على الرغم من قناعتي الشخصية الحاسمة أن (الرئيس عباس!!!) لم يكن لديه جديد يقوله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في جلستها الثالثة والسبعين، يوم الخميس الماضي، السابع والعشرون من شهر سبتمبر 2018، إلا أن ما كان يصدر عن مناصري (الرئيس!!!) والماكينة الإعلامية الضخمة التابعة له تمنيت لو أنه يستحيل واقعاً يشرفنا ويدخل العزة والكرامة الوطنية إلى قلوبنا، ولكن... ولكن، مع أبلغ الأسف وأشده، لم يكن الخطاب إلاَّ كما توقعنا: تكراراً يؤكد على مؤكَّدٍ لم يمنعه من تكرار التأكيد عليه ذلك الوهن الصحي البادي تماماً على تسعيني (وليس ثمانينياً كما اعتادوا أن يقولوا) كان أضعف من أن يقاوم نوبات كحة متلاحقة كررت هجومها عليه، دون أن يملك لها دفعاً.
لقد كان خطاب (الرئيس!!!) في معظمه استجداءً للصهيو/أمريكية وللمجتمع الدولي وفي جزء يسير منه استقواءً على قطاع غزة وأهله ومقاومته. لم يقل (الرئيس!!!) ولو كلمة واحدة تعبر عن قوة وصلابة وصمود وطني أمام الغطرسة الأمريكية والصهيونية وفي مواجهة النفاق الذي يتربع على صدر المجتمع الدولي، تأييداً للبطش الصهيوني ضد الحق الفلسطيني. لم يكن حديث (الرئيس!!!) إلا انكساراً واستدرارَ عطفٍ واستجداءً، بينما كان تهديده لغزة وأهلها ومقاومتها تعسفاً واستقواءً. أليس غريباً أن يهدد (الرئيس!!!) قطاع غزة الصامد وأهله الصابرين ويُسَفِّه مقاومته الباسلة، فيما يستقوي عليه بمن هو منكسر أمامهم ومستسلم مستجدٍ لهم؟!
لقد اعتلى (الرئيس!!!) منبر الأمم المتحدة، لكنه لم يعلن عن حل السلطة وتسليم مفاتيحها كما هدد غير مرة، ولم يعلن عن فشل أوسلو التي أعلن هو وكبير مفاوضيه عن فشلها أكثر من مرة، ولم يعلن عن إلغائها بناء على فشلها وعدم التزام إسرائيل بها، ولم يعلن عن وقف التنسيق الأمني الذي هدد بوقفه ألف مرة ثم عاد ليضفي عليه وصف القداسة والقدسية،
كيف يفكر (هذا الرئيس!!!) وأين هم مستشاروه؟!
ماذا لو أن (هذا الرئيس!!!) اصطحب معه مجموعة من الشباب والشابات الذين شاركوا في مسيرات العودة السلمية فبتر الإجرام الصهيوني أقدامهم وباتوا يعيشون على العكاكيز؟! ماذا لو أن (الرئيس!!!) تحدث عن هؤلاء في ذات الوقت الذي يؤيد حديثه عنهم بوثائق تؤكد على سلمية حركتهم وأفعالهم عبر صور وفيديوهات وأفلام ومستندات؟!
ماذا لو أن (الرئيس!!!) تحدث عن إجرام دولة الاحتلال الصهيوني، مدللاً على ذلك تارة بعرض صور وأفلام ووثائق عن المسعفين ومنهم المسعفة الشابة رزان النجار، والمسعف الشاب عبدالله القططي، على سبيل المثال لا الحصر؟!
ماذا لو أن (الرئيس!!!) تحدث عن الإجرام الصهيوني، مدللاً على ذلك بصور وأفلام وتقارير عن مجازر الشجاعية وبيت حانون ورفح وخزاعة في الحروب الصهيونية الثلاثة على قطاع غزة؟!
ماذا لو أن (الرئيس!!!) تحدث عن أسر كاملة أبادها جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي وعن أحياء ومناطق سكنية كاملة قام الجيش الإسرائيلي بتدميرها على رؤوس ساكنيها، لا سيما وإن (هذا الرئيس!!!) يملك من الصور والتقارير والوثائق ما يسد الحاجة إن لم يزد عنها!
