* الاستيطان في محافظة طولكرم “1“

بقلم: عبد الحميد الهمشري

التضييق الاحتلالي على السكان في محافظة طولكرم معضلة ومعاناة الكل الفلسطيني ، فهناك استيطان ومصادرة أراضي ومعسكرات وشوارع التفافية واستيطانية وجدر تفصل بينها وبين المحافظات الأخرى شأنها في ذلك شأن مختلف محافظات الوطن الفلسطيني ، لكن ما يفرقها عنها أن أراضيها تعرضت للنهب والسلب إثر نكبة 1948م، بضم مساحات شاسعة منها للكيان الغاصب ، وبعد العام 1967 كذلك كانت بفعل المشاريع الاستيطانية وجدار الفصل العنصري وشوارع سلب الأراضي الالتفافية المقامة لتوفير حرية الحركة الآمنة للمستوطنين وتطويقاً للتجمعات السكانية الفلسطينية .. ففي المحافظة بدأت موجة الاستيطان على أراضيها في العام 1977 تنفيذاً لما تضمنه مشروعا (آلون - شارون) الاستيطانيين حيث أفضت خطة آلون لإقامة كتل استيطانية على السفوح والتلال الشرقية للضفة الغربية، لتطويقها وفصل شمالها عن جنوبها؛ فيما أفضت خطة شارون لإقامة سلسلة من المستوطنات على طول الخط الأخضر الفاصل بين أراضي 1948 و 1967 تبدأ من منطقة اللطرون في القدس وحتى جنين شمال الضفة الغربية ، وقد أطلق على هذا المشروع اسم "خطة النجوم السبعة".
* حزامين استيطانيين .. وقد أسهم مشروعا آلون وشارون بتواصل مستوطنات 1948 بـ 1967 وتمثل ذلك بإنشاء حزامين استيطانيين بمسارين يكمل بعضهما بعضاً : الأول يقضي بإقامة كتل استيطانية في عمق الضفة تمتد وتتوسع باتجاه الخط الأخضر، والآخر بإقامة كتل استيطانية تبدأ من داخل الكيان الإسرائيلي وتمتد وتتوسع باتجاه الضفة الغربية ، فيما يتم ربط الأحزمة الاستيطانية بشبكة ضخمة من الشوارع الالتفافية والاستيطانية ، وهذا يضمن الاستيلاء على المزيد من الأراضي وضمها للكيان الصهيوني وتطويق الضفة الغربية عسكرياً، وفصل شمالها عن جنوبها، لمنع التواصل الفلسطيني - الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، وهو ما يعمل جدار العزل العنصري على تحديد معالمه.. ووفق هذا التوجه الآلوني الشاروني أقيمت في محافظة طولكرم ثلاث مستوطنات سنتناول الحديث عنها بتفاصيل أكثر في حلقتنا القادمة .. هذه المستوطنات تسيطر لغاية عام 2014 على نحو 2041 دونمًا من أراضي المحافظة ويقطنها نحو 2947 مستوطنًا ، وتلتقي مع المستوطنات المقامة على أراضي محافظات قلقيلية ونابلس وجنين لتشكل مجتمعة طوقاً عليها تفصلها عن المحافظات الأخرى؛ فقد أقيمت مستوطنتي أفني حيفتس، وعناب، في الجنوب الشرقي من المدينة، ويتصل بهما الشارع الاستيطاني رقم 557 ، والذي يمتد بشكل عرضي، من بلدة الطيبة، في الأراضي المحتلة في العام 1948 وحتى مستوطنة شافي شمرون غرب مدينة نابلس، ويتفرع عنه عند مستوطنة شافي شمرون شارع استيطاني آخر يمتد جنوبًا حتى مستوطنة قدوميم غرب مدينة نابلس. تفصل تلك المستوطنات معاً، والشوارع المتصلة بها، محافظة طولكرم عن محافظتي نابلس وسلفيت، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فإن