شيوع فكرة إنهاء الإدارة الأمريكية لقضية القدس هي التي زادت المخاوف من إنهاء قضية اللاجئين. بدايةً ليس من الصواب القول الشائع اعلامياً أن الادارة الأمريكية أنهت قضية القدس ونتخوف من انهائها لقضية اللاجئين ،،لأنها لم تنهي قضية القدس ولم تستطع إنهاء قضية اللاجئين ، لأن ما حدث في موضوع القدس ، هي خطوة تم تنفيذها بقرار وفعل منفرد بعيداً عن الإجماع والقانون الدولي ،، إنتهت بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وهي بذلك ألغت وجودها فقط كوسيط دولي لإيجاد حلول سلمية، أما قضية اللاجئين تختلف تماماً لأن إنهائها فعلياً يحتاج لقبول وموافقة ومشاركة عملية واسعة من جميع الاطراف،، وهنا تكمن الصعوبة وغالباً ستفشل الإدارة الأمريكية في تنفيذ المحددات الأربعة و التي تسعى لتحقيقها لإنهاء قضية اللاجئين وهي:
1- تصفية الأونروا: من خلال تجفيف المنابع المالية عنها، لذلك أوقفت إدارة ترامب تمويل الأونروا بشكل كامل وحتى يتحول دورها من المانح للمانع.
2- إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني: لإنهاء أحقية اللاجئين بالعودة وإسقاط حقهم بالرعاية الدولية وهي نفس الغاية المرتبطة بإنهاء الأونروا.
3- نقل ملف اللاجئ الفلسطيني إلى المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة: بعد تصفية الأونروا وتقليص عدد اللاجئين.
4- تسوية الواقع الإنساني للاجئين من خلال مشاريع اقتصادية: بهدف دمجهم وتوطينهم.
وعليه عند النظر للبنود الأربعة، نجد أنها مرتبطة بثلاث محددات تشكل عائق وعقبة كبيرة لا يمكن للإدارة الأمريكية تجاوزها وهي: أولاً: قانوني: مرتبط بقرار وإجماع أممي، ثانياً: إنساني: مرتبط بإيجاد بديل مقبول عن الأونروا وبتعاون مشترك مع الدول المضيفة، ثالثاً: سياسي: مرتبط بالتنازل عن حق العودة، وهذه المحددات مرتبطة ببعضها بشكل متداخل لا يمكن الفصل بينهم. لذلك تسعى الإدارة الأمريكية لتفكيك هذه المعادلة بحل الجانب القانوني بتقليص عدد اللاجئين ولكنها ستواجه بالجانب الانساني والرفض السياسي، لأنه لو تم استبعاد ملايين اللاجئين من خدمات الأونروا والأمم المتحدة سوف تتولد كارثة إنسانية حذرت منها غالبية الدول ، بالإضافة الى ذلك سيلقى هذا الأمر رفض قانوني وسياسي.
كذلك الحال في موضوع إنهاء عمل الأونروا ستحتاج الادارة الأمريكية لموافقة ومشاركة دولية وهذا لم يحدث ولن يحدث، لأن الفكرة قوبلت بمعارضة شديدة على اعتبار أن إنهاء عمل الأونروا يمكن أن يهدد استقرار الدول المضيفة بالإضافة للدول الأوروبية ذاتها.
- ومن كبرى العقبات التي يمكن أن تواجه الإدارة الأمريكية إقناع الدول المضيفة بقبول مشاركتها تنفيذ مشاريع بديلة عن الأونروا لمعالجة الجانب الانساني وذلك لتجنب تحمل مسؤولية تبعيات حدوث حالة عدم الاستقرار في حال إنهاء عمل الاونروا، وهذا مستحيل أن تقبله تلك الدول والحكومات لأنها بذلك تعلن التآمر على قضية اللاجئ الفلسطيني ولأن في ذلك تهديد لوجودها السياسي ، إضافة الى أنها غير مستعدة وغير راغبة لتحمل مسؤولية اللاجئ اقتصادياً ومعيشياً بعدما كانت مسؤوليته دولية وعلى عاتق الامم المتحدة.