كيف (لهذا الرئيس!!!) أن يصف نفسه بأنه رجل سلام وأنه يسعى إلى السلام، وأنه مهما كان البطش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني فإنه لن يلجأ إلا إلى السلام؟! كيف له أن يدعي كل ذلك دون أن يفكر في اصطحاب عينة من خمسين شخصاً، على سبيل المثال، بتر الصهاينة أقدامهم ليقفوا بعكاكيزهم على يمينه أو على يساره وهو يتحدث إلى العالم من على منبر الأمم المتحدة؟! هكذا يكون الحديث عن السلام... الحديث عن السلام يكون بإبراز الجرائم التي يرتكبها أعداء السلام... الحديث عن السلام لا يكون بالاستسلام والانكسار والاستجداء للأعداء، بينما يكون التهديد للأهل والشعب والأبناء لغة الاستقواء عليهم بمن يستسلم لهم ويستعطف إحسانهم ويستجدي سلاماً منهم.
وبعد، فإذا كان المجلس الوطني الفلسطيني قد كلف (الرئيس عباس!!!) – كما قال يوم الخميس الماضي من على منصة الأمم المتحدة - بـ"إعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية، السياسية والاقتصادية والأمنية على حد سواء، وفي مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت دون سلطة، وتعليق الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، إلى حين اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين، على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والتوجه للمحاكم الدولية (بما فيها المحكمة الجنائية الدولية)، للنظر في انتهاكات الحكومة الإسرائيلية للاتفاقات الموقعة، واعتداءات الجيش الإسرائيلي والممارسات الإرهابية للمستوطنين على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا الدينية"، وهو ما يدعي أنه بات ملزماً له الآن، فلماذا لا يرى (الرئيس!!!) أيضاً أن القرارات التي أصدرها المجلس المركزي منذ مارس 2015 وما بعده هي الأخرى ملزمة له، ومن بينها وقف التنسيق الأمني وتحديد العلاقة مع دولة الاحتلال ؟! أم هل أن (الرئيس!!!) ينتقي ما يشاء من بين ما يدعيه من قرارات أو تكليفات انتقاء، فيقبل هذا ويرفض ذاك هكذا، دون معايير أو ضوابط؟!
أما آخر الكلام، فما كان قد ضر (هذا الرئيس!!!) لو اشترى بطولة عادية ليصدح من فوق منصة الأمم المتحدة بالقول:"أيها المجتمع الدولي الذي يتربع النفاق فوق صدره العامر بالخبث والوقوف مع الجاني ضد المجني عليه... أُعلن من هنا أن شعب فلسطين هو في الأصل شعب مسالم ومحب للسلام، وقد بذل الكثير من الحلم والصبر والاحتساب في سبيل السلام، ولكن ليعلم هذا المجتمع الدولي أن هذا الشعب ينقلب إلى أسد هائج لن يتراجع عن هدفه ولن يعود إلاَّ بهدفه... إنني أحذركم من هنا فأقول إن شعب فلسطين إذا انطلق لا تستطيع الكرة الأرضية بكل أسلحتها رده أو وقفه... هذه هي فرصتكم الأخيرة اليوم إن أردتم السلام، وإلاَّ فإن الخيار الذي لا بديل عنه هو حل السلطة وإعادة مفاتيحها للاحتلال، كما أنني أعلن من هنا أن الشعب الفلسطيني موحد كله خلف قيادة واحدة موحدة، لا سيما وإنني عائد من هنا إلى قطاع غزة الذي سيلعب الدور الأكبر مع إخوانه وأهله في الضفة وفي القدس وفي الشتات لتحرير الأرض والمقدسات... هأنذا أكرر ما تسمعون: إنني عائد من هنا إلى قطاع غزة لأقود معركة تحرير بلادي مع أبناء شعبي من هناك، وسأبقى وراء هذا الهدف المقدس أو أقتل دونه،
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
رئيس "جمعية أساتذة الجامعات – فلسطين"