في الأيام القليلة الماضية كانت غزة تتأهل الى مرحلة جديدة وعصر جديد , ومع بداية دخول أول شاحنة وقود الى غزة كان السيناريوا القادم واضح للجميع , ومضمونه أن غزة في بداية خطة جديدة بعيدا عن السلطة في حالة إقصاء واضحة وصريحة , وعنوان الخطة "الوقود والنقود" , وقام بكتابة هذا السيناريوا نيكولاي ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط ومصر وقطر وإسرائيل , فكل منهم له أهدافه الخاصة وهي جميعها تصب في مصلحة حماس وتقلص من نفوذ فتح وتضعها في حالة إقصاء واضحة وصريحة , نيكولاي ملادينوف هو طباخ ماهر يعمل في مطبخ صفقة القرن , وقد إختار غزة أن تكون بوابته الرئيسية للدخول على الصفقة , أما مصر فهي تضع على سلم أولوياتها أمنها القومي , وبعيدا عن نفوذ حركة فتح السياسي قد تلجأ مصر للتعامل مع حماس كأمر واقع في غزة , وبالفعل كانت مصر طرفا مهما في مرحلة التسهيلات الى غزة , أما قطر وبعد أن حصلت على الإذن من إسرائيل بتمويل حماس بصورة غير مباشرة , فكانت مهمتها توفير المال , ومن ثم إسرائيل تبرمج حماس لعملية سلام تدريجية تحت مسميات تحمل الهدنة وما شابه .
كان الجميع في غزة ينتظر المزيد من الوقود والنقود بعد سنوات طويلة من الحرمان , ولم يخطر ببال أحد أن اليوم الموعود قادم لا محال , وهو يوم الجمعة من كل إسبوع , وهو اليوم الأكثر شهرة من بين ايام الغضب والتي تتوزع على عدة نقاط حدودية في قطاع غزة , زيكيم وإيرز والمياه الإقليمية والحدود الشرقية , وحتى وصلنا الى اليوم الجمعة والذي حسم الأمر , وكان الأكثر دموية وكان حصيلته سبع شهداء وأكثر من مئتين إصابة , ومن خلال هذا اليوم كان الجميع في حيرة من أمره ,يتسائل؟ كيف إنقلب الأمر رأسا عن عقل , بالأمس كنا ننتظر الوقود والنقود بفارغ الصبر , واليوم نجد أنفسنا في الجمعة الأكثر شراسة وإلتحام مع إسرائيل , ما الذي جرى في يوم وليلة؟
برأيي أن التحول السريع في الموقف التي إتخذته حماس بخصوص مسيرات العودة , كان ناتج عن قرائة دقيقة للرأي العام الفلسطيني , وأيضا ناتج عن ردات الفعل السريعة من قبل بعض الفصائل وخاصة حركة فتح , وأيضا تعقيب وسائل الإعلام على هذا الموضوع , فكانت كل الردود ليس لصالح حماس , فكانت أصابع الإتهام تشير الى حماس بأنها تحضر مع إسرائيل وباقي الأطراف المشاركة بتجهيز هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل , ومن ثم إتفاق سلام رسمي بمعزل عن باقي أطراف صناعة القرار الفلسطيني , وذلك بمقابل إمتيازات إقتصادية ممولة من قطر , وتبدأ بالوقود والنقود وتنتهي بدولة غزة .
أرى أن حماس إستيقظت قبل السقوط في الفخ , وأدركت أن الرأي العام الفلسطيني قارئ جيد للسيناريوا , فقبل أيام كانت حماس تحتفل بالهدف التي سجلته في مرمى حركة فتح ومن خلال إدخال الوقود على غزة , وكانت تهيئ نفسها لإنهاء مسيرات العودة بحسب الإتفاق الذي تم برعاية قطرية مع إسرائيل , أما الآن وبعد نجاتها المؤقت من الفخ فهي تمسك العصا من النصف , فهي لا زالت تروج لهدنة طويلة مع إسرائيل , بالتزامن مع حفظ ماء وجهها من خلال إستمرار مسيرات العودة كورقة ضغط تجاه هدنة طويلة الأمد .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي