عن الذئب فقد تم التوصل لأكثر من اتفاق والتوقيع على أكثر من صيغة دون أن يتم تنفيذ شيئا مما تم الاتفاق عليه
غياب المؤسسة الفلسطينية فالمجلس التشريعي غائب كليا والمجلس الوطني لا يجمع الكل الفلسطيني والمجلس المركزي اقل اجماعا ولا يتم تنفيذ ايا من القرارات التي يتم الاعلان عنها ولا حتى تقديم اية تبريرات لعدم التنفيذ.
التمايز الواضح بين مستوى ونمط حياة الفلسطينيين حسب أماكن التواجد سواء كان في الضفة أو غزة أو الأراضي المحتلة عام 1948 او بلدان الشتات فلا يوجد أي تشابه على الإطلاق.
ضعف أواصر العلاقة بين مكونات الشعب الفلسطيني كالحال بين الضفة وغزة او الداخل والخارج بحيث باتت الأحداث في غزة لا تؤثر في مواطني الضفة أكثر مما تفعل في مواطني الجزائر أو ما هو ابعد أحيانا
البحث عن الحلول المجزوءة كل لحاله وحسب حاله حتى لو كان هذا البحث عن مخرج مع الاحتلال كما هو الحال بمحادثات بين غزة والاحتلال أو بين الضفة والاحتلال أو بين الأفراد والاحتلال كالبحث عن تصريح عمل عبر صفحة المنسق أو نقاط تنسيق الاحتلال
الحالة الكارثية إن جاز التعبير والتي قد تصل بالفلسطيني حد الهلوسة حين يسمع خبرا يقول أن رئيس جهاز مخابرات الاحتلال يطالب برفع العقوبات المفروضة على غزة من قبل رام الله
انغماس الشباب الفلسطيني بالتواصل مع الخارج عبر شبكات التواصل الاجتماعي فبعض التقارير تقول أن نسبة مشاركة الفلسطينيين في شبكات التواصل الاجتماعي هي الأعلى عالميا وقد أشار منتدى شارك الشبابي ان فلسطين سجلت النسبة الأعلى في العالم شهريا للمشاركة في فيسبوك وان هناك حوالي 1600000 فلسطيني يشاركون في فيسبوك وإذا استثنينا الأطفال والشيوخ والأميين فان النسبة تصبح مذهلة جدا هذا إذا لاحظنا أن عدد الذين يستخدمون أجهزة الهاتف الذكية ويستخدمونها بشكل مرضي بات عائقا خطيرا أمام التواصل الفعال على الأرض وبالتالي مانع جديا لعلاقة الفلسطيني بواقعه الذي من المفترض أن يشكل الاحتلال معلمه المأساوي والإجرامي الأول.
لقد اخترت تسمية ذلك بالتهجير الذهني بديلا لما قد يسميه البعض بالغربة في الوطن أو الاغتراب أو ما شابه فالهجرة الذهنية هي اخطر أنواع الهجرة على الإطلاق للأسباب التالية
أنها تلغي العلاقة الحميمية بين الشخص والمكان كليا وقد تصل به حد معاداة المكان
تقطع أواصر التعاون والمشاركة بين الشخص والمجموع
تشكل نمطا مشتركا يصبح مجموع مختلف عن المجموع المتكون تاريخيا بما يعني تكريس نمط مختلف ومنسلخ عن واقع الحال المعاش من قبل اللبنة الأصلية للمجتمع
التحول من الواقعي إلى الافتراضي الوهمي بما يجعل من الافتراضي هدف يغيب كليا هدف الواقعي باعتباره مستحيلا
الشعور بالعجز التام وانعدام الرغبة كليا بالسعي للتغيير أو لمعاودة الانخراط في الواقع لصالح التغيير
يعطي شعور يتفاقم بان الهجرة الذهنية هي هجرة حقيقية عبر قطع العلاقة مع الواقع المعاش ذهنيا وبالتالي عمليا
الهجرة الذهنية تؤسس جديا للقناعة بأهمية الهجرة المكانية وهي بالتالي تعني القطع المسبق للعلاقة مع المكان وعدم الرغبة بالانتماء إليه ولا إلى قضاياه فالذي يهاجر بذهنه يصنع لذاته قضايا تهم الجهة الذهنية أو الثقافة التي قرر الهجرة إليها وهو بالتالي سيسعى للذهاب إليها مكانيا للمشاركة بما يخصها كفعل دون شعور بالذنب كونه انقطع عن قضايا مكانه " الوطن " أو زمانه " الشعب ".
الهجرة الذهنية هي غياب طوعي عن الوطن وناسه وقضاياه يصل إليها أولئك العاطلين عن العمل والأمل معا وهم قطعا لا يتحملون مسئوليتها بقدر ما يتحمل مسئوليتها من اوجد أسباب تغييب الأمل قبل العمل كالانقسام وغياب المؤسسات وانعدام البرنامج الوطني المشترك للتعاطي مع الاحتلال أو مع قضايا الناس وعدم السعي لتوحيد الأرض والناس تحت مظلة واحدة وتسهيل أو تشجيع البحث عن الحل الفردي أو الفئوي أو الجهوي بمعزل عن الحل الوطني العام لأي من قضايانا الفردية أو الفئوية أو الجهوية وغياب البحث الجماعي الموحد للجميع هدفا وسعيا مما أدى على ما يبدو حتى إلى غياب الهدف المشترك عمليا مما أدى بنا إلى حالة من لعن الذات والسعي للهروب منها و لنفض يد الذات أيا كانت هذه الذات من مسئولية لا احد بات يريدها على الإطلاق فالكل الغير هو صانع الجريمة بالمطلق والكل الأنا بريء بالمطلق.
بقلم/ عدنان الصباح