بعد ربع قرن من يجرؤ على فتح جردة حساب اتفاقات “ أوسلو “

بقلم: رامز مصطفى

في الثالث عشر من الجاري يكون قد مضى على اتفاقات " أوسلو " 1993 ربع قرن من الزمن ... عقدين ونصف على اتفاقات لم تبقي شيء من الحقوق التاريخية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني فوق أرض وطنه ، والذي تنازل الموقعون عليها عن 78 بالمائة من أرضنا التاريخية ... خمسٌ وعشرون عاماً بالتمام والكمال قد مرّ على النكبة الفلسطينية الثانية من دون أن يتحقق شيء مما قيل وأُسمع للشعب الفلسطيني ، عن أن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ، ذات السيادة والاستقلال الوطني قادمة لا محالة ، وأنّ الاتفاق سينهي وإلى الأبد الاحتلال الغاصب أقله على الأراضي المحتلة في 5 حزيران 1967 .

بعد مضي تلك السنوات الطويلة من عمر " أوسلو " ، أين تقف القضية الفلسطينية بعناوينها الوطنية في ظلِ حماتها من منظمة وسلطة ؟ . وأين تقف " إسرائيل " اليوم ، بعد ما حققته على حساب تلك القضية التي أهدروا وعبثوا بحقوق أبنائها ومقدراتهم ومقدساتهم وتطلعاتهم وأحلامهم ؟ .

يكفي ما صرح به " يوسي بيلين " قبل سنوات ، لندرك حجم الكارثة الكبرى المتمثلة ب" أوسلو " ، والتي قال عنها :- " أن التغيير المهمّ الذي حملته اتفاقات أوسلو ، هو التنسيق في جميع الميادين ، وعلى وجه الخصوص الأمنية منها . واتفاق أوسلو غيّر مجرى التاريخ في منطقة الشرق الأوسط برمتها ، وأتاح إمكان عقد اتفاقية السلام مع الأردن ، وأدى إلى ازدهار اقتصادي غير مسبوق في إسرائيل ، وحسّن صورة الدولة العبرية في نادي الأسرة الدولية ، وفتح أمامها مجالاً كبيراً لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول كثيرة بما فيها دول عربية " . وبدوره أبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق قال :- " أوسلو هو الاستمرار الطبيعي للمشروع الصهيوني ، للحفاظ على سيادة يهودية ووجود إسرائيل كدولة ديمقراطية " . أما المحامي " يوئيل زينغر " وهو أحد مخططي الاتفاق من الجانب " الإسرائيلي " ، كان قد صرح أن إسرائيل حققت ثلاثة أمور إستراتيجية من خلال اتفاق أوسلو وهي :- " الاعتراف المُتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ، واتفاق أوسلو فتح الباب على مصراعيه أمام الدولة العبرية لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية ، ووضع حجر الأساس لتوقيع اتفاق شامل وعادل ونهائي للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين "

