نعيش اليوم ذكرى عاشوراء باحداثها وتفاصيلها ، في ظل هجمة شرسة تتعرض لها فلسطين والمنطقة ، من قبل المشروع الإمبريالي الامريكي الصهيوني وحلفائه في المنطقة.
من هنا نرى ان مرحلة التاسيس لثقافة الثورة وتصحيح المسار للامة عبر مفاهيم الحرية والتضحية من اجل العدالة ورفض الاستبداد، هذه المعاني والقيم التي خرج الامام الحسين عليه السلام من اجلها ، اليوم الشعب الفلسطيني لن يفقد البوصلة من خلال ما يقدمه من تضحيات ودم ، بمواجهة العدوان الفاشي الصهيوني ، واستمرار تدنيس باحات المسجد الأقصى، بالإضافة إلى مواصلة استهداف مسيرات العودة في غزة والمقاومة الشعبية في الضفة ، مما يدلل على فاشية وإجرام هذا العدو.
الإدارة الأمريكية الحالية اكدت منذ اللحظة الاولى لانتخابها إنحيازها التاريخي لجانب دولة الاحتلال والمشاركة المباشرة في العدوان على شعبنا الفلسطيني،فيما يتعلق بحقوقه وقضيته الوطنية بشكل سافر ووقح،في تحد وخروج غير مسبوقين على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية،وفي إطار شراكتها للمحتل الصهيوني عدوانها ، حيث إتخذت ادارة ترامب سلسلة من القرارات لشطب وتصفية القضية الفلسطينية بدأتها بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال،ومن ثم نقلت سفارتها من تل أبيب الى القدس،معلنة إزاحة قضية القدس من على طاولة المفاوضات،ولم تكتف بهذا القرار،تجفيف منابع الدعم والتمويل والمساعدات للقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني،حيث ضغطت على العديد من الدول الأوروبية لوقف تمويل السلطة والعديد من المؤسسات الفلسطينية غير الحكومية،تحت ذريعة ان جزء من هذا الدعم يستخدم في تمويل أنشطة ودفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى من اجل تمرير ما يسمى بصفقة بالقرن الأمريكية،صفعة العصر، ،ولم تكتف إسرائيل وامريكا بذلك،بل كانتا تسعيان وتعملان على شطب المرتكز الثاني للبرنامج الوطني الفلسطيني،ألا وهو قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة،حيث عمدت الإدارة الإمريكية في البداية لتقليل مساهمتها في ميزانية وكالة الغوث واللاجئين الفلسطينيين الى النصف،مع السعي لإيجاد صيغة قانونية تمنع توريث صفة اللاجىء،ولكي تعلن مؤخراً وقف مساهمتها المالية بشكل كامل في ميزانية الوكالة،مع إتهامها للوكالة بعدم المصداقية والدقة في اعداد اللاجئين الفلسطينيين،وبان العدد لا يزيد عن نصف مليون لاجئ،وهم الذين طردوا وشردوا قسراً من ديارهم بفعل العصابات الصهيونية في نكبة عام 1948،وان أبناءهم واحفادهم ونسلهم المتوارث ليسوا باللاجئين،أي شطب خمسة ملايين فلسطيني من سجلات اللاجئين،وقد إستبقت الإدارة الأمريكية هذا القرار بقرار تخفيض مساعداتها للسلطة الفلسطينية بمبلغ 200 مليون دولار،وهذا يأتي في سياق الضغوط التي تمارسها على شعبنا الفلسطيني وقيادته لتمرير صفقة القرن،ونحن نرى بأن السلوك العدواني الأمريكي في قضايا القدس واللاجئين والإستيطان،يشكل عدواناً سافراً على القانون الدولي وتدميراً له،وكذلك عمليات ابتزاز رخيصة،ناهيك عن انه يدفع بالمنطقة الى حالة من تصاعد التوتر وعدم الإستقرار.
من هذا الموقع ونحن في ذكرى عاشوراء نقول أثبت الشعب الفلسطيني انه قادر على مواجهة التحديات بدون انتظار تعاطف ما يسمى بالمجتمع الدولي، حيث يرسم طريق الحرية بدمائه ، من اجل تعديل موازين القوى وجعل قضية التحرير الوطنى عنوانه، من خلال الصمود في الأرض، والدفاع عنها، وردع الاحتلال وعدوانه ومستوطنيه، مما يستدعي انتاج خطاب فلسطيني موحد، يدعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله ، ويكون مدخلا للنضال في مواقع مختلفة، وخاصة اننا اليوم نحن امام منازلة بين الدم والسلاح تماما، كما كانت المواجهه بين الدم والسيف في كربلاء .
