بقلم/ جاكي خوجي
الدراما التي وقعت الأسبوع الماضي من خلف الكواليس، هددت بإيقاع ضربة قاضية نهائية على وقف النار بين إسرائيل وحماس. قبل لحظة من انفجار كل شيء، نجحت الأطراف بإيجاد السبيل لإرسال ناقلات السولار إلى قطاع غزة، وهاكم خلاصة القصة.
في 15 آب، بعد أشهر من الاضطرابات الدموية على طول الحدود بين القطاع وإسرائيل، نجح وسطاء الأمم المتحدة في جلب الطرفين إلى تسوية، واتفق على البنود شفويًا؛ حماس تلجم البالونات الحارقة، محاولات التسلل إلى إسرائيل والعبوات الناسفة التي تلقى على الجنود، وفي المقابل، تعهدت إسرائيل بثلاثة بنود: توسيع مساحة الصيد أمام شواطئ القطاع، إعادة فتح معبر كرم أبو سالم، الذي أغلق كخطوة عقابية قبل بضعة أسابيع من ذلك، والموافقة على إدخال السولار إلى محطة توليد الطاقة في القطاع. البند الثالث كان هو الأهم، فقد اتفق على أن تموّل قطر السولار بالميزانية التي قدمتها على مدى نصف سنة، بحيث تسلم إلى السلطة الفلسطينية التي تحولها بدورها إلى موردي الطاقة من إسرائيل، لينقل هؤلاء الموردين الكمية المتفق عليها إلى القطاع. بلغ المخصص القطري عشرات ملايين الدولارات، ومع الكهرباء التي تضخ الآن في القطاع، تضمن الوقود ثماني ساعات من الكهرباء في اليوم، وخلال هذه الأشهر الست (كما اتفق) يبحث ذوو الأمر حلولًا دائمة لمشكلة الكهرباء.
لقد أوضحت إسرائيل للنشطاء من الأمم المتحدة بأنها لن تتمكن من تلقي المال مباشرة من القطريين، الدولة التي لا تزال لا تعترف رسميًا بحقها في الوجود، أما الاتصالات السرية معهم فيمكن إخفاؤها كيفما اتفق، ولكن بعد سنوات من الاتهامات لقطر بدعمها لحماس؛ ستجد تل أبيب صعوبة في أن تشرح للجمهور الإسرائيلي الغاضب لماذا تعقد الصفقات مع الدوحة، فتقرر أن ينقل القطريون المال عبر السلطة.
رهان حماس
انطلق وقف النار على الدرب، دون تصريحات كبرى ومع أمل طفيف بهدوء في الجنوب؛ معبر كرم أبو سالم فُتح، وبعد ذلك وُسعت مساحة الصيد، واجتهد الطرفان على ألا يتحدثا باصطلاح "وقف النار"، وفضلا الاختباء خلف كلمات مغسولة مثل اصطلاح "التفاهمات". في غضون بضعة أيام انكشف بالفعل الثقب الكبير، فقد أعلنت السلطة بأن وقف النار يحسّن لحماس ويعزز قدرتها على الحكم في القطاع. "على جثتي" قال أبو مازن، حين سئل إذا ما كان ينوي تلقي المال القطري وتحويله إلى شركات السولار في إسرائيل.
توقفت الناقلات، وفي حماس رأوا كيف لم يتحقق هذا البند، الأهم بالنسبة لهم. وعلى مدى أسبوعين تابعوا الأحداث، وانتظروا كي يروا إذا كان الوسطاء وحكومة إسرائيل سينجحون في الإيفاء بوعدهم، وطوال هذا الوقت لم تكف الأطراف عن تبادل التهديدات، إسرائيل أعلنت أنه إذا واصلت حماس "العنف" فستفرض عليها عقوبات، وفي حماس قالوا بأنه إذا "لم يُرفع الحصار عن غزة" فان هجمة البالونات ستزداد، لكن السلطة واظبت على رفضها التعاون مع التسوية. في حماس أجروا تقويمًا سريعًا للوضع، فقرروا الرهان، إذا أطاعوا وقف النار فلن ينتزعوا شيئًا من إسرائيل، وإذا عادوا للانقضاض على الحدود بنوبة غضب، سيجبرونها على البحث عن مسار التفافي لرام الله؛ وهكذا استؤنفت الاضطرابات رغم وقف النار.
