هو ليس مجرد خطاب فحسب , بل هو ترسيخ لهوية دولة فلسطين أمام العالم , فمهما قال الرئيس من كلمات تنال من إسرائيل والولايات المتحدة , فلن تكون أقوى من حصولة بإجماع على توليه رئاسة مجموعة السبعة وسبعين , والتي أصبحت مئة وأربعة وثلاثين دولة يمثلون أكثر من ثلاث أرباع العالم , وهذه بحد ذاتها تعبر عن التعريف الحقيقي للشرعية , والتي تعرضت للطعن من قبل بعض الأحزاب السياسية الفلسطينية بقيادة حركة حماس , وذلك قبل صعود الرئيس محمود عباس على منصة الأمم المتحدة بيوم واحد , ولا زالت الطعونات مستمرة حتى هذه اللحظة .
في هذه المناسبة أود أن أوجه رسالة توضيح لكل من شكك أو طعن في شرعية الرئيس , ونزعها عنه بكلمات لا تغني من جوع , فهناك فرق بين إنتقاد بعض سلوك الرئيس وبين نزع شرعيته , فالإنتقاد متاح للجميع , فنحن ككتاب ومحللين أحيانا ننتقد الرئيس وغيره من صناع القرار , فالخلاف لا يفسد للود قضية .
أما من يريد نزع شرعية الرئيس بمجرد أنه إختلف معه , فهذا ينقصه معرفة الشرعية من وجهة نظر القانون الدولي , وأيضا من وجهة نظر الواقع الفلسطيني والتي يتسم بالخصوصية , فالقانون الدولي والمنبثق عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها , ينص على إحترام الشرعيات , ولا يجوز بالطعن إلا لمن يمتلك الأدلة والبراهين والتي تدين بإختراق القوانين الدولية والمواثيق المتفق عليها أو الموقعة بين الكيانات والدول . وهذا في حال أن الطاعن يمتلك المكانه الدولية بالتوازي مع مكانة منظمة التحرير مثلا , فإذا كان الطاعن يقف على منصة المجلس التشريعي , فكيف يستطيع طعن من يقف على منصة رئاسة الدولة ورئاسة منظمة التحرير وهم الأعلى صلاحية من المجلس التشريعي في نظر المجتمع الدولي , وهذا ما يأخذنا الى الواقع الفلسطيني الخاص , فالشرعية في فلسطين لا تكتسب من خلال صندوق الإنتخابات فقط , كرئاسة وتشريعي , إنما لها وضع خاص فهي تكتسب من خلال حاضنة المجتمع الدولي لها , وجامعة الدول العربية وعلى إعتبار أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج .
أنا لست خبيرا متخصص في القوانين الدولية , ولكني أعلم جيدا أن هناك فرق بين السلطات والمؤسسات السيادية , وهذا مربط الفرس في خلافاتنا كفلسطينيين , فلا زالت فلسطين تحت الإحتلال وبناء على ذلك لا زالت منظمة التحرير كجامع للكل الفلسطيني بما فيها الأحزاب السياسية وحركات التحرر , هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج , فعندما حصلت منظمة التحرير عام 1974 على إعتراف من الأمم المتحدة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وبدعم وإجماع عربي , كانت هذه أول محطات الشرعية مرورا بمحطات كثيرة , وحتى إنبثقت عنها السلطة بقرار من مجلسها المركزي , ووصولا الى مسمى دولة فلسطين في الأمم المتحدة عام 2012 م .
أن الأمر المهم والذي يجب أن يعرفه الجميع وخاصة المشككين في شرعية الرئيس , أن هناك فرق بين منظمة التحرير ومجالسها الوطني والمركزي ولجنتها التنفيذية , وبين المجلس التشريعي والحكومة المنبثقة عنه , فكل له دور مختلف وصلاحيات مختلفة , وما يجري الآن هو خلط للأوراق وهذا ما جعلنا في حرب دائرة مع الشرعية , فمنظمة التحرير هي مخولة بإدارة الصراع مع العدوا ممثلة بأحزابها المختلفة وشرائحها المجتمعية , أما المجلس التشريعي وحكومته فمن مهامه إدارة الدولة وسن قوانينها الداخلية ومراقبة أداء الحكومة , فإذا كان هناك خلاف على إدارة الدولة بمؤسساتها بين الرئاسة والمجلس التشريعي , على إعتبار أن الجميع قد إنتهت ولايته القانونية على قاعدة الإنتخابات , فلا يجوز أن يكون خلاف على إدارة الصراع مع العدوا , فالأمر بالنسبة لمنظمة التحرير واضح ويكتسب شرعيته من المجتمع الدولي , فإذا كان المشككين في شرعية الرئيس يلعبون على وتر أن الرئيس إنتهت ولايته القانونية كرئيس للدولة , فيجب أن يعلموا أن الرئيس لا زال يتربع على عرش منظمة التحرير وذلك من خلال إنتخابه كرئيس للجنة التنفيذية والتي تعتبر حكومة منظمة التحرير .
بعيدا عن الحرب الدستورية والقانونية والتي تشغل أحزابنا المتنافسة , فهناك حالة تقييم لخطاب الرئيس يجب أن تكون في الحسبان , فالرئيس ومن خلال خطابه قد يخطئ ويصيب , فكل البشر خطائين , فهناك محطات كثيرة مر بها الرئيس من خلال خطابه , منها ما يقصف وجه الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال فضح الإنتهاكات أمام العالم , والطلب برفع يد الولايات المتحدة من عملية السلام , على إعتبار أنها ليست جذيرة بذلك , ومنها ما يتسم بالدبلماسية الزائدة من خلال الحديث المتكرر عن السلام في الوقت التي لا يحترم فيه السلام , والحديث عن السلام هو سلاح ذو حدين , الحد الأول قد يضعف من قوة ردع الرئيس , والسلاح الثاني قد يستدرج العالم للتعاطف مع القضية الفلسطينية على إعتبار أنها واقعة تحت آلة الظلم .
أما المحطة الأبرز في الخطاب فهي حديث الرئيس عن الفرصة الأخيرة للمصالحة , وهذا يعني وجود بدائل جاهزة لدى الرئيس في حال فشلت المصالحة بمساعي المصريين في الوقت الراهن , وفي هذه الأيام تطفوا على السطح ملامح عقوبات جديدة على غزة , بالتزامن مع نفي بعض قيادات حركة فتح بوجود عقوبات أصلا , فهناك ضبابية تهيمن على مشهد المصالحة , بالرغم من مساعي المصريين القوية , ولكن تلميح الرئيس بالفرصة الأخيرة للمصالحة يشير أنه يريد إلقاء مسئولية غزة بالكامل على كاهل حماس في حال فشلها , من خلال عقوبات قانونية وسياسية وإقتصادية تقتصر على حركة حماس بعيدا عن المساس بواجباته المباشرة تجاه بعض القضايا الإنسانية .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي
فلسطين - غزة