ما هو اخطر من الحرب على غزة ...؟

بقلم: هاني العقاد

لا اعتقد ان الصاروخ الذي ضرب بئر السبع جاء في صالح المقاومة الفلسطينية او اوصل رسائل للاحتلال ذات اهداف استراتيجية لكنها رسائل ضارة للمقاومة الفلسطينية التي ان كانت تمتلك مثل هذه الصواريخ كان يتوجب ان يبقي سراً لا يعرف به العدو الاسرائيلي باي شكل من الاشكال ويدخر هذا النوع من الصواريخ لأي معركة قادمة , هذا الحدث جاء في صالح الاحتلال ومخططاته وهي بالمناسبة ذات المخطط الدولي الذي يسعي الى اعتبار غزة مركز حل الصراع وهذا ما يفسر ما تصوره الولايات المتحدة واسرائيل من ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي اليوم هو الصرع في غزة ومعادلة تهديد صواريخ المقاومة لسكان اسرائيل الامنين. الخطة البديلة عن الحرب هي وجوب تحقيق تهدئة طويلة الامد باتفاق منفرد مع حماس تكون مدخلاً لصفقة شاملة بين الطرفين لا يستثني منها صفقة التبادل وتتضمن تنفيذ برامج اغاثية وانسانية على المدي الطويل في غزة لتعني للجمهور الاسرائيلي ان الحصار كسر بالحد الأدنى من الضرر لإسرائيل والحد الأقصى لمصلحة نتنياهو السياسية وبقائه على راس الحكومة اليمينية الاستيطانية المتطرفة التي استطاعت عبر هذه الصفقة ان تحقق مالم تحققه من أي حرب حتي لو احتلت فيها غزة بالكامل .

اسرائيل تخشي الحرب وتفضل ان تحقق اهدافها بغير الحرب ان امكن لأنها لا تقبل حجم الخسائر المقدرة اذا ما دخلت في مواجهة جديدة مع غزة, مئات الجنود سيقتلون وهذا باعتراف تقديرات الخبراء الاستراتيجيين في جيش الاحتلال ,المدن الاسرائيلية بالكامل ستكون تحت النار, المطارات ستتعطل وكل المواقع الاستراتيجية في اسرائيل سيتم قصفها بالصواريخ الدقيقة في المقابل غزة قد تسوي بالأرض بحثا عن المقاومة التي لن تراها اسرائيل بالطلق او تعرف كيف تحارب كل هذا جعل اسرائيل تذهب الى الخيار الاخر وهو الاخطر من الحرب اذا ما استجابت حماس لذلك وبالفعل حدث هذا عندما ارسلت اسرائيل رسائل تهديد دقيقة لحماس وفهمتها وبالتالي سعت على خفض مستوي احتكاك الجماهير في مسيرة العودة بالجيش وانهاء قضية البالونات الحارقة, كما وان اسرائيل طلبت بشكل رسمي عبر الوسيط الذي حمل الرسالة وهو في الغالب مصر بقيام حماس بإجراء تحقيق لمعرفة من هي الجهة التي تقف وراء اطلاق صاروخ بئر السبع وتحقق لها هذا . في المقابل حماس لا تريد حرب لان هذا ليس في صالح غزة اليوم التي دمرها الحصار اكثر مما دمرتها آلة الحرب الاسرائيلية وما يعني حماس باعتبارها السلطة الحاكمة هو رفع الحصار عن غزة دون خسرانها وهذا بات متوقعا مع التغيرات الدولية اتجاه غزة ويمكن ان تحققه حماس باقل الخسائر واقل التكاليف بل وهنا فائدة لحماس هو قبول المجتمع الدولي التعامل معها بعيدا عن سلطة الرئيس ابو مازن و وصايته.

السيد عباس كامل سيخبر ابو ما زن عن اتفاق التهدئة وسيطلب منه مباركته لان اطراف دولية واقليمية تسعي لان يسير الاتفاق نحو التطبيق بهدوء ودون حاجة لموافقة ابو مازن وستتدفق المشاريع الانسانية الى غزة عبر الامم المتحدة وبمساهمات اقليمية التي ستوفر الاموال المطلوبة وتدفع الفاتورة بالكامل وتدريجا سيتعامل المجتمع الدولي مع حماس التي باتت راس اهتمام الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما يفسر طلب ترامب شخصيا من نتنياهو مؤخرا تقليص حجم الهجمات الاسرائيلية ضد اهداف داخل غزة قدر الامكان في الوقت الراهن وقال انه لا يوافق على عملية عسكرية كبيرة واعتقد ان طلب ترامب هذا خشية ان تقلب أي عملية عسكرية الموازين الانتخابية في الولايات المتحدة وتكشف تخبط ترامب باتجاه الصراع والضرر الذي الحقة به نتيجة قراراته الهوجاء بشأن القدس واللاجئين وبالتالي تفتح عيون المجتمع الدولي على العنف الاسرائيلي باعتبار اسرائيل القوة التي تحتل اراضي العام 1967 وفي ذات الوقت تخشي الولايات المتحدة ان أي حرب قد تعطل صفقتها الموعودة وبالتالي تضعف حماس القوة البديلة اليوم التي يمكن من خلالها ان تنفذ الخطة الامريكية الدقيقة .

الخطة الاخطر من الحرب والتي باتت على طاولة الاحتلال هي اتفاق هدنة منفرد يكون مقدمة لخطة اعمق تصل لحد انشاء كيان فلسطيني مستقل في غزة على قاعدة حل الدولتين المخفض دون أي حل بالضفة الغربية التي يبرمج لها ان تنعزل عن غور الاردن والقدس وتبقي مدنها عبارة عن كانتونات تتواصل عبر بوابات يتحكم فيها جيش الاحتلال تحت حكم ذاتي محدود جدا وتحت وصاية امنية اردنية , الخطة التي تستهدف غزة اليوم اخطر من الحرب لان الحرب مفهومها ربح وخسارة ,هزيمة وانتصار وقد لا تستوعب اسرائيل حجم خسارتها الكبيرة بالقياس , لكن خسارة الفلسطينيين امام الخطة الاخطر والمتدحرجة لغزة اكبر من خسارتهم من أي حرب ,هنا سيخسر الفلسطينيين الوطن والدولة والقدس والمقدسات ويخسروا المقاومة والانسان وكل شيء . هناك مخرج وهروب من امام هذه الخطة وهو المخرج الوحيد الامن باتجاه الوحدة الوطنية التي لا يريدها الطرف الدولي لان الانقسام اصبح المشروع الذي سيتم حل الصراع على اساسه والهروب يجب ان يكون باتجاه استغلال زيارة السيد عباس كامل للتوافق على مصالحة فلسطينية جدية تبدأ من حيث انتهت خطوات واليات تطبيق اتفاق 2017 ودعوه حكومة الوفاق للعودة لغزة فوراً لاستلام الحكم والتجهيز لانتخابات عامة في اقرب وقت ,والبدء الفوري في اعادة بناء (م ت ف ) التي تكون مسؤولة عن ابرام أي اتفاقات للتهدئة في اطار وطني شامل لتنطلق على قاعدة الوحدة الشاملة واولها وحدة المواجهة مع الاحتلال لينقلب السحر على راس نتنياهو وميلادينوف وترامب ووكلائهما وتفشل مراهناتهم على استمرار الانقسام وتوليد كيان فلسطيني صغير لا يرضي احد.

بقلم/ د. هاني العقاد