لقد استمعت جيدا الى خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للامم المتحدة ، هذا الخطاب التاريخي اتى في ظل التحديات الجسيمة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.
نعم الرئيس استند في خطابه إلى ذات الأسس برفض صفقة القرن ومشروع قانون اليهودية والتمسك بتقرير المصير وبدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية ، وايضا الالتزام بالتسوية والمفاوضات وسيلة لحل الصراع مع الاحتلال الصهيوني والتي كان من المفترض أن يعلن تخليه عنها التزاماً بموقف الإجماع الوطني وقرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي والذي أكد على ضرورة التحلل من الاتفاقات وسحب الاعتراف بكيان الاحتلال.
ان المرحلة الجديدة تتطلب من الجميع استخلاص العبر وإنجاز المصالحة والبدء عملياً في تطبيق الاتفاقيات الوطنية ، ، وهنا نؤكد بأن خطاب الرئيس أحرج الاحتلال، والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بين للمجتمع الدولي ما يرتكبه الاحتلال من جرائم بحق الشعب الفلسطيني ، ولفت الى قرارات الولايات المتحدة الأمريكية ضد القدس ووكالة الأونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وغيرها من القرارات التي تؤكد على الانحياز الكامل للولايات المتحدة إلى جانب الاحتلال.
لذلك كان الاجدى في الأصوات المشككة بكلمة الرئيس، أن تكون مع الصف الوطني، والتي تذهب باتجاه أهداف خاصة، مع العلم أن غزة في القلب، وأن القدس أولاً، ولا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة، علماً أن المستفيد الأول من الهجوم على الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية ، هو الاحتلال الإسرائيلي.
من هنا نرى أن مواجهة صفقة القرن والتصدي للحرب الشاملة التي تشنها الإدارة الأمريكية على حقوق شعبنا تتطلب تفعيل كافة أشكال المقاومة الشعبية والتي شرعتها المواثيق والأعراف الدولية ، وان ما جاء في خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد نفاذ الصبر من احتلال غاشم يواصل القمع و"يستوطن" يستعمر الأرض وينتهك المقدسات، وهو خطاب حدد المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ولم تعد تحتمل، لقد سلّم الرئيس في خطابه، بشكل أوبآخر، بأن إسرائيل قد أوصلت "اتفاق أوسلو" إلى طريق مسدود؛ الأمر الذي حوّل السلطة الوطنية الفلسطينية ، كما جاء في الخطاب ، إلى سلطة شكلية بدون سلطات حقيقية، سلطة شكلية غيرقادرة على نقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال.
وهنا لا بد من التوقف امام قرار إدارة ترامب قطع تمويلها لوكالة الأونروا بشكل تام ، وهذا يعتبر حرب شاملة ضد اللاجئين الفلسطينيين، وضد حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948، وخطوة خطيرة على طريق إفلاس الأونروا وتعطيل خدماتها، وهذا مما يؤكد بأن إدارة ترامب ماضية في تنفيذ صفقة العصر، خطوة خطوة، في ظل صمت عربي ودولي ، الا اننا نقول ان وكالة الأونروا، عصية على الشطبِ أو الإنهاء، مهما جَفت مصادر تمويلها تحت ضغط الابتزاز الأميركي، فهي تستمر في أداء برامجها في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين مُستندة لقوة الشرعية الدولية، بقرار تأسيسها الرقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1949.
أن خطاب الرئيس ابو مازن أمام المجتمع الدولي يتطلب وحدة الشعب وقواه الوطنية والتمسك بقرارات الإجماع الوطني الفلسطيني، والتحرك وفق خطة وإستراتيجية وطنية تستند الى كافة اشكال النضال بما فيها عقد مؤتمر دولي للسلام من اجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار الاممي 194 القاضي بحق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام 1948 ، لما يشكله هذا الحق من هدف وحق ثابت، وهو جوهر للصراع وأساس الحل التاريخي في فلسطين.
ان الانجاز الكبير التي حصل في الامم المتحدة هو كان بانتخاب الرئيس ابو مازن لمجموعة 77 والصين ، قبل اعتلائه منصة الامم المتحدة حيث قال القدس ليست للبيع ورفضه للعرض بأن تكون أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية، والتطبيع مع إسرائيل أولًا ، هذا الرد العملي على العنجهية الأمريكية الصهيونية وإفشال مطامعها والتصدي لصفقة القرن .
في ظل هذه الظروف نرى ان قرارات الاجماع الوطني التي تستند الى وثيقة الاستقلال التي أعلنت قيام دولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية، استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه فلسطين، واستناداً إلى كافة قرارات الشرعية الدولية تعتبر قرار صائب من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال، وهذا يستدعي تجذير المقاومة الشعبية بكافة اشكالها وصولا الى الهدف الاسمى .
ختاما : لا بد من القول ان نقل شعارَ إقامة الدولة الفلسطينيّة إلى حيز الإمكانية الواقعية، يتطلب تجسيدَ هذه الدولة على الأرض هو بحاجة الى عملية كفاحية طويلة تحتاج إلى المزيد من النضال والعمل و التضحيات .
بقلم/ عباس الجمعة