الكذب افة مرضية وطاعون يلوث الاجواء والمناخ , ويمكن ان يهدم جزءا كبيرا من المجتمع ... ويفقد افراد المجتمع الكثير من عوامل الثقة والتعاون والترابط .
ظاهرة قاتلة للحياة وللعمل وللعطاء ... ظاهرة تشكل عبئا اضافيا وهما زائدا وعيوبا اضافية, تزيد من أزماتنا وكوارثنا وما نحن عليه من اوضاع سيئة فيها الكثير مما نندهش منه ... ونستغرب وجوده وحتى نستهجن انتشاره .
الكذب ... وما يقال فن الكذب, وكأنه تعريف لعلم السياسة فيه الكثير من الخطأ, اذا ما تم تعديل علم السياسة وتعريفها بفن الممكن , وهنا الفرق شاسع ما بين الكذب وقول الممكن والمتاح .
الممكن ان تقول ما هو متاح وما يمكن تنفيذه ... وفق مقومات وادوات حاضرة ومملوكة لدينا ... وان لا نشطح بعالم الفضاء والخيال ... وبيع الاوهام والخزعبلات وكأنها الحقيقة وهي ليست كذلك .
الكذب محاولة مدروسة ومدبرة ومنسوجة بمفردات لغوية فيها من دغدغة العواطف بأكثر من قول الحقيقة , التي يجري اخفاءها لتضليل الرأي العام ... والتستر على خفايا واخطاء وخطايا لا يمتلك من يقومون على الكذب من امتلاك شجاعة القول وصراحة الحديث .
بين الممكن والمتاح وصراحة القول .. في اطار الصدق المطلوب لمواجهة الحقائق وايجاد المخارج لما هو قائم من عيوب وازمات وكوارث ربما يكون الاقرب للمنطق وللحديث مع الرأي العام الذي يمتلك من البصر والبصيرة والوعي والخبرة ما يمكنه من فرز الاكاذيب ... عن قول الحقيقة , حتى وان كانت مرارتها شديدة كالعلقم .
الكذب وخداع الراي العام وما يجري من تضليل وادخال الناس في جملة شعارات لا اول لها من اخر ... وكما يقال ما أنزل الله بها من سلطان .
نحن في هذا الزمن الرديء الذي يصبح فيه الكذب سمة من سمات المجتمع, وطريقا لتحقيق المصالح واسلوبا انتهازيا لابتزاز المواقف وقلب الحقائق , يحتاج منا الى مراجعة شاملة لكل ما يقال وما يرفع من شعارات, وما يجري من أحاديث وتصريحات تدخلنا على مدار اللحظة باشتباك داخلي ومناكفات وتجاذبات وحملات اعلامية نخون فيها ما نخون, ونكذب فيها ما نكذب, ولا نجد من تصريح يمكن ان يكون متوازنا وهادفا وقادرا على اقناعنا بجزء من الحقيقة التي يحاولون اخفاءها ... حتى نحدد خطواتنا وخططنا حتى الفردية منها وعلى مستوى الاسرة لتدارك مصاعب الحياة والعمل على ايجاد افاق مستقبل لاجيال لا زالت غير قادرة على العمل, بعد ان حصلت على مؤهلات عالية بفعل غياب التخطيط والاستيعاب والخطأ الفاحش بسياسة التوظيف القائمة على الواسطة والانتماء الحزبي وليست قائمة على الكفاءة والمهنية العالية والشهادة العلمية .
ما نحن عليه لا يسر أحد ... بل يضر كل منا وبنسب متفاوتة ... لاننا سوف نحصد ما نزرعه اليوم او غدا .....اضافة الي ما تم حصاده .
هناك من لا يعمل حسابا لأحد ويتحرك وفق حساباته الخاصة ... ويمرر ما يريد بالمزيد من الكذب والنفاق والتضليل والخداع ... يخادعون ليل نهار عبر كافة الوسائل وشبكات التواصل ولا يعرفون ولا يقدرون ان هناك بشر لهم ظروفهم ومتطلبات حياتهم ولهم مشاريعهم وخططهم الخاصة , وتمنيات احلامهم الانسانية والتي تعتبر حق لهم والذين يجدون انفسهم بحالة عدم انجاز ... وتباعد مستمر عن امكانية تحقيق طموحاتهم واهدافهم واحلامهم ... مما اصابهم بصدمة الواقع وشعورهم بالاغتراب داخل الوطن .