أمريكا واسرائيل تستغلان حالة الضعف الداخلي الفلسطيني والمتغيرات العربية والإقليمية لفرض حلولهما المستهدفة من اجل شطب القضية الفلسطينية وتصفيتها بشكل نهائي، لذلك ونحن اليوم نجد بان شعوب العالم وقواها ، و الشعوب العربية واحزابها وقواها ومقاومتها الحية تواجه الهجمة الاستعمارية الصهيونية الارهابية التكفيرية ، لتكتب مرحلة جديدة في تاريخ الامة ، انها كربلاء تستعاد في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة في حياتنا ومستقبل منطقتنا من خلال الارادة نحو التضحية من اجل مستقبل افضل للاجيال القادمة .
من هنا نرى ضرورة الإسراع بإنجاز المصالحة وإنهاء كل السجالات والخلافات والتي يستفيد منها العدو الفاشي في التغطية على جرائمه ومواصلة عدوانه، من خلال تطبيق قرارات المجلس الوطني والمركزي الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني ورسم استراتيجية وطنية لمواجهة جرائم الاحتلال وكل المخططات التصفوية.
ان ذكرى عاشوراء ملهمة للشعب الفلسطيني بمواجهة العدوان والارهاب الصهيوني في الضفة الفلسطينية والقدس وقطاع غزة في مواجهة سيف الاحتلال المدعوم من الامبريالية الامريكية ومعاقل الظلم التي ساندته من القوى الاستعمارية ، لذلك كانت قيم كربلاء حاضرة مسيرة نضال الشعب الفلسطيني ، كما كانت حاضرة في مقاومة فلسطين وانتصارات المقاومة في لبنان ، حيث تتواصل راية الشهادة من اجل نيل الحرية وتقرير المصير، من خلال الصوت الفلسطيني الحر الذي استلهم من ثورة الحسين وثورات الاحرار في العالم الصوت المقاوم الذي يتحدى جبروت الاحتلال من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعه، ليثبت للعالم انه شعب العطاء والتضحية .
في يوم عاشوراء نقراء الاحداث ، حيث نرى سوريا تنهض من تحت الركام والدمار والتدمير والحرق ، وقدمت من الشهداء والضحايا والجرحى والمفقودين والمخطوفين والمعتقلين والمهجّرين، الملايين، والتي انصب الحصار الاقتصادي والسياسي عليها، متمسكة بسياستها وثوابتها الوطنية والقومية، ولم تطأطئ هامتها للاستعماريين القدامى والجدد، ولم ترض للعالم أن يدار من مركز واحد، وبذلك تعطلت إحدى الحلقات الاستراتيجية للمؤامرة الأمريكية للإطباق على العالم، حيث أُحبطت أهم مشروع دموي لإعادة بسط الجهل والظلامية .
لهذا نقول في ذكرى ثورة الامام الحسين عليه السلام ، إذ لا مهادنة ولا ضعف في وجه قوى الارهاب التكفيري المدعوم من الرجعية العربية والقوى الامبريالية والصهيونية، مهما كان الثمن ، فلنزرع فينا جميعا روح المقاومة لأنها حاجة موضوعية تفرضها طبيعة المرحلة، من خلال تصعيد وتيرة الكفاح والنضال بمواجهة هذه الجرائم ، حتى تتمكن الشعوب من العيش حرة كريمة، و الشعب الفلسطيني يؤكد للعالم بأن الدم سينتصر على السيف مهما كانت الصعوبات.
ختاما : أن فلسطين ستبقى قضية الامة الاولى ومهما تطورت الاحداث ، فان وحدة الموقف الفلسطيني وتمسكه بخيار النضال بكافة اشكاله هي الطريق حتى زوال الاحتلال ، وعلى القوى الوطنية والتقدمية والقومية والاسلامية التنويرية في العالم العربي، تشكيل جبهة عريضة لمقاومة المشروع الإمبريالي والمشروع الإرهابي بغية دحره تماماً، والعمل على بناء المشروع النهضوي العربي تكون بوصلته فلسطين.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي