بعد الفشل الذريع الذي منيت به الدولة العبرية بكل مكوناتها من تطويع أهل الرباط في أرض الرباط بعد أن ذاب الثلج وبان المرج وعرف الصادق من المخادع سواء من يتدثرون بعباءة التمسكن حتى التمكن ممن يطلقون على أنفسهم بمعسكر السلام الإسرائيلي أو من يطوعون المجتمع الدولي لصالحهم باستخدام قفازات حريرية للحصول على ما يرغبون للتأثيرعلى خصومهم وتجيير المواقف الدولية لصالحهم باستخدام أسلوب ضربني وبكى وسبقني واشتكى للإيحاء بأنهم من أشد التواقين للسلام وهم في حقيقة الأمر يضمرون غير ما يظهرون يبذلون جهدهم في تجزئة قضايا الصراع ليخلخلوا الموازين لتجري الرياح وفق ما يشتهون فينفذوا ما يطمحون إليه بكل هدوء ، وهؤلاء يتمثلون في حزب العمل الصهيوني الذي أعلن قيام الدولة العبرية وألحق هزيمة بالعرب في حزيران 1967 أما الطرف الثالث وهم عن حقدهم يظهرون وباستفزازاتهم يتحدون إنهم اليمين الصهيوني المتطرف هؤلاء لهم أجندتهم وأعوانهم من اليمين الأمريكي المتشدد في الحزب الجمهوري وأعوانهم في الأحزاب العنصرية الغربية عموماً وهم يتمثلون في الليكود والحاخامات وإسرائيل بيتنا والمفدال ويهودت هتوراه ، وهؤلاء كثفوا من نشاطاتهم الاستيطانية كسابقيهم من العمل وبهجمة أكثر شراسة في القدس والضفة الغربية ومجازر هنا وهناك في غزة وحواري الضفة والقدس ، جندوا الإدارة الأمريكية لصالح قومية الدولة اليهودية وفرض ذلك على المجتمع الدولي عنوة وبالإكراه .
طبعاً الاتجاهات الصهيونية الثلاث يعمل كل منها بأجندات يعود خيرها على الكيان العبري وضررها على الفلسطينيين وحدهم وليس سواهم.
وعودة إلى بدء فإن اليمين الصهيوني المتطرف عاد للظهور من جديد فقد سبق وأن تمرد في أربعينيات القرن الماضي على ما ورد في الكتاب الأبيض لخداع العرب كون بريطانيا كانت على أبواب الحرب العالمية الثانية حين صدوره وحارب الجيش الانجليزي في فلسطين ودوره من جديد برز ما بعد حرب اكتوبر التحريكية لكن ما خدم مآربهم مجيء دونالد ترامب رئيساً لـ البيت الأبيض الأمريكي حيث تزايدت التوجهات أمريكياً بالتوجه الفعلي بالتخلص من القضية الفلسطينية ومن استحقاقاتها بتصفيتها وإلى الأبد،بتسيير البوصلة نحو تقارب إسرائيلي مع البعض من العرب يشتمل على خلق مناخ سياسي إقليمي مُواتٍ لعلاقات عربية إسرائيلية وتعاون اقتصادي.
