بادئ ذي بدء وما أصدق القائل فينا هذه الأيام: أي الحكايا ستروى عارنا جلل .. نحن الهوان وذل القدس يكفينا، من باعنا خبروني كلهم صمتوا.. والأرض صارت مزانا للمرابينا، هل من زمان نقي يف ضمائرنا.. يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا.
لقد جاء في لسان العرب لابن منظور: "الخَوْن: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، خانَه يخونه خونًا وخيانة، وخانَةً ومخانة". وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: "والخيانة: الغَدر وإخفاء الشيء، ومنه: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾ [غافر: 19]، وكان سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلوات والسلام يقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنَّه بئس الضَّجيع، ومن الخيانة؛ فإنَّها بئست البطانة))؛ (أ خرجه النسائي عن أبي هريرة)".
ولقد حذر الله تعالى من الخيانة بكل اشكالها وأنواعها، وذم اصحابها وجعلهم مطرودين من محضره. "وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا"(107) سورة النساء "إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ" (38) سورة الحـج "وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " (58) سورة الأنفال "ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ" (52) سورة يوسف أما خيانة الوطن فهي أعظم وأكبر مما تحتمله أي نفس، وتجمع الامم على اختلاف عقائدها ومشاربها وتوجهاتها على مقت الخائن لوطنه، فكل فعل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن ؛ فانه لا يمكن ان يكون له اي مبرر،لأنه يخالف كل عقيدة سماوية او وضعية، ولا يوجد اي منطق او تبرير يدفع بأي شخص الى هذا الفعل المشين إلا ان يكون نتاجا ً شيطانيا غرته نفسه ليهوي بها في مهاوي الردى ويسقط بها في غياهب الضلال، فما هي قيمة المرء بدون وطنه؟؟ فكيف اذا كان خائنا له؟؟ فالوطن بمنزلة العرض والشرف للإنسان ومن هان عليه وطنه يهون عليه عرضه وشرفه، لهذا لكل حرف من فعل (خان) معنى وهي : الخاء، من الخنى وهو المقرون بالفعل المخزي، وحرف الألف ، من جذب وهو المخبول الطائش الذي لا يعرف ولا يقدر عواقب الأمور ،حرف النون: من ناقص: وهو النذل الديوث ناقص الشرف والكرامة، وهذا كله ينطبق على من يبيع أرضا أو عقارا للمستوطنين.
للأسف الشديد يوجد هؤلاء في كل زمان ومكان من يرتضون لأنفسهم الإقدام على خيانة وطنهم، وأمتهم، وشعبهم، وبيع ضمائرهم، والتعاون مع أعداء الوطن والتاريخ والحقيقة، لينالوا الخسران والعار والخجل في الحياة والآخرة.. و يبقوا منكسي الرؤوس في أماكن مظلمة مذعورين لا يخرجون من جحرهم في النهار وإذا ظهروا ليلاً فإن الذعر والخوف من انتقام الوطن يراودهم وهم لا يعرفون كيف يمضون العيش في ظل ذلك العار الذي يلاحقهم حتى وهم في أوكارهم!! فإن أعمال هؤلاء الخونة يجب أن لا تمر دون عقاب، وان أيدي العدالة يجب أن تنالهم أينما ذهبوا ومهما استمروا في غيهم وظلالهم.. وأن مصير الخونة إلى زوال وثمن الخيانة كبير يجب أن يتحملها من باع ضميره ووجدانه وأدار ظهره للوطن والأمة.
و ختاما : محبة الأوطان والحفاظ على أمانتها ليست شعارات مجردة، ولا عبارات جوفاء، بل لا بد ان تتغلل في القلب إيماناً، وتسكن في النفس اقتناعاً، وتترجمها الجوارح والطاقات سلوكاً وعملاً. فالمخلصون للوطن والأرض والقضية يؤمنون بضرورة تقديم كل ما بوسعهم لخدمة الوطن وبنائه، وحمايته، والدفاع عن كل ذرة من ترابه الطاهر، والتضحية بالمال والنفس في سبيله، أولئك لهم بشرى الله جل وعلا في قوله ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾. كل التحية للقابضين على الجمر اهلنا في القدس المكافحين والصامدين، والخزي والعار للخونة سماسرة الأرض فلا نامت أعين الجبناء.
فراس الطيراوي
عضو الأمانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام / شيكاغو