الإستحقاقات الوطنية والخروج من عنق الزجاجة

بقلم: رامي الغف

لا يخفى على أحد أن حكومة الإحتلال الإسرائيلي تحاول دوما أن تشل قوتنا وتريد أن تضعفنا على كل المحاور وعلى كل الجبهات، لأن ذلك بالنسبة إليهم هو الكفيل بالإنتقاص من حقوقنا وثوابتنا الوطنية، التي شرعتها لنا جميع الأعراف والمواثيق الدولية، وزيادة ما يستولى عليه من حقوقنا.

لذلك إن كنا بحق نحب وطننا ونفديه بأرواحنا وبدمائنا، فمن واجبنا أن نفشل هذه المحاولة الخبيثة والدنيئة تماما، لأن قدرنا أن نحرر أرضنا ونسترد حقوقنا وحريتنا وإستقلالنا "شبرا شبرا وجزءا جزءا وذرة ذرة"، وهذا سيؤدي حتما إلى العدل الكامل والحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة التي حلمنا دائما ببزوغها.

ولكي نتمكن من إفشال هذه المحاولة الرخيصة من إسرائيل ومن والاها، علينا أن ننجح أولا في معركة مهمة جدا ألا وهي معركة البناء الذاتي، وتوفير عناصر القوة الذاتية وهو الأمر الذي يتطلب منا بدقة:

1- توفير إستحقاقات الإصلاح الديمقراطي بكل الأبعاد والمعاني ولاسيما ونحن شعب نعشق الديمقراطية والحرية.

2- تصحيح وزيادة وتائر وإتجاهات البناء والتطوير والنماء المؤسساتي والعمل المهني التنظيمي.

3- تكامل أجهزة ومؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وعدم تنازع وتضارب المجهودات والإنجازات فيما بينهما.

4- الحزم والضرب من حديد في مواجهة عناصر الفوضى الإجتماعية والتعصبات الفكرية الهدامة وفوضى القوى كالنزعات الخاطئة وفوضى السلاح وبروز مراكز القوة.

5- الحزم بالإجراءات والعقوبة والمحاسبة الرادعه والمكاشفة حيال السلوكيات السلبية، لأن "أمة تفقد قيم سلوكياتها سوف تفقد قيم أهدافها ونبل تطلعاتها".

6- يجب أن يكون هناك آليه تثقيفية وإعلامية وتربوية في مستوى العمل التعبوي وفي مستوى البناء المعنوي وبناء الإنسان وتعزيز الثقة بالمنجزات ومواجهة العمل الإعلامي والتعبوي المعادي والمضاد بكافة صوره، بحيث تكون لدينا آلية إعلامية منافسة "قادرة على التأثير والتنوير والتثقيف".

7- العمل الحثيث لتوفير كل عناصر وأبعاد الوحدة الوطنية، سواء في النطاق الشعبي أو في نطاق العلاقة بين الشعب والسلطة أو في نطاق القوى السياسية والتنظيمية.

8- لابد من خلق برامج للبناء المستقبلي على مستوى الثقافة والتعليم والتعليم العالي والأبحاث العلمية والتقنية خصوصا، والصحة والإقتصاد والتكنولوجيا تجمع ما بين الخصوصية والإحتياجات وضرورات التحديث والتنوير ومواكبة مستوى التطور العلمي والحضاري للمجتمعات الراقية ولمستوى تطلعنا للتقدم والنماء الحضاري وضرورات مواجهة المستقبل.

9- لابد من التقدم في مضمار بناء مؤسسة القضاء وإعمال سلطتة، حيث أن العدل هو أرقى قيمة من قيم الحكم الصالح، وأن توفير العدل أصبح رهنا بمؤسسة قضائية تتمتع بالقدرة والكفاءة والنزاهة، والسلطة الضرورية لحياتنا، فبدون العدل لن نبني ونطور وننمي مجتمعنا ولن نحقق نظامنا ولن تكون هناك قيم نبيلة ولن يكون هناك إستقرار إجتماعي، "ولا أمن ولا أمان".

ومن البديهي أن هناك فارقا بين القدرة والرغبة، وبين الممكن والطموح، ولكن يجب أن يكون هناك إتجاه وخطوات على طريق هذا الإتجاه وإرادة تراكم تحقيق الإنجازات جزءا جزءا، لكي نصل إلى "مبتغانا وأحلامنا وأمالنا" في مجتمع فلسطيني عتيد قوي وراقي تتوفر لديه عناصر القوة والتقدم والرقي الأخلاقي والقيمي.

