منذ التوقيع الذي شهده العالم وقد تردد الراحل أبو عمار أثناء التوقيع بعد أن إكتشف الخديعة الكبرى في الخرائط التي تم وضعها بشكل عدواني بعيداً عن روح السلام الذي كان ينشده كحل وسط أمام الظروف الدولية والإقليمية وما نتج من حصار للقضية الفلسطينية
وعلى الرغم من كل الإجحاف والظلم الذي اعترى الإتفاق وتأجيل القدس وقضايا مهمة وأساسية وعدم تحديد الأمور بشكل واضح
إلا أن الإسرائليين وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي حصلوا عليها جراء أوسلو إلا أنهم بغالبيتهم إعتبروا الأتفاق مجحفا بحقهم وثارت ثورتهم على حكومتهم التي وقعت الإتفاق مع المنظمة
ان الرفض الشعبي الإسرائيلي كان أكبر وأعمق من الرفض الشعبي الفلسطيني والدليل اغتيالهم لإسحاق رابين بعد فترة وجيزة
لقد كان هذا واضحا من خلال المظاهرات المنددة في تل أبيب والتي كانت تهتف بسقوط رابين وبيرس والمناظرات التلفزيونية التي واكبت الحدث أيامها.
ندوة تلفزيونية خطيرة جدا ً
ففي حوار تلفزيوني جمع نخبة من الجنرالات المتقاعدين والمفكرين والعلماء..
شاهدت حواراً هاما وخطيرا لنخبة منتقاة من أهم السياسيين والمفكرين الصهاينة وكان الغضب متجليا على معظمهم ما عدا أحدهم وهو جنرال عجوز في الثمانين من عمره ، من رعيل بن غوريون وأعمدته .. حيث ترك الحديث للجميع وكان مستمعا في معظم الحوار دون أن يقول كلمة.
كانوا يشتمون رابين ويخونونه لدرجة كبيرة ويعتبرونه خان التوراة واليهودية ...ومن جملة ما قالوه..
إن رابين خدعنا وخاننا لأنه سيسمح بدخول المخربين الفلسطينيين من منظمة التحرير وفتح إلى الصفة وغزة
وهؤلاء سيشكلون قوة بحيث يكونون خنجرا مسموما قي خاصرة إسرائيل ويوقفون مشروعهم في دولة أسرائيل الكبرى، وأن دخول هؤلاء المخربين سيحرضون الشعب الفلسطيني على قتالنا
وسيقومون بعمليات تخريبية ويشكلون قواعد إرتكاز في قلبنا ويقلبون حياتنا الى جحيم ..
كلام كثير صدر عن المتحدثين وجاء دور الجنرال القديم وتحدث بعد صمت طويل وسأضع بعض النقاط على بعض ما قال...
قال... إستمعت إلى كل الاراء التي تنم عن حرص شديد على دولتنا ولكنكم افتقدتم للحكمة والموضوعية وطول النظر الذي اعتمده رابين وبيرز في توقيع الإتفاق المشؤوم حسب وجهة نظركم .. وحسب وجهة نظري سيكون مشؤوما على الفلسطينيين فقط
فما جرى ليس كما تتوهمون أنه خطر على دولتنا وعلى العكس هو لصالحنا تماما ..
اولا ... أن منظمة التحرير وفتح والتنظيمات وبعد سنوات الثورة في الاردن ولبنان تدخلوا في شؤون تلك الدول مما خلق أجواء الكراهية عليهم من قبل الشعوب العربية وحصلت حروب دموية وتم طردهم من الأردن وفي لبنان أقاموا جمهورية الفاكهاني مما أغضب اللبنانيين وشعر اللبنانيون بارتياح بعد أن تم طردهم من لبنان
ثانيا..بعد أن توزعوا على بعض الدول العربية وخاصة في تونس شكلوا عبئا على الدول المضيفة لهم ، وباتفاق أوسلو خلصنا تلك الدول العربية من ذلك العبء فسيكونوا شاكرين لنا بذلك مما ستيصبح لإسرائيل شعبية وتأييد في المحيط العربي وسيفتح لنا ابواب الدول العربية
ثانيا... إدخال المخربين الى الضفة وغزة سيكون مكسبا لنا وذلك لانهم سيكونون محاصرين من قبل جيشنا وتحت المراقبة بدل أن يظلوا بعيدين يخططون ويدبرون لنا المكائد..دون أن نعلم .
ثالثا.. المخربين ليس لديهم دراية في إدارة المؤسسات المدنية فبعد أن كنا محتلين لهم ولكن كنا ندير الشؤون والمؤسسات بطواقم أهلية ستأاي المنظمة وتعين رجالها من فتح خاصة دون خبرات ، ولذلك سيخربوا الوضع في كل المؤسسات وسيستغلوها لمصالحهم ويستقووا على الشعب بحيث لا يكون هناك انسجاما بين السلطة والشعب خاصة أنه تم الاتفاق على إنشاء أجهزة أمنية من الشباب المعروفين بنضالهم عند شعبهم وستكون وظيفتهم حماية الاتفاق وبالتالي حماية أمن إسرائيل .
رابعا ..لن يكون هناك أسلحة ثقيلة فقط سيكون أسلحة فردية لدى الشرطة واي إخلال بهذا الأمر فيدنا طويلة وقوية وكل شيء محسوب حسابه.فعيون إسرائيل مفتوحة
خامسا... الخلاف الفلسطيني الداخلي خاصة أن حماس ترفض الإتفاق وتعتبره خيانة سيتطور الى اشتباك مسلح بين حماس والسلطة مما سينعكس ايجابيا على إسرائيل.