لكل انسان مشروع خاص يجري تدميره بفعل عوامل البيئة التي يعيش فيها ... وللمجتمع تطلعاته واهدافه والتي يتم شطبها بفعل قصور واضح ومناكفة غير مبررة , وخلافات لا داعي لها وحتى انقسام اسود ولد من الازمات والكوارث مما يستوجب منا جميعا ان لا نتحدث ... الا عن شئ واحد ودون شروط لانهاء هذا الحال الاسود والاسوأ بتاريخنا .
فهل نحن نعيش كذبة كبرى ؟!!!! وهل يريدون منا تصديقها ؟!!!!
وهل المطلوب منا ان نصدق ما يقال وان نردد ونغني لهم ؟!!!!
اذا كان هذا هو الحال .. فإننا نعيش ونموت صادقين , ولن نعيش ونموت كاذبين منافقين مخادعين , ان نعيش صادقين بأقوالنا وافعالنا ... افضل بكثير من ان نخسر انفسنا, ونكذب على غيرنا وننافق ونحتقر انفسنا .
ثقافة الصدق وان كان قد اصابها الكثير من العطب والخلل بحكم المصالح والانانية المفرطة , والتعبئة التنظيمية التي لا ندرك عيوبها وتعصب اعمى لا ندرك خطورته, حتى وصلنا الى هذا الرصيد الهائل من زمن الكذب الذي أساء الى صورتنا ... والى علاقاتنا والى ما كنا نتسم به ونفاخر به أمام ابناءنا واجيالنا .
سيبقى الصدق سمة وصفة انسانية تجعل من الانسان اقوى من كل الكاذبين والمنافقين والمخادعين, حتى وان شعروا بقوتهم ونفوذهم وما تمتلك اياديهم .
وحتى لا ادعي بطولة زائفة وشجاعة بالقول ... وصدق الكلام بالدرجة التي اريدها واتمنى قولها ... فأنني كما غيري نرى اننا جميعا نكذب وبدرجات متفاوتة, مرة نكذب مجاملة , ومرة نكذب في اطار المحافظة على الصورة , ومرة نكذب حتى لا نبدوا ضعفاء ونحافظ على قوة واهية .. غائبة ... لا وجود لها ... نكذب كثيرا ونصدق قليلا ... ونساهم بدرجات متفاوتة بصناعة ثقافة ملوثة سيكون لها ما بعدها على مدار اجيال عديدة .
نكذب حتى نحافظ على ما تبقى ... ونتجاهل ان استمرار الكذب لن يجعل لنا شيء يمكن ان نتحدث عنه ... وحتى ان نصدق قوله ... وحتى ان نجد من يستمع لنا ... ومن يقرأ لنا ما نكتب ... وحتى ما يمكن ان يصرح به من قبل الناطقين لخطورة الاكاذيب وابعادها ونتائجها التي تعمل على احداث المزيد من الفرقة وزيادة مساحة عدم الثقة ... وتحطيم أمال وتمنيات واحلام عاشت من اجلها اجيال واجيال ... ومن اجلها كان صمود الملايين وتضحياتهم ... والذين باتوا لا يجدون من نتاج مسيرتهم وتضحيتهم الا المزيد من الاستماع للأكاذيب وخيبات الامل .
شعب مكلوم ... وظروف قاهرة تحتاج من الجميع الى المراجعة الشاملة ... والى الوقفة الصادقة ... والى الفعل الامين والصادق ... حتى لا نبقي المجال لأي كذبة مهما كبرت ام صغرت ... وحتى نكمل مسيرتنا ونحن اكثر قوة ومعالجة لسلبيات وامراض استحكمت بالطريق .
الكاتب : وفيق زنداح