وفي ظل هذا الوضع الحساس والإستثنائي لإقامة دولة المؤسسات" فلسطين الغد"، لابد من إجراء عمليات تقيمية شاملة، الهدف منها الحفاظ على وجودنا الوطني الفلسطيني دوما، وإعادة النظر في سياستنا الخارجية والداخلية على حد سواء، إذ ليس من المعقول والمنطق تجاهل ما يجري من حولنا ونسيان ما يحدث في داخلنا.

فلا بد من صحوة حقيقية لأننا وبحق أمام منعطف تاريخي مهم وحساس جدا يستدعي منا جميعا الإنتباه واليقظة والتمسك بوجودنا وحماية قضيتنا الوطنية ومساندة ودعم شعبنا الفلسطيني على ترابة الوطني، وهذا يتطلب إحداث تغيرات شاملة ومهمة على بنيتنا التنظيمية والمؤسساتية، وكذلك في جبهتنا الداخلية والخارجية، والإبتعاد عن سياسات الإرتجال والعفوية، فالقضية الوطنية الفلسطينية، هي أسمى من كل الأشخاص ومن كل التنظيمات وأكبر من كل القضايا التي يفكر بها البعض، ولن يرحم التاريخ أحدا منا، لأن مصير وطننا وشعبنا الأن هو بين أيدينا.

وفي هذا السياق أريد التأكيد أيضا على أن من أهم الأسباب لتحقيق النصر والإزدهار والتطور والرقي لشعبنا وأرضنا وقضيتنا يكمن في التالي:

1- الإيمان المطلق بعدالة القضية.

2- الثقة التامة بالقيادة الفلسطينية وبقراراتها وبرامجها.

3- إلتفاف جماهيرنا الفلسطينية حول نفسها ومساندة قادتها وحمايه مؤسساتها من التخريب والإشاعات والفتن.

4- إعتبار القضية الوطنية الفلسطينية المحطة المركزية الأولى في أجندة كل فرد من أفراد المجتمع.

وإنطلاقا من هذه الأسباب فلابد من توفر أسباب أخرى لتدعيمها والثقة بها مثل:

1- إعادة النظر دوما في الهيكل الحكومي والتنظيمي والمؤسساتي الفلسطيني.

2- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

3- الأصلاح الإداري المستمر في البنية الداخلية والخارجية (وخصوصا السفارات والدوائر الدبلوماسية ومؤسسات العمل الأهلي والوزرات التي تتعامل مباشرة مع المواطنيين).

4- ترسيخ مفهوم العدالة النسبية.

5- المحاسبة المستمرة وملاحقة الفاسدين والمرتشين والأفاقين المنافقين.

6- إشاعة مفهوم العمل المشترك.

7- صياغة القوانين وتطبيقها بالعدل.

8- وضع كافة القوى والمؤسسات والدوائر وكذلك الأفراد تحت السيطرة.

ومما لا شك فيه أن مدى ما نمسك به من إستحقاقات في الأرض والإستقلال، في تحرير إنساننا وأرضنا وبحرنا وفضائنا، هو الأساس لميزان قوتنا المضافة إلى قوة الروح الفلسطينية.

ومما لا شك فيه أيضا أن الجانب الآخر لميزان قوتنا هو مدى ما نرتب ونشحن فيه عناصر قوتنا الذاتية، فإن تنظيم وإستنهاض القوى الذاتية هو أمر في غاية الأهمية لكي ينطبق الذاتي مع الموضوعي في لحظة واحدة ويتحقق حينها النصر المبين، في بناء وتطوير ونماء مجتمع محلى وإقامة دولة مستقلة حديثة.

وهذا النجاح بحد ذاته هو جزء من عناصر وعوامل معركتنا مع الجانب الإسرائيلي الغاشم من أجل حريتنا وإستقلالنا، حيث إن كل مقدار من الحرية يغذي قوة المباراه الحضارية لدينا، وكذلك فإن كل مقدار من النجاح الحضاري يغذي قوة معركة حريتنا.

اذا في حال تطبيق الأسس والمبادئ آنفا الذكر والعمل بها، فلن نجد خللا في هياكلنا وبنيتنا الوطنية والتنظيمة، بل سنجد مدا وتطورا ونماءا وقوة مهما كانت تحطيم إراداتنا أو القضاء على قضيتنا الوطنية، وسنجد أنفسنا أمام حقائق نحن صنعناها بإرادتنا وبإيماننا، وكذلك بعملنا المتواصل الدؤوب والمستمر.

*اخر الكلام:

من جراحنا وآلامنا وبؤسنا نرى ملامح الغد ونحن أولى بصياغة فجرنا لأننا صلينا لبزوغ الفجر الفلسطيني.

بقلم/ رامي الغف