حيث أضحى هذا التوجه يستمد زخمه من وجود عوامل عديدة أولاها تسيد البيت الأبيض الأمريكي رئيساً مهووساً بالصهيونية ويهمه أمن الكيان الصهيوني قبل أمن من جاء به رئيساً لأمريكا ألا وهو الناخب الأمريكي ، وقد صرح مراراً وتكراراً بأن المهم هو إيجاد تسوية بين إسرائيل والبلدان العربية ، وأن الدولة الفلسطينية ليست شرطاً لذلك ، ناهيك عن أنه نفذ وعوده الانتخابية باعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل وبالتضييق على الفلسطينيين ووكالات الأمم المتحدة الداعمة لهم وتوجهه لإلغاء حق العودة وترسيم الحدود وانسحاب الكيان المحتل من الأراضي المحتلة ، مبدياً لا مبالاة بشأن الأنشطة الاستيطانية والجرائم الإسرائيلية، ملقياً على الطرفين المعنيين بالمسألة الاتفاق على ما يريدانه، سواء كان دولة فلسطينية أو دولة واحدة أو أي شيء آخر وهو يصنع ذلك بترتيب متناسق وفق ما يرغب به نتنياهو وفريقه في الكابينيت الوزاري بهدف إرباك القيادة والشعب الفلسطيني وخلق بلبلة في التوجه الدولي لفرض حقائق غير موجودة نتيجة ضعف عربي إسلامي وعجزهم عن الرد أو تكوين تكتل دولي يواجه هذا العبث الأمريكي الداعم للصهيونية والهادر للحق الفلسطيني. . وثانيهما استغلال ما يشهده المشرق العربي من استقطابات من نوع جديد، على خلفية التمزق الحاصل فيه عموماً والانهيار على مستوى الدولة والمجتمع في كل من العراق وسوريا، في ظل تزايد المخاطر الناجمة عن تمدد النفوذ الإيراني من طهران إلى لبنان، مروراً بسوريا والعراق واليمن. وثالثهما في ظل هكذا أوضاع لم تعد " إسرائيل " مبالية بما يطلق عليها عملية السلام، خصوصاً بعد انحسار الدعم والتأييد العربي والإسلامي للمقاومة الفلسطينية منذ ما أطلق عليه بالربيع العربي وظهور تنظيمات التطرف التي تعيث فساداً وقتلاً في البلدان العربية خاصة سوريا والعراق وليبيا وتونس وشمال أفريقيا عموماً كداعش والقاعدة ، ومع غياب التهديدات من كل الجبهات بعد التحولات في مصر، وتصدع الجبهة الشرقية بتفكّك الجيش العراقي وإرهاق الجيش السوري بحرب طائفية لا طائل من ورائها سوى أمن الكيان الصهيوني ومستوطنيه نمتها وغذتها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وتداخلات دولية جعلت من سوريا أرضاً لتصفية الحسابات وتدمير كيان الدولة السورية كما فعلت في العراق . وأخيراً الضغط لاستيعاب الفلسطينيين في دول الجوار العربي واعتراف العرب بدولة " إسرائيل " أنها دولة يهود وبالقدس عاصمة لها لضمان "الغالبية اليهودية الثابتة" عبر "الانفصال الديمغرافي" عن الفلسطينيين، مع فرض السيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين بإشغال الفلسطينيين في دولة غزة التي بدأت تباشير ظهورها في الصعود وتجنيس اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها بدعم دولي شامل وبدعم مادي واقتصادي مجزٍ للدول التي تتكفل في إتمام الرغبة الأمريكية في هذا الاتجاه لكن معروف لدى الجميع ان أمريكا تقدم بيد وتعمل على امتصاص ما تقدمه بوسائلها المعهودة مستخدمة أسلوب حط حيلهم بينهم أي فرق تسد.
من هنا يتبين أن توجهات التسوية الإقليمية ووفق وجهة النظرالليكودية واليمين الأمريكي المتطرف الحاكم للبيت الأبيض الأمريكي حالياً تتأسس على ركيزتين أساسيتين أولاهما التحول من التسوية مع الفلسطينيين إلى التسوية مع بعض الدول العربية، وإقامة علاقات طبيعية بينها وبين إسرائيل، بل وحل المسألة الفلسطينية في الإطار العربي وبإقامة دولة غزة، والضفة يبقى أمرها معلقاً تتصرف بها الحكومة اليمينية الصهيونية المتطرفة في الدولة العبرية وفق ما تريد أو وفق مقتضيات الأحوال وما سينجم عن هذا النهج من ردات فعل قد تلحق الأذى بالوجود الصهيوني من أساسه ... حتى ما يطرح من اتحاد كونفدرالي لكونتونات الضفة هو من باب كسب الوقت لا أكثر ، الدولة العبرية تريد فلسطين كلها لكن بلا غزة كونها ترى في يهوذا والسامرة " القدس ونابلس " هما روح الدولة العبرية .