وفي المقلب الآخر يأتينا الجواب عن القضية وعناوينها الوطنية أين أصبحت ، وكيف فُرطّ بها ، والمؤلم أن الجواب على لسان العديدين من رموز السلطة والمنظمة ، وفي مقدمتهم رئيسهما ، الذي تكررت تصريحاته ومواقفه من اتفاقات " أوسلو " ، وهو أحد مهندسيه والعاملين عليه ، حين قال :- " أنّ إسرائيل قامت فعلياً بإلغاء اتفاق أوسلو . وقامت أيضاً بسحب الولاية الفلسطينية ، السياسية القانونية ، والأمنية ، والوظيفية للسلطة ، على الأراضي الفلسطينية بشكل كامل " ، وقال أيضاً :- " قدمنا تنازلات مؤلمة بتوقيعنا على اتفاق أوسلو . وإنّ الصورة تبدو محبطة وقاتمة بعد مرور 20 سنة على توقيع اتفاق أوسلو " ، وأقرّ رئيس السلطة " بأنّ السلطة باتت توفّر للاحتلال خدمة خمس نجوم ، وتعفيه من جميع التزاماته " . أما أحمد قريع وهو أيضاً من مهندسي " أوسلو " ، ففي تصريح شهير له في مقابلة مع صحيفة " معاريفـ " العبرية قال بأن " اتفاق أوسلو قد انتهى " ، وفي تصريح آخر على قناة العربية " بأنّ الجدار يجعل إقامة دولة فلسطينية مجرّد نكتة . وأنّ التفاوض ليس الآلية الصالحة ، بل هو مضيعة للوقت لغاية الآن ". والدكتورة حنان عشراوي بدورها وفي تصريح لوكالة " فرانس برس " قالت : " منذ إعلان المبادئ خسرنا الكثير سواء على صعيد الأرض أو الموارد والقدرات الفلسطينية ، وقامت إسرائيل بفرض بنية تحتية معينة ، وتم تحويلنا إلى معازل منفصلة ، بحيث باتت المستوطنات كأنها الأساس ، والوجود الفلسطيني هو الجديد " . وبدوره مساعد وزير خارجية السلطة الأسبق محمود العجرمي فكان قد أكد " أن قيادة منظمة التحرير تدرك أنّ حق العودة ضاع باتفاق أوسلو ، الذي شكل محطة انحدار في المسار الفلسطيني . كما جاء لضرب القضية الوطنية في الصميم بعد اعتراف المنظمة بالعدو الصهيوني على أرض فلسطين " . ونبيل عمرو في مقالة كتبها قال :- " بعد أكثر من مائة ألف ساعة حوار ومفاوضات مع الإسرائيليين ، وصلنا إلى ما نحن فيه الآن . أنا لا أنكر أننا وفي هذه المسيرة الطويلة ارتكبنا الكثير من الأخطاء ، ووقعنا في حالات من سوء التقدير في الحسابات والمواقف والقرارات . هل وعينا الدرس بما يكفي ، أم أننا سنواصل العمل وفق متطلبات اللحظة ، وهذا أفضل ما ترغبه إسرائيل وتستفيد منه " . أما ياسر عبد ربه أحد أبرز مهندسي " وثيقة جينف " حول اللاجئين وحق العودة ، فقال :- " إن السؤال الأهم كيف يمكن الدفاع عن المصير الوطني الفلسطيني ؟ ، بعد أن أصبح ليس أوسلو فقط بل حل الدولتين عملياً في حكم الملغى . نتنياهو عمل على خلق وقائع استيطانية على الأرض تجعل قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 أمراً مستحيلاً ، حيث المساحة الجغرافية تتقلص باستمرار التي يتحكم بها الشعب الفلسطيني ، وهذه هي القضية التي ينبغي مواجهتها وليس شعارات لا محتوى لها ولا أهداف لقتل ما هو ميت أصلاً " .

واليوم تأتي ما تسمى ب" صفقة القرن " الصهيو أمريكية بتطبيقاتها العملية ومن دون الحاجة للإعلان عنها ، مستكملة فصول تصفية القضية في مرتكزاتها وعناوينها الأساسية في القدس واللاجئين وحق عودتهم ، والتشجيع على إقرار " قانون الدولة القومية للشعب اليهودي " ، وكأنّ أصحاب هذه الصفقة يقدرون أنّ الأهداف " الإسرائيلية " وبعد ربع قرن على اتفاقات " أوسلو " قد استنفذت أغراضها ، ولابد من الانتقال إلى مرحلة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية .

بعد ربع قرن من يجرؤ على فتح جردة الحساب إلى ما وصلت إليه قضيتنا وعناوينها بفضل اتفاقات " أوسلو " ، والذين اعترف أصحابها كيف أهدروا الحقوق والثوابت ، ولا زالوا على الرغم من تلك الاعترافات مبقين على رهاناتهم البائسة ، الأمر الذي أتاح للاحتلال الصهيوني أن يفرض وقائعه الميدانية في الاستيطان وتكريس البؤر الاستيطانية ، وتهويد القدس ، وبناء الجدار العنصري ، وإنشاء شبكة الطرق الإلتفافية ، وإشهار قانون أملاك الغائب من الفلسطينيين ، وفرض تجويع قطاع غزة من خلال الحصار المطبق عليه . وفوق كل ذلك ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد " الإسرائيلي " ، وتحويل الأجهزة الأمنية في السلطة إلى أدوات تنفذ السياسات الأمنية " الإسرائيلية " بحق الشعب الفلسطيني ونشطائه .

بقلم/ رامز مصطفى