أحسن رئيس الحكومة د. رامي الحمدالله في إعلانه الخاص بقانون الضمان الاجتماعي الذي جاء حازما في التطبيق، ومرنا في الانفتاح على الحوار ونقاش المطالب والتعديلات على قانون الضمان الاجتماعي. وهو الامر الذي ذهبا اليه في مقالنا الأسبوع الفارط الداعي لعقلنة النقاش في الضمان الاجتماعي وتوسيع صدر الحكومة ومؤسسة الضمان الاجتماعي لضمان حق المواطنين في التعبير عن آرائهم واحتجاجاتهم في القول وفي التجمع السلمي.
تكمن خلف الاحتجاج على تطبيق قانون الضمان من قبل العمال والموظفين في القطاع الخاص وجزء من منظمات المجتمع المدني أربعة أسباب. وهي تشير من ناحية تراتبية إلى أن الإشكاليات القانونية في قانون الضمان الاجتماعي تأتي في الدرجة الرابعة أي الأقل أهمية.
وتأتي في الدرجة الثالثة قصور وزارة العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي وتأخرها في برامج التوعية بشكل واسع عبر المنصات الالكترونية أو في وسائل الاعلام المختلفة. ناهيك عن عدم وجود إجابات شافية على أسئلة ضرورية وأحيانا غير مقنعة، واعتماد خطاب فوقي إما بلغة قانونية صرفه لا يفهمها المخاطبون أو بهنات الوصاية وحصالة التوفير. كما تتحمل مؤسسة الضمان الاجتماعي مسؤولية عدم انجاز جميع اللوائح التنفيذية لقانون حساس يمس مصالح الأشخاص وجيوبهم ومراقب من قبل كل شخص يخضع لهذا القانون، وعدم انجاز عطاء التأمين الصحي وتأمين إصابات العمل وهما عنصران اساسيان من أركان عمل مؤسسة الضمان الاجتماعي.
في الدرجة الثانية من الأهمية جاء دور رأس المال الذي وجد نفسه متورطا في اجراء تسوية مكافئة نهاية الخدمة لجميع العمال والموظفين في شركاتهم ومؤسساتهم؛ فهو لم يحسب لمثل هذا اليوم ما دفع العديد منهم لمساومات ومحاولات تجاوز أو الانتقاص من حجم المكافئة والتحريض على القانون. ويعود جزء من المشكلة أن وزارة العمل لم ترعَ حقوق العمال في توفير حساب خاص في كل منشأة اقتصادية لضمان إيداع مكافئة نهاية الخدمة من قبل المشغلين لحساب المشتغلين.
وتأتي في الدرجة الأولى مسألة غياب الثقة بالنظام السياسي بمجمله وطرح تخوفات تتعلق بما ستؤول اليه أموالهم في حالة انهيار السلطة من جهة واستيلاء الحكومة على أموال مؤسسة الضمان من جهة ثانية. فالشعار المركزي الذي تردد في مظاهرة الاثنين الماضي "هي هي هي ... شلة حرامية" وهو يحتاج الى عناية خاصة من قبل الحكومة ومؤسسة الضمان الاجتماعي في هذا الشأن.
لا أخال أن أحدا من المحتجين لا يرى أهمية لقانون الضمان الاجتماعي لحفظ كرامة العاملين في شيخوختهم. لكن القصور الكامن في عدم توضيح وشرح فكرة الضمان الاجتماعي القائمة على التضامن بين المواطنين؛ فهي فكرة لا تعتمد بالضرورة على تقسيم الإرث بقدر توفير الحماية للأسرة من بعده، أخلت بشكل كبير في فهم المواطنين لهذه الغاية.
في ظني أن الخروج من المأزق اليوم وبناء الثقة بالحكومة ومؤسسة الضمان يأتي من خلال عقلة النقاش والاسراع في فتح الحوار مع الأطراف المعنية أو المحتجة أولا، وثانيا: وضع مؤسسة الضمان الاجتماعي برنامج واضح وحازم بآجال زمنية محددة، على مدى عام أقل أو أكثر بما يتناسب مع قدراتها وامكانياتها، لتغطية التحاق مختلف المنشأت الاقتصادية بمؤسسة الضمان الاجتماعي في إطار تنفيذ القانون. وثالثا: الاستمرار في برامج التوعية وتوسيع استهدافها للفئات الاجتماعية المختلفة عبر وسائل إعلامية مختلفة وبطرقِ توضيحٍ متعددة، ورابعا: الإسراع في انجاز اللوائح والتعليمات التي نص عليها قانون الضمان الاجتماعي؛ وفي هذا السياق بات لزاما على مؤسسة الضمان الاجتماعي الانفتاح ومشاركة الجمهور في نقاش مسودات هذه اللوائح والتعليمات قبل إقرارها من الجهات الرسمية، وخامسا: بذل وزارة العمل جهود خارقة للعادة لضمان التزام المنشأت الاقتصادية بالحد الأدنى للأجور وسلامة العاملين.
جهاد حرب