حتى الحرب ـــــ بتقديرنا ــــــ بصرف النظر عن شدتها وقسوتها، لن تحدث ردود الفعل التي كانت تحدثها قبل سنوات، ذلك أن الموت منذ سبع سنين ينتشر في غير مكان من الشرق الأوسط، ورغم أن حربا طاحنة كما تلك الحروب التي وقعت أعوام 2008/2009، 2012، 2014 التي كانت قد شنتها إسرائيل على قطاع غزة، قد تحدث في أي لحظة، إلا أن الموت الذي توقعه إسرائيل بين صفوف الشبان الغزيين، مستمر ويقع كل يوم، ولعل خير دليل هو أن يوم الجمعة الماضي كان يوما داميا وقع فيه سبعة شهداء وعشرات الجرحى، دون أن يعني ذلك الشيء الكثير لا للإعلام الإقليمي ولا لصانعي السياسية ونجومها من عرب ومسلمين، أصدقاء وأعداء على حد سواء.
بل إن الموت الذي يشارك في إحداثه المستوطنون المستعمرون الصهاينة من مغتصبي الأرض الفلسطينية المحتلة جنبا إلى جنب مع قوات الاحتلال، وآخر أحداثه مصرع السيدة عائشة الرابي، يطال كل فلسطيني، بحيث يمكن القول إنه أذا كانت غزة في سباق مع الموت، نظرا لأن الموت السريري بفعل الحصار المتواصل منذ احد عشر عاما، إنما هو موت بطيء، الخلاص منه، يتطلب كسرا للحصار وعودة لانخراط القطاع في منظومة الكفاح الوطني، في سياق مشروع التحرر الوطني، يمكن القول إن الضفة الغربية في سباق مع الحياة والحرية، نظرا إلى أن الاحتلال يسعى إلى أن تشهد هذه الأيام، وبالتحديد ولاية دونالد ترامب الرئاسية الأولى التي تقترب من منتصفها، طيا لملف الاحتلال وإغلاقا للأبواب أمام قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
الحقيقة هي التي أكدت تلازم ملفي إنهاء الانقسام والهدنة مع إسرائيل، وليس لأن القيادة الوطنية الفلسطينية هي التي فرضت هذا الأمر، ذلك أن الفصل بين الملفين كان هدفا إسرائيليا، يعني أولا التفرد بـ»حماس» وفرض التهدئة أو الهدنة بالشروط الإسرائيلية، وأولها وأهمها هو أن يتم فصل قطاع غزة عن الوطن الفلسطيني، ومن بوابة المدخل الإنساني، سعى الخبثاء إلى تمرير هذا الهدف الإسرائيلي، خاصة وان «حماس» لم تغلق الباب أمامه تماما، ولا في يوم من الأيام.
لذا فإن تسخين جبهة غزة، يعتبر بالنسبة لـ»حماس» مخرجا من ضرورة إحداث التغيير في برنامجها السياسي الاستراتيجي، الذي ما زال يستند إلى أن تشق طريقها وحيدة ومنفردة، في خط مواز لخط «م ت ف»، ومن الانصياع لاستحقاق إغلاق ملف الانقسام، دون تحقيق أهدافه التي سعى إليها منذ العام 2007، وهي إقامة الكيان الإخواني، إن لم يكن على كل فلسطين فعلى أي جزء منها.
ولعل «حماس» وهي في أصعب اللحظات، مثل هذه التي تمر بها حاليا، لا تظهر الاستعداد لأن تدخل الإطار الفلسطيني الجامع، بما يتطلبه منها من خروج تام من دائرة الإخوان ومشاريع الدولة الإسلامية التي تبشر بها أكثر من جماعة في المنطقة، فإنها لن تكون على استعداد أبدا للدخول إلى مربع التوطين الفلسطيني، لذا فإنها ما زالت «تعبث» بالمصير الفلسطيني، وتغامر بغزة المثقلة بكل مصائب الدنيا.
وكلما عجزت «حماس» عن اللعب في الضفة الغربية، قامرت بتسخين جبهة غزة، وهي وبعد أن وصلت إلى الحد الأقصى من استخدام الهامش التكتيكي واصطدمت بملف تمكين الحكومة في غزة، أغمضت عينيها لحظة تمرير واقعة تفجير موكب رئيس الحكومة، ومن ثم أطلقت «مسيرة العودة» للخروج من عنق الزجاجة والتحرر من الضغط الداخلي، وسرعان ما اتضح هدفها من إطلاق تلك المسيرة، وهو كسر الحصار عن غزة، وليس تحريك ملف العودة أو القدس أو التأكيد على إنهاء الاحتلال.
ومع مرور الوقت واتضاح هذا الهدف، انفض من حولها الجمهور خاصة الفصائل الأخرى، لذا فإن حراكها على الحدود ظل محكوما بأمرين، لهما علاقة بمسار ملف التهدئة، فإن تحرك الملف شهد السياج خفضا لمستوى الاحتجاج، وان تعثر شهد ارتفاعا في المنسوب.
الأمر الأول كان هو أن «حماس» وحدها بدأت تظهر، وتستعين كل فترة من اجل إنعاش المسيرة بقيادتها وحتى برأسها الأول، إسماعيل هنية، والأمر الثاني هو تعويض الانفضاض الجماهيري بابتكار كل فترة «سلاح» جديد، فمن إشعال إطارات السيارات إلى إطلاق البالونات الحارقة، إلى تشكيل النخب «المقاتلة» من وحدة الإرباك الليلي إلى وحدة مطلقي السهام مؤخرا.
على الجانب الآخر، يقف إلى جوار رئيس الحكومة الإسرائيلية، وزير دفاع على شاكلته دون خلفية أمنية، يسعى لتعويض النقص بإظهار التشدد، لذا وبعد أن أعلن عن إدخال الوقود القطري ضمن صفقة تقوم على تخفيف الحصار مقابل خفض منسوب الاحتجاج، كان يوم الجمعة الماضي فاصلا.
حيث استبقت «حماس» الاجتماعات القيادية الفلسطينية، وصولا إلى اجتماع المجلس المركزي، باختراق نوعي للسياج كانت نتيجته وقوع سبعة شهداء في يوم واحد.
مصر التي تبذل كل ما في وسعها من أجل عدم انهيار المصالحة الداخلية سارعت على عجل لتجعل من الأسبوع الحالي فرصة ربما تكون الأخيرة لمنع الانهيار التام، بعد أن بدأت «حماس» تعلن عن استعدادها للاندفاع في تجاوز الشرعية في ملف الهدنة، بحيث بدا واضحا أنها سترد على قرارات «المركزي» بفرض إنهاء الانقسام، بإعلان استعدادها للتفاوض مع إسرائيل مباشرة أو بالواسطة، وهكذا يمكن القول إن غزة باتت في سباق مع موت محتم ما لم ينجح المسعى المصري الأخير.
بقلم/ رجب أبو سرية