في المقال السابق عرضنا جانبًا من تناقض الروايات العلمية حول الغزوة الأمريكية للقمر، وأبرزنا فيه بعض الجوانب السياسية، كما كشف الروس عنها حديثًا، وبيّنا أهمية تحديد الموقف الذهني من تلك الغزوة، إذ هو فاتحةٌ هامةٌ لمناقشة الروايات العلمية التي تدّعي الإجابة على الأسئلة الوجودية التي نتفاعل معها ضمن رحلة الشك العلمي، وفيها نمارس التفكير الناقد حول أطروحات أصل الوجود والحياة. وإذا ما حصل كشف ذلك الزيف، فعلى العلماء والمفكرين أن يتساءلوا عن صحة كل ما بُني على غزوة القمر من روايات فتح الفضاء، وصُوَرِه الفسيفسائية البرّاقة، وصورة الأرض المكّورة الملتقطة من رحلة القمر، مما تتعلق بالأسئلة الجوهرية التي نثيرها ضمن هذا المسار المعرفي.
وهذا المقال يُكمل ما سبقه بتناول جانب من الأدلة والتحليل العلمي لتلك الغزوة الأمريكية. وهنا لا بد من استحضار مهارات #التفكير_الناقد التي ذكرناها في مقال سابق ضمن هذه السلسلة، مثل ضرورة الاستناد للأدلة والبراهين، وتحديد مدى قوتها، ومناقشة مصادر المعلومات ومصداقيتها، ودقة نقل المعلومات، وتمييز البيانات، وتنخيل المعلومات، وكشف المغالطات والتناقضات، مع الموضوعية في التعامل معها دون أي نوع من الانحياز المعرفي بناء على انطباعات سابقة أو مشاعر.
وممارسة ذلك التفكير الناقد لا يتطلب منّا أن نكون علماء فضاء، ولا موظفين سابقين لدى ناسا، ومن يشترط ذلك فهو يدعونا إلى قبول مبدأ التلقين العلمي من ناسا، ويَطلُب التسليم بما تقول كأنها لا تنطق عن الهوى! مع العلم أن الأسس الذهنية والقوانين العلمية التي يُحكم بها على الأمور والمنجزات العلمية منتشرة بين الناس، وإن غابت عنهم الأدوات والتجهيزات لاختبارها التجريبي.
بداية، من الغريب أن الجو العام السائد بين الناس هو القناعة بحصول تلك الغزوة، مع أن جلّ ما لديهم من أدلة هي أفلام وصور، ورواية علمية أحادية من وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، ولكن لا أدلّة حقيقية يمكن مناقشتها لإثبات تلك الرواية… أما إقامة الحجة! بناء على ما قاله العالم الفلاني (مثل فاروق الباز أو غيره) فهي رواية، والرواية ليست دليلًا بحد ذاتها، وأما الحديث عن مشاركة مئات الألوف في تلك المهمة المزعومة (مما لا يُتصور تواطؤهم على الكذب)، فهو باطل: أولًا من باب أن المسائل العلمية الكبرى تُقسم عادة إلى مسائل بحثية فرعية، وفي العادة لا يعرف الفريق عن تفاصيل غيره، كما هو مقرر ومعروف لمن ينخرط في مجالات البحث العلمي، ثم إن هناك حالات للخروج من ناسا وكشفها، وإن كانت قليلة.
أما دعوى أن الأمريكان جلبوا ما يقرب من 382 كيلوغرام من صخور القمر، فهو يظل روايةً طالما لم يكشفوا عن عيناتهم للمختبرات العلمية المحايدة، ونقول – جدلًا – إن حصل ذلك الكشف مستقبلًا، يمكن أن نعتبر أن ثمة أدلة علمية قابلة للاختبار، خارج سياق #الرواية الأمريكية!
ونُبرز الآن بعض الأدلة التي تنسف الرواية الأمريكية، بعضها منتشر بين كثير من الناس ولكنهم يهربون من قلق التفكير بها نحو راحة التسليم: أبرزها أن العلم الأمريكي رفرف فوق سطح القمر رغم عدم وجود رياح ولا غلاف جوي! وهب أنه كان معلّقًا ومعوجًا عند تعليقه، فثمة أدلة أكثر قوة:
منها تناقضات المشهد في الأفلام والصور التي سجلت الغزوة: منها أن خلفية السماء كانت قاتمة بلا بريق للنجوم، ثم إن الصور أبرزت أن ثمة ظلالًا مشتتة للأجسام في اتجاهات مختلفة، بما دلّل على أن ثمة أكثر من مصدر للضوء، كأن الأمر قد تم في أستوديو تصوير سينمائي، إذ إن وجود الشمس كمصدر وحيد للضوء يُوجب أن تكون الظلال في اتجاه واحد، ثم إن المشاهد التي بُثّت حول انتقال رواد الفضاء من مكان لآخر خلال التحضير للإطلاق، قد أبرزت اختلافات في الألوان وفي شعارات ناسا، رغم أنها مشاهد لأحداث متتابعة زمنيًا.
