كثيرون اليوم هم الذين لا يرون في المزرعة إلا الحمار ،ويتجاهلون ما بها من خضرة وجمال ،والذين هم كذلك لا يميزون بين الخصومة الشخصية والخصومة السياسية ،والذين لايميزون بين مقالات الكتاب التي تعبر عن رؤياهم، وبين شخصياتهم ،فيغيرون عليهم بوابل من الشتائم والإهانات ، وما اكثر القراء الذين لا يجيدون حتى قراءة العناوين ،وجدير بالذكر أن أكتب عن احد المواقف الضاحكة التي حدثت مع الأديب الكبير "توفيق الحكيم "عندما تحدث أنه يوما مر به بائع كتب متجول ينادي على المقاهي بكتاب " حمار الحكيم "فاستوقفه أحد المشترين وطلب نسخة وهو يقول :بكم كتاب "الحكيم الحمار"وقال له زبونا آخر :"حمار الحكيم "؟! هل توفيق الحكيم غير اسمه ..؟!والصور التي في واقعنا عن الذين هم قراءاتهم خاطئة حتى للعناوين هم كثر ، فمنها ما هو ممزوج بالعنف ومنها التلقائية ،فلم يسلم منه حتى العظماء أمثال "بابلو نيرودا" ،والذي أحرق الخائنون بيته ..ومكتبه وأشعاره ،وأهدروا دمه ،وهو يدافع عن الفكرة والإنسان ..،و"والت ويتمان" الذي فُصل بمرسوم وزاري وألقيت قصائده –أوراق العشب – في النار وآخرون غيرهم وإن ذلك ليذكرني بموقف غريب حدث معي شخصيا عندما كنت أعيش في مصر بمرحلة الصبا وبداية اهتمامي بالثقافة، وحب المعرفة، والاطلاع ..حيث اشتريت في أحد الأيام كتاب ل"فلاديمير لينين" بعنوان" الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ، وذلك من سوق الأزبكية بحي العتبة ،وهو من أشهر أسواق الكتب في القاهرة ولما وضعت الكتاب على سطح مكتبتي المتواضعة ،وخرجت لأقضي بعض المصالح الخاصة بالبيت ،ولما عدت كانت المفاجأة التي صعقتني ،وهي أني لم أجد الكتاب ،فتشت عنه ولكن بلا جدوى وبعد قليل شممت رائحة دخان ممزوجة بسطور ورقية ،فصعدت إلى سطح البيت حيث كانت تجلس أمي أمام فرن الطينة لتطهي أرغفة الخبز ،فرأيته نعم رأيته كانت آخر نظرة وقعت عليها عيناي وهي الرأسمالية بعدما احترقت ملامح لينين وتشوهت ولما سألت من أتى لكِ بالكتاب يا أمي ؟! قالت بفطرية وتلقائية ..أن إخوانك همسوا بأذني أن مؤلف الكتاب شيوعي ..فقلت النار أولى به ابتسمت حينها، وغادرت المكان عازما في فرارة نفسي على شراء نفس الكتاب لكني قررت أن أدسه في خبايا الكتب حتى لا يحترق لينين مرة أخرى ..!!
بقلم/ حامد أبوعمرة