مستوطنة سلعيت التي تقع جنوب مدينة طولكرم، ومستوطنة تسوفين المقامة شمال مدينة قلقيلية، تفصلانها عن محافظة قلقيلية جنوبًا ... يضاف إليها مستوطنة حرميش المقامة على أراضي محافظتي طولكرم وجنين والفاصلة بينهما ، ناهيك عن وجود بؤرتين استيطانيتين هما: بؤرة هاهار، وتقع بالقرب من مستوطنة افني حيفتس، وتبلغ المساحة المقامة عليها حوالي 120 دونماً؛ وبؤرة كرمي دورون، وتقع بالقرب من مستوطنة عيناب، وتبلغ المساحة المقامة عليها حوالي 105 دونمات،وعدد المستوطنين فيها حتى نهاية العام 2011 حوالي 180 مستوطناً وتعتبر مساحة هذه البؤر جزءاً من المساحة الإجمالية للأراضي التي تحتلها المستوطنات ، وكذلك عدد المستوطنين فيها جزء من العدد الإجمالي للمستوطنين الذين يقطنونها والمشار إليه أعلاه، بالإضافة إلى وجود موقع عسكري واحد يقع بالقرب من مستوطنة افني حيفتس.
* أخطار صحية وبيئية.. لكن هناك ما هو ِأشد خطراً من الاستيطان وهو أشبه بسرطان يترك آثاره السلبية على حياة الناس والبيئة الفلسطينية ويتمثل بمصانع جرى إنشاؤها غرب مدينة طولكرم حيث استغل المحتلون تلك المنطقة في إقامة العديد من المصانع معتمدين على عدد من المحفزات من بينها قرب المنطقة من الخط الأخضر ومن العمق الإسرائيلي ، توفر الأيدي العاملة الرخيصة غير المنظمة المحرومة من الحقوق ، عدم خضوع المنطقة لقانون العمل الإسرائيلي والالتزامات المترتبة عليه في التشغيل ، توفر الإعفاءات الضريبية للمستثمرين في تلك المنطقة وفتح باب التسويق للمستثمرين في الداخل وخارج إسرائيل. . ونتيجة لذلك، أُقيمت العديد من المصانع خصوصا بعد اتفاق اوسلو عام 1993 ليبلغ مجموعها الآن ثمانية مصانع مبنية على مساحة 200 دونم من الأراضي الزراعية المصادرة من مواطني طولكرم ، وهذه المصانع: مصنع غيشوري خاص بالمبيدات الزراعية والدهانات ويعمل فيه 50 عاملاً فلسطينياً ومساحته 22 دونماً من الاراضي الزراعية السهلية الخصبة التي صادرها الاحتلال بالقوة من عائلة أبو شمعة عام 1985 م، مصنع بلاستكو ويشغل 16 عاملاً فلسطينياً ، مصنع كرتونو ويشغل 20 عاملاً فلسطينياً ، مصنع ياميت لإنتاج الفلاتر الزراعية ويشغل 70 عاملاً فلسطينياً ، محطة لتعبئة الغاز وتشغل 50 عاملاً فلسطينياً ، مصنع الأقمشة غير المصبوغة ويشغل 30 عاملاً فلسطينياً ، مصنع إنتاج ألواح الخشب ويشغل 20 عاملاً فلسطينياً ومصنع اللوحات الالكترونية ويشغل 15 عاملاً فلسطينياً.وقد أثبتت الدراسات التي قامت بها كل من وزارة الصحة الفلسطينيية وجامعة القدس المفتوحة في محافظة طولكرم وبعض الدراسات الرسمية أن هذه المصانع أصبحت بما تخلفه من مظاهر سلبية جراء الغازات المنبعثة منها تؤدي لانتشار أمراض خطيرة كالسرطان وذات الرئة والعيون فأضحت كابوساً يهدد حياة السكان ويلوث البيئة.


* عبدالحميد الهمشري - كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
Aabuzaher_2006 @yahoo .com