أما الأدلة المادية في التسجيل ففيها تناقضات من مقتضيات الظواهر العلمية: من مثل أن المركبة الفضائية قد هبطت على سطح القمر دون أن تُثيرَ الغبارَ أو أن تترك آثارًا لهبوطها، بل دون أن تتّسخ أجزاؤها من الغبار الساقط بعد الهبوط! ثم إن بزّات رواد الفضاء المصنوعة من رقائق الألومنيوم المتوفرة في ذلك الوقت لم تكن لتوفر متطلبات العزل الحراري للتعامل مع الفروقات الكبيرة في درجات الحرارة على سطح القمر، ولا يمكن لتلك البزّات – الضعيفة ميكانيكيًا – أن تحافظ على الاتزان الميكانيكي في مواجهة فروقات الضغط ما بين داخلها (بما يناسب جسم الإنسان) وما بين خارجها الذي هو الفراغ على سطح القمر، أضف إلى ذلك أن علماءهم يتحدثون عن وجود حزام الإشعاع الضار (Van Allen Belt) الذي لا يمكن لتلك البزّات أن توفر إمكانية مقاومة تدفقه الإشعاعي لجسم الإنسان خلال عبوره نحو الفضاء، كما ينتقد بعض الخبراء (1)، (لا حسب ما ندعيه من علم).
كل ذلك وغيره يشير إلى ضعف شديد في مستوى التقدم التكنولوجي في ذلك الوقت لتحقيق المتطلبات الفنية، ثم إن أهم مظاهر العجز التقني هو عدم توفر القدرة الصاروخية للوصول إلى الفضاء، كما كشفت حسابات الخبراء (لا حسب ما ندعيه من علوم!) والتي دلّلت أن صاروخ إطلاق أبولو 11 لم يتجاوز المسافة اللازمة للتحليق في الفضاء ضمن المدة المحدّدة حسب استرجاع المسار الزمني لتحليقه، بل لم تكن سرعته كافية للوصول للقمر، وذلك استنادًا إلى التحليل العلمي الذي عرضه البرنامج الروسي )رحلة في الذاكرة).
وفوق كل ذلك، فإن الرجوع المزعوم لرواد الفضاء من رحلة القمر لم تبدو فيه مشقة السفر، فما بالك بمشقة العودة إلى الأرض بعد العيش لمدة أيام في أجواء انعدام الجاذبية! وفي هذا السياق يطرح المحللون سؤالًا صادمًا: ما سر ذلك النشاط والحيوية لحالة الأمريكيين الصحيّة جميعهم، دون استثناء بعد العودة من الرحلات القمرية؟
وقد ناقشنا في فاتحة المقال ما يُدّعى أنها أدلة تثبت الهبوط على القمر، أما محاولات الردود على الأدلة والتساؤلات المُبْطلةِ للرواية فهي باهتة، ولا نناقشها هنا لحصر الموضوع، ويمكن للقارئ أن يتكلف عناء التحقق منها إن أراد، فلا ندعو إلى الحجر الفكري.
هذا التفكير الناقد، مع ما ذكرناه في المقال السابق من صور التقاط كبسولة أبولو من البحر، يُفضي – بكل عاقل – إلى الشك برواية غزوة القمر وفتح باب السماء نحو الفضاء، على أقل تقدير.
وقبل أن يستسلم القارئ لمرحلة الإنكار بعد الشك، تبرز في ذهنه تساؤلات حول تحليل الدوافع السياسية وراء دعوى غزوة القمر: وهنا نستحضر حاجة أمريكا – في ذلك الوقت – لادعاء السبق في مجال التنافس التكنولوجي مع الروس إبّان الحرب الباردة، إضافة إلى حاجتها لمواجهة الضغط الإعلامي الذي طالبها بإحداث اختراق علمي سريع قبل الروس الذين ظهروا متسارعين نحو الفضاء، مع الرغبة أن تستعيد أمريكا هيبتها العالمية وحضورها العلمي وخصوصا بعد تحطم رحلة أبولو 1 قبل إقلاعها عام 1967، وفوق ذلك كله، كان ثمة حاجة لتبرير ضخامة موازنة ناسا التي تفوق المليارات.
وقبل الختام نقول: إذا ما انتهى الأمر إلى اختيار قرار الإيمان أو التكذيب بتلك الرواية في ظل الجدل القائم، فإن إنكارها هو القرار الأكثر عقلانية، والأقرب علميا، وخصوصا أن إمكانية التحقق من صدق الرواية عبر الكشف عن عينات الصخور التي ادعى الأمريكان أنهم أحضروها من سطح القمر لم يحصل رغم طلب الروس ذلك.
ولذلك مهما كابر الباحث عن الحقيقة، فلا بد أن يرضخ في النهاية للتحقق من الرواية، وأن يسأل عن البرهان العلمي على صحتها (ولاحقًا على صحة أخواتها من الروايات الروسية والأوروبية)، وهو ما قد يدفعه في النهاية إلى الشك بتلك الروايات الفضائية.
ويتبع ذلك مواجهة الحقيقة المؤلمة، بل الموقظة، وهي أنه إذا كان الأمريكان قد كذبوا في تلك المسألة العلمية بحجم تلك الكذبة التاريخية، فأي مصداقية لرواياتهم وعلومهم الكونية الأخرى؟! وكيف يمكن أن يُصدّق الناس مجمل الأطروحات العلمية المستندة لتلك الرواية في مجال الفضاء والمسائل الكونية؟ وكيف يمكن تناول تلك النظريات والفرضيات التي تجيب على الأسئلة المتعلقة بأصل الوجود والحياة بناء على رحلات الفضاء التي فتحتها غزوة القمر المدعاة؟
هذه التساؤلات قد تفتح الباب على مصراعيه للعبور إلى كشف كثير من #الخزعبلات_العلمية التي زُرعت في عقول البشر، فيما يشبه الإيمان، ولكن قبل ذلك، لا بد من وقفة مع تبعات الخروج من الصندوق العلمي، في المقال اللاحق.
بقلم/ ماهر الجعبري