والمتتبع لمجريات الأحداث يرى أن التسوية تجري صوب الإطار العربي وتهميش الدور الفلسطيني حيث لم يعد للفلسطينيين دور مرسوم بشأن التسوية أو الصراع مع إسرائيل وفق التوجه الأمريكي وحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وهذا الخطر هو ما نجم عن أوسلو وما قادت إليه. فأصبحت فكرة التسوية تقوم على المصالح الأمنية والاقتصادية التي باتت تجمع إسرائيل بالدول العربية، وطبعاً تركز كل من أمريكا والحكومة الصهيونية أن تشمل هذه التسوية بعض دول الخليج وشمال أفريقيا.
وهذا التوجه بدأت بذوره في النمو مع ظهور مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي تبناه بوش الابن وروجت له في حينه كوندوليزا رايس في تسعينيات القرن الماضي والذي تحدث صراحة عن مصالح مشتركة سياسية وأمنية واقتصادية، توجب نوعاً من السلام والتعاون بين دول المنطقة وضمنها إسرائيل ، ولهذا الغرض أنشئ في حينه ما أطلق عليه "المفاوضات المتعددة الأطراف"، والتي كانت تُعنى ببحث شؤون التعاون الإقليمي في مجالات الاقتصاد والتجارة والمياه والبني التحتية والبيئة، وذلك بالتوازي مع المفاوضات الثنائية بين " إسرائيل " ودول عربية ، كما تم تنظيم عدة مؤتمرات لهذا الغرض (مؤتمرات القمة العربية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا) عقدت أربع مرات، بين أعوام 1994ـ 1998 ، واستندت هذه الدعوات إلى "المبادرة العربية للسلام" التي أطلقتها قمة (بيروت 2002 العربية)، والتي نصت على مبادلة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة (1967) مقابل السلام والتطبيع ، ومع ذلك ولأن أي مشروع أو مبادرة تحتاج لقوة تنفيذيه لها على أرض الواقع سواء ثقل سياسي أو عسكري ليدعمها ويحقق لها المرامي منها على أرض الواقع فإنه لعدم امتلاك العرب الذين مزقتهم الفرقة لذلك فإن " إسرائيل " ضربت بعرض الحائط كل هذه المساعي بسبب إصرارها على تكريس واقع الاحتلال ورفض أي انسحاب من الضفة الغربية، والتمسك بالقدس عاصمة موحدة، وبتعزيز الأنشطة الاستيطانية، خاصة لأنها لم تجد في الوضع الفلسطيني أو العربي أو الدولي ما يجبرها على الانسحاب.
وعلى ذلك هناك تساؤلات تطرح بخصوص الجدوى أو الفائدة المرجوة من تلك المبادرات في ظل وجود مسار العملية الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي أثمرت اتفاق أوسلو 1993 عمره قرابة ربع قرن، طرح في غضونها العديد من المبادرات منها مفاوضات كامب ديفد 2 (يوليو/تموز 2000) في عهد الرئيس بيل كلينتون، وطابا (يناير/كانون الثاني عام 2001) ثم خطة "خريطة الطريق" (2003) وبعدها اتفاق الإطار في "مسار أنا بوليس" (2007) في عهد الرئيس جورج بوش الابن، وبعد ذلك المفاوضات التي أجريت إبان فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
فلماذا يتم تجاوز "المبادرة العربية للسلام" التي كانت قد طُرحت في القمة العربية في بيروت 2002 ؟؟
يبدو من ذلك أن ما جرى ويجري يستهدف الالتفاف على القضية الفلسطينية ووأد حقوق الفلسطينيين، مع التأكيد على أن أي شيء يحصل على صعيد العلاقة بين إسرائيل وبعض البلدان العربية لا يمكن التعاطي معه بوصفه جزءاً من عملية تسوية حقيقية ولو نسبياً، إذ إن ذلك سيكون في إطار إعادة تشكيل المنطقة، أي كجزء من التسويات التي يمكن أن تحصل لتحقيق نوع من الاستقرار، لا أكثر ولا أقل.
