تم بعملية انتخابية، أو حتى توافقاً، في حركة الجهاد الإسلامي على اسناد موقع الأمين العام للقيادي في الحركة، زياد رشدي النخالة (أبو طارق)، الذي بات أميناً عاماً خلفاً للأمين العام السابق الدكتور رمضان شلح، الذي يعاني من وضعٍ صحي صعب، لم يَعُد يسمح له بقيادة الحركة في الوقت الحالي. كما تم تعيين محمد الهندي نائباً لرئيس الحركة.
إختيار زياد النخالة، اختيار موفق، فهو "خير خلف لخير سلف"، فبصمات الدكتور رمضان شلح، وبصمات نائبه زياد النخالة، كانت ومازالت واضحة على مسار حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والتي كانت ومازالت ساحتها فلسطين فقط، بعيداً عن التطرف أو الإنشغال بصراعاتٍ لاعلاقة لها بالأهداف الوطنية الفلسطينية. كما في اعطاء حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مسحة اسلامية حقيقية، معتدلة ومتزنة، وبعيدة عن أشكال التزمت، او التهور، وقد عَبَّرَ العديد حتى من قيادات اليسار في المقاومة الفلسطينية عن اعجابه بتجربة حركة الجهاد، واذكر في هذا المقام ما قاله الراحل ابو علي مصطفى قبيل استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي، واثناء جلسة في مخيم اليرموك "إن الإسلام عندهم جميل" ويقصد عند حركة الجهاد...
المعلومات المتوفرة، تؤكد بأن زياد النخالة حاز على ثقة مختلف الهيئات القيادة لحركة الجهاد الإسلاي في فلسطين والشتات، فنال الثقة بيسرٍ وسهولة، وفّرتها له سيرته الوطنية الحميدة، والسجايا الإيجابية التي يتمتع بها في صفوف الحركة وعلى المستوى السياسي والفصائلي الفلسطيني العام، وبين الناس، عدا عن مهاراته القيادية وكفائته التي لايجادل أحد فيها.
زياد النخالة، هو اللاجىء، وابن المخيم الفلسطيني، ابن مخيم من مخيمات قطاع غزة، التي يُشكّل اللاجئون الفلسطينييون فيها نحو 70% من نسبة السكان وعموم المواطنين. ولد بعد النكبة بعدة سنوات، وتحديداً عام 1953 واستشهد والده مبكراً في العدوان الثلاثي على مصر والقطاع عام 1956، فعانى الحرمان والقهر، وتربى يتيماً، وعانى ظلم وبطش الاحتلال، وهو ما انعكس على تكوينه الوطني الصارم، وعلى اندفاعه في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ أن تطوّع باكراً في صفوف قوات التحرير الشعبية التي كانت تتبع قوات عين جالوت في جيش التحرير الفلسطيني في القطاع، وقضى جراء ذلك سنواتٍ طويلة في سجون الإحتلال قبل أن يتم تحريره بتبادل الأسرى عام 1985.
كانت سجون الإحتلال مدرسة حقيقية، مدرسة لبناء الكادر، والتثقيف، وصقل الوعي، وتكريس مراس التجربة، وفهم العدو مباشرة، بالنسبة لزياد النخالة، وقد أحدثت نقلة نوعية في توجهاته السياسية والفكرية، فالتف حول أبرز رموز التيار المُستنير والمُجدد داخل الحركة الإسلامية في فلسطين والعالم الإسلامي بشكلٍ عام، وتبنى إتجاه الإهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني والموائمة بين الوطني والقومي من جهة والإسلامي من جهة ثانية.
أبو طارق (زياد النخالة) الرجل العصامي من ريعان فتوته وشبابه وحتى الآن، نموذج للقيادي الصامت والمخلص، القيادي الذي يعمل دون ضجيج، والذي يُفضّل أن يبقى بعيداً عن الأضواء، وعن وسائل الإعلام المختلفة، فقاد حركة الجهاد الإسلامي خلال السنوات القليلة الماضية بعد مرض الدكتور رمضان شلح، متمتعاً بدينامكية عالية جداً في العمل.
تعرّفت عليه قبل نحو عشرين عاماً، وجلسنا سوياً عدة جلسات عامة، وجلسات حوار سياسي وفكري على انفراد، فكان خير الناس في التعامل مع الجميع، وفي تقديم رؤيته وموقفه باختصار، وتكثيفه دون خطاباتٍ وتنظيراتٍ "زائدة عن اللزوم" كما يفعل بعض قادة العمل الفلسطيني في تبني تلك "العلة اللعينة"، "علة التنظير الزائد"، وعلة "العك اللغوي" التي تُرافقهم دوماً في جلساتهم وأحاديثم ولقاءاتهم الصحفية وحتى الجماهيرية، في وقتٍ ملّت فيه الناس لغة الخطابات.
زياد النخالة، هادىء، ومستمع جيد، ومنفتح، واسلامي معتدل، وبعيداً جداً عن كل حالات التزمت، ومؤمن بالتعددية السياسية، وبحق الأخر في ابداء الرأي، وقد جنب تحت قيادة الدكتور رمضان شلح الحركة من مطباتِ أي تطرفٍ أو ابتعاد عن حلقة الصراع الأساسية مع الإحتلال، فكان الهم الفلسطيني هو الأساس، وفلسطين ساحة الصراع مع الإحتلال بالنسبة للحركة.
بقلم/ علي بدوان