كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو يعرف مسبقاً موقف رئيس الأركان جادي أيزنكوت تجاه أي عدوان عسكري ضد أهل غزة، لقد سبق وأن أبدى رئيس الأركان معارضته لأي حرب على غزة في الوقت الراهن، لذلك طلب نتانياهو من رئيس الأركان أن يختصر يومين من زيارته لأمريكا، وأن يسارع بالعودة لحضور اجتماع الكابينت الإسرائيلي، ليقطع الطريق على مناكفة الوزراء فيما بينهم، ويخفف عن نتانياهو الضغط الذي يتعرض له جراء المزايدات الحزبية التي لا تخدم الأطماع الصهيونية، وتسبق فترة الانتخابات التي صارت على الأبواب.
وهنا لا بد من التأكيد أن معارضة رئيس الأركان لشن حرب على غزة لا تأتي لدواعي إنسانية محضة كما يدعي الإعلام الإسرائيلي، ولا يحكمها الضغوط الأمريكي على إسرائيل كما جاء في بعض الأخبار، ولا يأتي من منطلق الترتيبات للانتخابات القادمة، ولم يأت بسبب التوتر في الجبهة الشمالية فقط، كما يدعي البعض، ولا جاء القرار من أجل استكمال المدة اللازمة لإقامة الجدار الإلكتروني حول غزة، ولم يأت قرار رئيس الأركان بعدم شن الحرب على غزة من منطلق الحرص على حياة المدنيين في غزة، ولم يأت القرار لعدم إفساد العلاقة الحميمة مع بعض الدول العربية، إن رفض رئيس الاركان لأي عمل عدواني ضد غزة جاء بناء على تقارير دقيقة قدمها قادة الجيوش، ودرسها رئيس الأركان مع قيادته الميدانية بالتفاصيل، وعليه بنى موقفة الذي مثل عصا موسى السحرية في اجتماع الكابينت، حين حذر من حرب غير مضمونة النتائج.
فهل ستير الأمور في اتجاه التهدئة بعيداً عن التصعيد؟
هذا ما تقوله كل التقارير الواردة من قيادة الجيش، والتي أوجدت لنفسها التبرير المسبق، بأن مسيرات العودة في يوم الجمعة كانت أقل عنفاً مما سبق، لذلك لا داعٍ لاستخدام كل هذه الحشود العسكرية التي جرى استعراضها لإخافة شباب غزة، فأتت بنتائج عكسية.
فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد لا تشكل هدفاً بحد ذاته لأهل غزة، ولم تتحرك مسيرات العودة من أجل ذلك، والمسعى هو فك الحصار بالكامل، دون التخلي عن سلمية المسيرات، وهذا ما ستوافق عليه القيادة الإسرائيلية في نهاية المطاف، طالما تراجع خيار الحرب خطوتين، فذلك أهون الشرين بالنسبة للجيش الصهيوني، وفق تقرير المحلل السياسي بن كسبيت في صحيفة معاريف حين قال: بعد دفن نصف كتيبة من الجنود سيعود نتانياهو إلى المربع الأول، ليدرك الوزراء الإسرائيليون أن الوضع الراهن هو "جنة عدن" بالنسبة للخيارات الأخرى.
لقد حققت غزة الانتصار على الصهاينة بإرادتها، وقوة رجالها، وصلابة موقفها خلف المقاومة، وقد عرفت غزة كيف تقاوم، وتضع أعدائها في زاوية الفشل، من هنا جاء حديث بن كسبيت، عن تقديرات الجيش الإسرائيلي، والتي تشير إلى أن المئات من جنوده سيقتلون، في حال شن عملية عسكرية برية على قطاع غزة، ونقل المحلل عن مصادر عسكرية قولها إن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع لن تنتهي بضربة جوية، لأن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تمتلكان قدرة صاروخية كبيرة، وبعضها أكثر خطورة من السابق، بل وتشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أن عملية عسكرية جدية ستكون بمثابة حمام دم لجنوده وستكلفه مئات القتلى، ولاسيما بعد أن تأكد لقادة الجيش أن حركة حماس قامت ببناء مدينة أنفاق مترامية الأطراف تحت الأرض خلال السنوات الماضية.
لم يأت الكاتب الإسرائيلي بجديد لا يعرفه الكتاب الفلسطينيون، ولكن بعض الفلسطينيين لا يطيب له إلا البكاء على حالة الضعف والخوار التي يعيشها الفلسطينيون، وبعض الكتاب لا يريد أن ترتفع للفلسطينيين هامة، ولا يتمنى لغزة إلا الغرق تحت القذائف الإسرائيلية كي يؤكد أن مشروع المقاومة فاشل، وأن خيارهم لمشروع المفاوضات هو الطريق الوحيد.
د. فايز أبو شمالة