بعد أن سيطر المستوطنون على بيتين كبيرين في كل من قلب القدس القديمة، وسلوان، بدأت عملية تبادل الاتهامات عمن هو المسؤول عن بيع هذين العقارين المهمين في القدس الشريف. وصدرت بيانات عديدة تدين هذا الشخص أو ذاك، وتطالب بانزال أشد العقاب بالمتواطئين الخفيين أو الظاهرين. ولكننا وبعد مدة من الزمن سننسى الواقعتين، وعملية التسريب، ونعتبرها جزءاً من سياسة التهويد التي نتفرج عليها دون أي عمل جاد لوقف نزيف التسريب الذي طال العديد من العقارات داخل البلدة القديمة من القدس.
قبل وقوع أي تسريب، نشم رائحة وجود صفقة بيع لهذا المنزل أو ذلك الحوش، ولا نعمل شيئاً لمنع ذلك، ولا نستدرك الأمور. والحاجة في بعض الأحيان لمالكي هذه العقارات قد تبرر هذه الوسيلة القذرة، إذ يدعى أصحاب هذه العقارات المسربة أنهم أعلنوا عن نيتهم بيع العقار لأنهم بحاجة الى مال، أو لأن هناك إغراءات كبيرة. ولكن لا نفعل شيئاً، وكل ما يُفعل ويتم هو تهديد أصحاب الملك بعدم اقتراف مثل هذه الخيانة، بيد أن الذي يعيش في الخارج، أو الذي فقد الحياء، ولا يستحي، كما يقول المثل، ولا يملك أي أحاسيس وطنية فلن تنفعه لا لغة التهديد أو الوعيد، وسيقوم بما يريده، لانه أيضاً يريد التخلص من هموم ومشاكل العقار، أو لأنه بحاجة الى مبلغ ما للعلاج أو لمشروع حيوي له.
كم من عقار تم تسريبه بعد أن فشل مالكه في اقناع مؤسساتنا الوطنية على شرائه قبل ان يصل اليه المستوطنون، أو المعادون لقضيتنا.. وكم من تقصير نتحمل مسؤوليته تجاه قدسنا الشريف.
المطلوب والمأمول أن ندرس الوضع جيداً، ونضع خطة واقعية وعملية لمنع التسريب مستقبلاً، فما سرّب تم وحصل، ولكن المطلوب انقاذ مئات العقارات التي هي في أعين المستوطنين، ويخططون لشرائها أو اغراء أصحابها للتنازل عنها.
وتتطلب الخطة المرجوة والمطلوبة أيضاً وضع حد لهؤلاء المزيفين للأوراق والثبوتيات.. إذ كيف يقوم شخص أو شخصين ببيع مبنى تملكه عائلة بأكملها.. أليس هناك ما يضع الشك. ومن هنا يجب منع التزييف والتزوير، وكذلك العمل على ابلاغ أصحاب الملك الآخرين مسبقاً بذلك التزوير حتى لا يسّرب العقار دون علمهم، أو بعد خداعهم وتضليلهم وجرهم الى توقيع أوراق التنازل المزيفة والمزورة! ومنح المُزور أو السمسار الغدار والخائن فرصة لتسريب الملكية لآخرين.
والمطلوب أيضاً أن ترصد ميزانية من المؤسسات الرسمية التي تُعنى بالقدس لشراء ما هو معروض للبيع من عقارات مختلفة. وقد تقول السلطة الوطنية أن ميزانياتها لا تستطيع رصد مثل هذه الأموال المطلوبة.. ولكن يمكن الاعتماد على أثرياء فلسطينيين في الاستثمار في القدس، أو تشجيعهم على انشاء صندوق خاص بذلك. وهذا الصندوق المخصص لمنع التسريب أكثر أهمية من "صناديق" مخصصة لترميم البيوت والدور والعقارات القديمة في قدسنا الغالية.
علينا أن نعمل لمنع تسريب جديد، وان تكون هناك سياسة وقائية للعقارات، حتى لا ندخل في متاهة الاتهامات والصراخ والبكاء على ضياع القدس أمام أعيننا، أمام تقصيرنا، فكلنا مسؤولون عما يحدث، وكلنا متهمون بعدم العمل من أجل القدس.. لأننا نجيد فنون الخطابة واصدار البيانات ولكننا لا نجيد، وهذا ما هو يجب ان يكون، العمل الجاد لحماية القدس حجراً وبشراً على حد سواء، المطلوب أولاً وأخيراً أن نكون مبادرين وفاعلين حتى لا نبقى منفعلين وغاضبين ومتفرجين، ونعض أصابعنا ندماً!.
بقلم/ جاك خزمو