سادسا.. خلال سنتين سيطلب الشعب الفلسطيني عودة الإحتلال الإسرائيلي بعد أن يخيب أمله بأبنائه العائدين وقد عرفوهم على حقيقتهم
انتهى الحوار الذي أقنع خلاله الجنرال المخضرم جميع الحاضرين
للأسف بينما كانت وسائل الإعلام الإسرائيلي تناقش كل تداعيات ومخرجات إتفاق أوسلوا كنا نحن منظمة وشعب نبحث عن المنجزات التاريخية ونعقد المهرجانات والإحتفالات ولم ندر اي ورشة عمل ولا أي حوار من خلال خبراء ومثقفين أللهم من فئة قليلة كانت خارج الوطن تم اعتبار بعضهم عملاء أو معطلين ومنافقين أو في الحد الأدنى خرفين ..
لقاء مع أبو عمار
أذكر هنا أني ذهبت على عجل إلى تونس وطلبت مقابلة الشهيد الراحل ابو عمار وذلك قبل دخولنا للوطن بأيام
واعتقد قبل التوقيع في للقاهرة بيومين أو ثلاثة ،
كان مكتب أبو عمار حاشدا بمئات من الإخوة القادمين من الوطن والكل منهمك بترتيب وضعه الخاص ، وما هي المهمة التي ستوكل له ..كأنه يوم الحشر
فوجئت بأني من الصعب أن أقابل أبو عمار وابلوني في مكتبه أنه لا مجال على الإطلاق فالأمر صعب جدا ..
وفود قادمة ووفود مغادرة ومسؤولين دوليين وإسرائيليين ورؤووس كبيرة تتزاحم للقاء أبو عمار ، ولا وقت على الإطلاق.. وهناك من طلب مني أن أنقل رسالتي من خلاله فرفضت
وكانت فرصة على العشاء أقتربت منه وسلمت عليه وقال بدهشة ..انت هنا بتعمل إيه وتارك القوات الي حتنزل الوطن وجاي لتونس ، هو إحنا بنلعب ..!؟
قلت .. جاي أشوفك لأمر خطير ..
ضحك وقال .. خطير يا ساتر عن إيه قرب علي وشوشني.!
اقتربت ووشته وقلت خمسة دقائق فقط بيني وبينك ما بينفع هنا..
قال .. ما انت شايف الوضع أنا قادر أشوف حد .!
قلت... خلاص السلام عليكم
قال.. إسمع خمس دقائق بس ..خليك قريب ما تبعدش
فعلا انتظرت حتى قام عن المائدة فاقتربت منه ومسك يدي وأسرع الى مكتبه ..
وجلس وقال هات قول لي شو الموضوع الخطير...!؟
فأخبرته عن الحوار التلفزيوني واستمع لي جيدا وبدى عليه الإهتمام وقرع الجرس وقال.. نادو لي.. أحمد عبد الرحمن وخليه يجيب تسجيل عن لقاء تلفزيوني ..
وسألني هو كان أي يوم وأي الساعة فأخبرته في يوم والساعة كذا وكان يسرح وكأنه يفكر في ما سمعه..
حتى أنه مر 15 دقيقة وزاد انتباهه واهتمامه رغم محاولته إخفاء مشاعره
قال .. طيب انا نا عديش وقت أشوف التسجيل كله انت عايز إيه بالضبط ..
قلت .... انا مش عايز شيء أنا خايف ..!
قال طيب يا خويف إيه تقترح ..!
قلت بالحرف الواحد .. يجب أن لا نتعجل بالدخول للوطن وأن نبدأ بحملة توعية وتققيف وتديبات وتأهيل لكل الكوادر الذين سيتسلموا إدارة المؤسسات أو الأجهزة الأمنية والضريبة والجمارك ووالخ وكل الأمور الأساسية
قال.. يعني كم نتأخر برأيك ..!؟
قلت عالأقل 3 أشهر ويا ريت 6 أشهر حتى نكون جاهزين تماما ً
قال .. ياااااه 6 أشهر .. انت عبيط ولا بتستعبط ...!
وضحك وقال ..معقول الي بتقوله يا إبني... نحن بنلح عليهم ندخل بعد يومين وهم بيناطلوا فينا ،
إسمع مجر د ما نوقع في القاهرة وقواتنا حتكون على المعابر وانت مع أولهم وبلاش تتلكك .. روح وتفائل إنت ظاخل على وطنك .. ازرع رجليك في أرض الوطن ، وارفع راسك فوق وخلي ضميرك معاك وتوكل على الله
6 اشهر عايزنا نتأخر ..!
انت مش عارف أنهم ممكن يغيروا رأيهم في أي لحظة ...دول شياطين
قلت ..انت قلتها... دول شياطين
قال وهو يضحك .. يعني هو إحنا ملايكة ...!
ما تخافش دول بيهرجوا ومش عارفين احنا مين ..!؟
احنا راح نفاجئهم برجال وثوار بيحبوا وطنهم وشعبهم وشوية شوية حنعمل دولتنا غصب عنهم ..توكل على الله
وتحدث بثقه وقال بصوت عالي ..وكأنه يريد أن يسمع من خارج مكتبه. قال..
روووووح يا بني وجهز حالك واستعد تكون قد المسؤولية ، هو أنا مش عارف رجالتي ، ما انت منهم ولا ناسي حالك إنت واخوانك هو انا مش عارفكم .. وفتح الباب وهو يقول .. حندخل الوطن رافعين رؤوسنا برجالتنا بثوارنا بكل الشرفاء
وعدت الى عمان.. لالتحق بقوات الاقصى في العراق ووقعت على يدي التي كُسرت فحملتها على عنقني ،
ودخلت بها الى الوطن
وعشنا في القفص...
ولا ندري الى متى ستظل ...الفرجة ببلاش .!؟
بقلم/ منذر ارشيد