لأسابيع طويلة واصلت الحدود الاشتعال، ولكن الأطراف لم تكف عن البحث عن مخرج، وفي النهاية تقرر أن تتلقى الأمم المتحدة المال، وأن تنقله هي إلى موردي الطاقة في إسرائيل، ولم يبلغ أبو مازن بشيء، حتى اللحظة الأخيرة. الأربعاء الماضي، قبل بضع ساعات من الإرسالية الأولى للسولار ودخولها الى غزة، علمت رام الله بالتسوية التي وقعت من وراء ظهرها، فعربد أبو مازن ورجاله غضبًا وقرروا إحباط الإرساليات، فحذر حسين الشيخ المورد الإسرائيلي بأنه إذا تجرأ على إرسال الناقلات، فستلغى العقود التي وقعت معه في المناطق، كما اتصل الشيخ بشركة الكهرباء في غزة وحذر من أنه إذا تجرأت على استيعاب الناقلات فستجمد السلطة مزيدًا من الميزانيات التي تخصص كل شهر لصندوق المالية في القطاع.
لأسبوع كامل ممزق للأعصاب استمرت حملة تهديدات السلطة، فقد عرفوا في رام الله بأن الموردين الإسرائيليين هم الحلقة الضعيفة، فشددوا عليهم الضغط. وفي مكتب رئيس الوزراء نظروا بدهشة إلى المعركة التي تخوضها السلطة، لقد كانت هذه لحظة غير مسبوقة، يهدد فيها كيان أجنبي شركة إسرائيلية، بينما يتخندق الجسمان العسكريان (الجيش الإسرائيلي وحماس) في مواقعهما وينتظران بتوتر النتائج. كان واضحًا للجميع بأنه إذا لم تبدأ الناقلات بالدخول الى القطاع، فإن الطرفين سيسيران نحو صدام حاد.
النكتة على حسابنا
الخميس الماضي، قالت مصادر في مكتب نتنياهو لموردي السولار بأن الدولة ستعوضهم إذا نفذت السلطة تهديداتها وعاقبتهم بإلغاء العقود، وهكذا تحركت الصفقة إلى الأمام. يوم الاثنين وصلت الإرسالية الأولى معبر كرم أبو سالم، ولكن السلطة إذ رأت أنها فشلت في مهمتها، واصلت الصراع، فهدد رجالها شركات النقل الغزية من مغبة نقل الناقلات من المعبر إلى محطة توليد الطاقة وسط القطاع، أما في حماس فقد شعروا بارتياح شديد.
في هذه القصة يوجد الكثير من كل شيء؛ أبو مازن (الصديق الأمني لإسرائيل) أصبح الرجل الشرير، وحماس (عدوها اللدود) تحوّلت لتصبح الفتاة الهشة والمحتاجة. أجرت حكومة إسرائيل اتصالات مع حماس كي تحل مشكلة عاجلة لهما، ومع أن هذه قام بها وسطاء إلا أنها كانت مفاوضات بكل معنى الكلمة، أما مع الدوحة، بالمقابل، فقد اجريت اتصالات مباشرة، فهل أثبتت إسرائيل بأنها لا تفهم إلا لغة القوة؟ لقد حشرت إسرائيل في الزاوية ومنحت غزة مساحة، ولكنها لم تدفع في النهاية شيئًا، فالتمويل كان أجنبيًا، المداخيل تضخ إلى الاقتصاد الإسرائيلي، والمقابل المحتمل (الهدوء على الحدود) حيوي.
على قطر يمكن أن يسكب الكثير من النقد والغضب، ولكنها هي فقط من بين كل الدول العربية وافقت على توقيع الشيكات. وأبو مازن؟ من بين عصبة الدول المشاركة في الحصار على غزة، ليس مؤكدًا بأنه أكثرها حدة.
مركز أطلس للدراسات