في زحام من زيارات الوفود المتكررة بشأن ملف المصالحة , وكانت آخرها زيارة وفد المخابرات المصرية الى قطاع غزة , أصبح الشعب الفلسطيني يتسائل دوما ماذا حدث وماذا سيحدث , على إعتبار أن الشعب بات قلق من ما هو قادم , ورغم أن الشعب فقد ثقته بالفصائل ويفضل الإبتعاد عن السياسة بقدر ما يستطيع , إلا أن المصلحة التي تربط حياته كليا في هذا الشأن تجعل منه في حالة ترقب وأسألة متكررة , وعلى إعتبار أن السياسة تتحكم في مستقبله وقوت يومه , فمن حقه علينا كمراقبين ومحللين أن نقدم له التفسيرات لكل ما يجري حوله , وخاصة وسط زحام من التصريحات الشبه يومية والتناقضات والمناكفات .
إن المصالحة تخطت مفهومها اللغوي والدارج بين الناس , وأصبحت أشبه بالإتفاقيات والتقسيمات بين الدول , وليس بين أشقاء يجمعهم خندق واحد , فإذا كانت المصالحة تقتصر على مفهومها الدارج بين الناس , فأستطيع أن أقول لكم أن المصالحة أنجزت وإنتهى الموضوع , لأنه تم جلوس جميع الأطرف على مائدة واحدة , وتم توزيع الإبتسامات والقبلات والأحضان, وتم التوقيع عليها عدة مرات حتى أصبحت مصالحات وليس مصالحة واحدة , ولكن بات الأمر أكبر من ذلك بكثير حتى أصبحت المخابرات المصرية عاجزة عن تحقيقه , فهناك ملفات متراكمة ومتزامنة مع عدم خبرة الساسة لحلها , فهي تحتاج الى خبرة مضاعفة ووقت طويل , والأهم من ذلك فهي تحتاج الى التدرج في الحلول , فهناك ملفات لا يجوز أن تناقش في بداية الحوارات , فمن الأفضل أن تترك للنهاية , مثل ملف دخول حماس في منظمة التحرير , وملف سلاح المقاومة وقرار السلم والحرب .
ماذا حدث؟
حدث صراع كبير بين نفوذ حركة فتح وصلاحياتها على المستوى الدولي والإقليمي , وبين قوة حماس العسكرية والبدائل التي تستخدمها في قطاع غزة , وهذا ادى الى حالة غرور بينهما تجعل كل طرف يرفع سقف مطالبه وقت ما تتيح له الفرصة , وفي حال فشلت الحوارات يلجأ كلاهما للبدائل , وهذه البدائل تحول دون بذل أي جهود من الطرفين لدراسة ملفات المصالحة الشائكة , وإعطائها حقها في الوقت والجهد .
فإسرار حركة فتح على التمكين الكامل في غزة بما فيه سلاح المقاومة , ينبثق عن مدى نفوذها وصلاحياتها الدولية , على إعتبار أنها تقود منظمة التحرير ومن ثم السلطة والتي تحولت الى دولة , ولأن حركة فتح تعلم جيدا أن المخابرات المصرية تبذل كل جهودها لعودة السلطة الى غزة , ومن خلال الضغط على حماس , فإنها تطمح أن تعود الأمور كما كانت قبل الإنقسام , وهذا بحد ذاته خطأ لأنه لا يوجد شيئ إسمه التمكين الكامل والسيطرة الكاملة , لأسباب عدة ومن أهمها وجود عشرات الفصائل المسلحة في غزة كأمر واقع , وأيضا وجود إثنى وأربعين ألف موظف يتبعون لحركة حماس , ويحكمون السيطرة على جميع مفاصل قطاع غزة .
أما بالنسبة لحركة حماس فمهما قدمت من تنازلات بسبب طغوط المصريين عليها , فهاذا لا يشفي الغليل , فهي تحتفظ بأوراق ضغط تعتمد عليها في حال فشلت جهود المصالحة , ومن أهم هذه الأوراق تسيير وتطوير مسيرات العودة كفجوة تتنفس من خلالها .
بالإضافة الى البدائل والنفوذ والتي تحول دون تحقيق ملفات المصالحة , فهناك حالة من عدم الوعي الكامل لحل المفات الشائكة , وتفسير بعض المصطلحات ووضع النقاط على الحروف , فمن المؤسف أن فتح وحماس يعتقدان أن الأمور ستحل بين يوم وليلة , ومن المؤسف أيضا أنهم يفتحون جميع الملفات في آن واحد , معتقدين أنهم قادرين على البت فيها من خلال بضع جلسات حوار , فالمنطق يقول أن هناك ملفات صغيرة مؤهلة للنقاش كبداية , وهناك ملفات كبيرة لا يمكن أن يتم نقاشها إلا بعد الإنتهاء من الملفات الصغيرة .
يجب أن يخضع ملف المصالحة الى الأولويات في الحلول , والتدرج الزمني لكل ملف وإعطائه الوقت الكافي , ويجب التسليم الى الأمر الواقع وبناء الشراكة على أرضيته ومستجداته .
ماذا سيحدث؟
بعد فشل جهود حركة حماس وبالشراكة مع ما يقارب عشر فصائل في الهدنة مع إسرائيل , بسبب نفوذ حركة فتح والتي إستخدمتها لإبطال الهدنة , قد وضع كل منهما حجر أساس لمرحلته القادمة , فمن الطبيعي جدا أن حماس تلجأ الى التصعيد وتطوير مسيرات العودة كمخرج لها , وفتح ستزيد من إسرارها على التمكين الكامل , مراهنة منها على الشرعية الدولية التي تزيد يوم بعد يوم .
فإذا ما حل العقل بدل العاطفة الحزبية لكل منهما في ملف المصالحة , سيزداد الأمر سوءا وستتحول رغبة المصالحة مع عدم القدرة على التنفيذ , الى عدم الرغبة مع عدم القدرة في آن واحد .
بقلم/ أشرف صالح