على الصعيد الإسرائيلي وفق ما كشفت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" (يونيو/حزيران 2017) تفاصيل ما يُعرف بـ"مبادرة السلام الإسرائيلية"، التي سبق وأن بدأت ملامحها تظهر في تصريحات لأعضاء الحكومة الإسرائيلية، إذ أوضحت أن هذه المبادرة "ترمي إلى تحقيق حل شامل ومتعدد الأطراف للنزاع العربي الإسرائيلي، بدلاً من حل ثنائي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن هذه الخطة تم تبنيها بحذافيرها من قبل إدارة دونالد ترمب.
فنتنياهو كان إبان رئاسته لأول حكومة إسرائيلية (1996ـ1999) طرح أفكاراً من هذا النوع بديلاً لاتفاق أوسلو وتتعلق بالسلام الاقتصادي، لذا فإن هذه المقاربة الأميركية - التي تجعل الاقتصاد قبل السياسة، والعلاقات العربية قبل التسوية مع الفلسطينيين- أكثر قرباً لهوى نتنياهو وحكومته، خاصة أنهم يرون أن الوضع الإقليمي الراهن يمثل فرصة سانحة لهم لتغيير طابع العلاقات مع محيطهم العربي.
ويُستنتج من ذلك أن إسرائيل معنيّة تماماً بالتجاوب مع المسار الأميركي المتعلق بالتسوية الإقليمية على خلاف ما جرى في التسعينيات، إذ أن الأخطار التقليدية من الجيوش النظامية باتت من الماضي، لا سيما بعد الانهيار الحاصل في العراق وسوريا.
وعن هذا الموضوع وربطه بالتسوية الإقليمية، تحدث رئيس المعارضة الإسرائيلية السابق إسحق هرتسوغ عن "الرغبة الإقليمية في الدخول إلى العملية السياسية بفضل حلفاء إقليميين جديين وأقوياء، وبفضل المصالح المشتركة للجميع في القضاء على داعش وكبح إيران.
بل إن هرتسوغ دعا "إسرائيل إلى إقامة مؤسّسات شرق أوسطية مشتركة تعمل على التطوير الإقليمي والتعاون في مجالات مختلفة، من ضمنها الأمن والاقتصاد والمياه وانتقال البضائع والعمال، وتقترح أن تكون القدس مركزاً لهذا الوضع الإقليمي"، (هآرتس، 22 فبراير/شباط 2017).
والمقصود أن كل التحركات والمواقف الجارية الآن تغدو بمثابة نافذة فرص لإسرائيل لفرض أجندتها على كل أهل المنطقة، وفرض نفسها فاعلاً رئيسياً في الإقليم، وكل أحاديث عن تسوية أو مبادرات لا تصب في هذا الاتجاه لا يمكن لأميركا ولا لإسرائيل التعامل معها، أما بخصوص السلام العادل والشامل فهذا بات حديثاً للتسلية لا أكثر، فما هو هذا السلام في شرق عربي متفجر؟
واضح أن مصير توجهات السلام الإقليمي يتوقف على ما تريده وما تفعله واشنطن، التي تتعاطى مع منطقة المشرق العربي بوصفها بمثابة "رجل مريض"، ومن باب أنها تصلح منطقة لإدارة الصراع، وضمنه استنزاف وإضعاف روسيا وكل دولة إقليمية فاعلة في المنطقة غير " إسرائيل "، وعدم إتاحة وضع من الاستقرار في سوريا والعراق قد يشكل تهديداً لإسرائيل على المدى المنظور، إذ لا شيء يفسر هذا العزوف الأميركي عن الحسم أو اللامبالاة غير ذلك.
* الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني عبدالحميد الهمشري والمحامي علي أبوحبلة - رئيس مجلة آفاق الفلسطينية / قسم الدراسات الاستراتيجية