كما كل ذكرى وبكل عام نكتب عنها ... ونقول ما لها وما عليها ... باعتبار ان هذه الاتفاقية الموقعة ما بين منظمة التحرير ودولة الكيان تعتبر جزءا ومنعطفا تاريخيا ... ومرحلة تستحق ان يتم تناولها وتحليل مجرياتها وعدم امكانية تجاهلها خاصة واننا نعيش ما ترتب عليها .. وما اصبح واقعا سياسيا لها وما تم انجازه والاخفاق فيه .
اوسلو ... الشماعة الاكبر التي تحملت ولا زالت كافة الاقاويل والتحليلات والاجتهادات ... وكأنها النقطة السوداء الوحيدة التي يجب تحميلها كافة العيوب والسلبيات المتواجدة فينا ... وهذا على عكس الحقيقة حتى وان كان هناك الكثير مما يمكن نقده وتسليط الضوء عليه .
نبذة تاريخية ما قبل عقدين ونصف لمسيرة العمل الوطني الفلسطيني وحجم الاستهدافات والمخططات المدبرة التي طالت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد ... وما جرى بيونيو من العام 82 باجتياح بيروت وخروج قيادة المنظمة وقوات الثورة الفلسطينية .... وتمركز القيادة الفلسطينية بالعاصمة التونسية باعتبارها المقر الرئيسي لمنظمة التحرير ... وما جرى من حصار سياسي ومالي للقيادة الفلسطينية كان يستوجب ويتطلب اعادة صياغة المواقف السياسية بصورة تتلائم والوقائع الجديدة .
كانت جلسة المجلس الوطني بالدورة التاسعة عشر بالعام 88 بالعاصمة الجزائر وما صدر عن هذه الدورة من اعتراف بالقرار الدولي 242 والذي اتاح المجال للتحرك السياسي ما بعد اعلان وثيقة الاستقلال ومشروع الدولة بحدود الرابع من حزيران 67 .
تهيأت الظروف السياسية لمؤتمر مدريد للسلام والذي افسح المجال لاجراء مفاوضات اسفرت عن اتفاقية اوسلو بالعام 93 .
اتفاقية تم تسميتها باعلان المبادئ لمرحلة انتقالية تبدأ بمرحلة غزة – اريحا اولا ومن ثم المرحلة الثانية من المناطق ب ... والمرحلة الثالثة بالعام 99 والتي ستكون مدخلا لمفاوضات الحل النهائي والملفات المتبقية مثال القدس واللاجئين والحدود وعودة اللاجئين .
أي ان اتفاقية اوسلو لم تحسم ملفات الصراع ... لكنها كانت مدخلا سياسيا انتج السلطة الوطنية الفلسطينية وعودة القيادة والامساك بزمام الامور ولو بالحد الادنى لترتيب اوضاعنا الفلسطينية وتحديد مساراتنا السياسية .
اتفاقية اوسلو لم ولن تكون الامل ... ولم يكن في بنودها حلم شعبنا وقيادتنا ... لكنها كانت الممكن في ظل معادلة المستحيل والتي يجب الوقوف امامها وعدم اطلاق العنان لالسنة كل منا وحتى لفكر كل منا بأن ينتقد كما يشاء وان يرى في هذه الاتفاقية نقطة سوداء وتفريط كبير وتنازل واضح للثوابت الوطنية وهذا ليس صحيحا بالمطلق بدليل واحد وليس بدلائل عديدة ان منظمة التحرير لا زالت متمسكة بالثوابت الفلسطينية .... ولا زالت على موقفها وعدم تنازلها وتفريطها وهذا ما يتم تأكيده بمواجهة ما يسمى بصفقة القرن ... وما تم تأكيده بالماضي القريب في مفاوضات طابا وواي ريفر .
بكل الاحوال فاتفاقية اوسلو وقد اوجدت اول سلطة وطنية فلسطينية بكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية واوجدت الكثير من الحلول ... وواجهت الكثير من الصعاب والتحديات والتي زادت ما بعد هجمات اسرائيلية قامت على تدمير مؤسسات السلطة خاصة بالمحافظات الجنوبية وما جرى من حصار الرئيس الراحل ابو عمار وكافة السياسات العدوانية والعنصرية والاستيطانية التي لا زالت قائمة .
اوسلو في مواجهة اسرائيل الطرف الثاني الموقع على هذه الاتفاقية ... وفي مواجهة الولايات المتحدة الراعية لحفل التوقيع في باحة البيت الابيض وامام العالم بأسره وما قامت عليه السياسة الاسرائيلية من تسويف ومماطلة وعدم التزام بتلك الاتفاقية ... وما قامت عليه الولايات المتحدة من انحياز كامل للمواقف الاسرائيلية مما وضع القيادة الفلسطينية أمام تحديات جديدة أهمها عدم الالتزام الاسرائيلي والامريكي في ظل معادلة سياسية دولية لا زالت غير قادرة على حسم الصراع سياسيا .
اوسلو اتفاقية قيل في حينها انها مدخلا للاستقلال والحرية ... او انها ترسيخا للاحتلال وهذا ما كان يعتمد بداية على الالتزام الاسرائيلي الامريكي ... وفي الاساس يعتمد على الرؤية الفلسطينية والعمل الفلسطيني واليات الفعل وعدم اضاعة الكثير من الوقت في معارضة الاتفاقية واعاقتها دون ايجاد البديل لها ومن الجانب الاخر انفسام فلسطيني داخلي له ما يقارب 12 عام زاد من حالة الضعف والتشتت .
بكل الاحوال الحديث عن اوسلو يحتاج الى الكثير من الوقت كما الحديث عن اتفاقية باريس الاقتصادية لكن الاهم بهذه المرحلة الحساسة والدقيقة ان نتحدث عن كيفية الخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي والذي سيوفر فرصة تنفيذ وتطبيق ما يسمى بصفقة القرن ... والتي ستكون اكثر شدة وقسوة من اتفاقية اوسلو لان عدم التعلم والاستفادة من الدروس واستخلاصات التجربة يجعلنا امام موقف عدم اليقين من قدرة النخب السياسية على المراحعة الدقيقة والمتأنية والموضوعية بعيدا عن الشطحات والاتهامات والاقاويل التي لا طائل منها .
الكاتب : وفيق زنداح