أما البند الثالث المرتبط بتحويل ولاية اللاجئين من الأونروا الى مفوضية شؤون اللاجئين فهذا الخيار مستبعد لصعوبة تنفيذه، لأن طبيعة عمل المفوضية يختلف تماماً عن عمل الأونروا وليس من طبيعة مهامها الإشراف على مؤسسات وموظفين وقطاعات تعليمية وصحية واجتماعية بحجم مؤسسات الأونروا، كما أن مفهوم اللاجئ لديها لا ينطبق كلياً على اللاجئ الفلسطيني على اعتبار أنها تشرف فقط على اللاجئين الذين فقدوا حقوق المواطنة، لذلك ستقابل هذه الفكرة بالرفض القانوني والسياسي ولعدم امكانية تنفيذها.
ويضاف لهذا كله خصوصية بعض المناطق مثل قطاع غزة والذي يشكل اللاجئون فيه نسبة 23.5% من مجمل عدد اللاجئين وله خصوصية معقدة ومتناقضة تجعل من الصعوبة تنفيذ قرار إنهاء عمل الأونروا فيه رغم أنها رغبة أمريكية اسرائيلية لتشديد الخناق عليه لكن من الصعوبة تنفيذ هذه الرغبة لأن الحالة الانسانية فيه لا تحتمل ويمكن أن تهدد جميع الأطراف ، كذلك عدم امكانية توفير أي بديل عن الأونروا فيه لأن الأونروا هي الوحيدة التي يمكنها أن تمارس عملها بشكل منفرد فيه.
هذا بالإضافة لعدم تعاطي اللاجئ الفلسطيني نفسه مع هذه الخطوات وستقابل بالرفض مهما كانت أبعادها البديلة ومهما حدث لا يمكن أن يتم تحقيق الأهداف الصهيوأمريكية ، ولا يمكن تغيير حقيقة اللاجئ عن كونه لاجئ لأن مفهوم العودة هو مفهوم جمعي وراسخ في أذهان وتراث وحياة كل اللاجئين الفلسطينيين.
لذلك أعتقد وحسب معطيات منطق الواقع أن هناك صعوبات كبيرة تواجه فكرة إنهاء عمل الأونروا وتصفية قضية اللاجئين، وهذا ما بدى واضح من تصريحات الإدارة الأمريكية المرتبكة في هذا الشأن ، لذلك من المحتمل حدوث احتمال أو أكثر من الاحتمالات الأربعة التالية:
- تراجع الإدارة الأمريكية عن قراراتها بشأن الأونروا وبحجج تغيير وإصلاحات طفيفة لبرامج الأونروا وهي الحجج الوهمية التي ربما تشكل لها خط عودة.
- الاكتفاء بامتناعها عن تقديم مساعدات مالية للأونروا في الوقت الحالي ولكن لن يطول ذلك حتى لا تفقد دورها ، وحتى لا تسمح لجهات أخرى تزعم هذا الدور كبديل وخاصة الاتحاد الأوروبي.
- الاكتفاء بتقليصات محدودة للأونروا من شأنها أن تدفع اللاجئين للبحث ذاتياً عن بدائل مع تقديم مساعدات إضافية للدول المضيفة لاستيعابهم وغالباً سيحتفظ العدد الأكبر للاجئين بخدمات الاونروا.
- تنفيذ مشاريع اقتصادية وسكنية مرتبطة بتغيرات ديمجرافية واسعة النطاق من شأنها ايجاد بديل موضوعي تدفع من خلالها اللاجئين الاعتماد عليها ذاتياً كبديل عن خدمات الأونروا وبالتالى تحقيق نتيجة انهاء خدمات الأونروا أو تقليصها للحد الأدنى ، وأعتقد أن هذا المسعى هو الأكثر إحتمال لانهاء علاقة اللاجئ بالاونروا وذلك من طرف اللاجئ وليس من طرف الأونروا وهو ما اعلن عنه أصلاً فى سياق حديثهم وتصريحاتهم ولانه يتلائم مع مجريات ونتائج تنفيذ صفقة القرن.
" مع الملاحظ: هذه رؤية تحليلية لزيادة الوعي بمجريات الواقع وهذا لا يمنع حدوث احتمالات مغايرة ناجمة عن حماقات أمريكية إضافية يمكنها تغيير موازين الأحداث، فاتون الصراع ما زال قائم ، ومن الضروري اليقظة والوعي الكامل مع ضرورة تشكيل حراك شعبي قوي ومستديم، وبكل مواقع اللجوء والوجود الفلسطيني للدفاع عن جوهر القضية الفلسطينية وعن حقوق اللاجئ وقضيته.
د. علاء محمد زقوت
مختص فى شؤون اللاجئين الفلسطينيين
8 / 9 / 2018