أثناء حصار بيروت والقذائف تنهمر عليها جواً وبراً وبحراً في ظل تخاذل عربي وصمت دولي، استعان الزعيم ابو عمار بجملته الشهيرة "ارى الضوء في آخر النفق" كي يبث التفاؤل ويشحذ همم المقاتلين، حينها انتقل القائد عزمي الصغير بروح الفكاهة التي اتسم بها من مكانه ووقف بجوار ياسر عرفات وقال مازحاً " يا أخ أبو عمار لا أرى ضوءاً من مكاني الذي كنت فيه فجئت كي أراه من حيث تراه"، استشهد القائد عزمي الصغير أثناء الاجتياح الاسرائيلي لبيروت عام 1982 في عملية بطولية تفصح عن ايمانه بحتمية النصر وكي يسرج بدمه الضوء في النفق الذي يراه كما يراه القائد، مؤكد أن القضية الفلسطينية دخلت في منعطفات حادة غابت فيها الرؤية أحياناً بفعل متغيرات دولية وإقليمية، إلا أن القيادة الفلسطينية استطاعت دوماً أن تشق طريقها وسط الضبابية وتمسك بزمام المبادرة وتخلق الفعل الذي يمكن القضية من إعادة تموضعها من جديد.
لا شك أن النفق الذي تتواجد فيه القضية الفلسطينية هو الأكثر حلكة ليس فقط بفعل النتائج التي خلفها الخريف العربي والتي دفعت العديد من الدول العربية لأن تنكفيء على همومها، حيث ويلات الحرب الأهلية ونتائجها الكارثية، وبات معها الحفاظ على التماسك الجغرافي للدولة محل شك، بعد أن استنزفت الحرب الأهلية مقدرات الدول وأثخنت الجروح بنيتها الاجتماعية، وليس بفعل انحياز ادراة ترامب المطلق للاحتلال سيما وأنها تخطت دور المدافع عنه وتحولت إلى أداة تسهر على تنفيذ سياساته، وما رافق ذلك من صمت دولي مخجل، بل ايضاً بفعل الانشطار الذي تشهده الساحة الفلسطينية والذي تحول إلى مرض مزمن نخر عظام الوطن.
المصيبة في ظل هذا الانحدار الخطير الذي تعيشه القضية الفلسطينية والذي تتلاشى معه إمكانية حل الدولتين، والأرقام الفلكية المتعلقة بالبطالة والفقر داخل المجتمع الفلسطيني والتراجع الكبير على المستوى الخدماتي والتشرذم في البنية المجتمعية، والبون الشاسع بين ما كنا عليه قبل سنوات وما بتنا عليه اليوم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مازل البعض يأخذنا إلى صغائر الأمور في عملية إلهاء مبرمجة يراد من خلالها ستر عورة الفشل، الوطن ينهش الاستيطان لحمه، وقضايا الحل النهائي يجري العمل على تحييدها وتقزيم أفق حلها، وحقائق تخلق على الأرض تبعدنا عن الدولة المستقلة، وبتنا ننظر إلى عدم التفريط بالثوابت الفلسطينية بإعتباره انجازاً والجعجعة الاعلامية حصنها المنيع ، كل ذلك يسير أمام أعيننا في الوقت الذي يستجمع كل منا قواه ليس ليواجة هذا الخطر المحدق بالمشروع الوطني بل ليصب جام غضبه على تشويه الآخر وشيطنته، نعم أخطأت حركة حماس بسيطرتها على القطاع وتغولت على أبناء جلدتها ممن يختلفون معها وانتهكت قدسية الدم الفلسطيني، لكن بالمقابل هل كنا نحن من سلالة الملائكة الذين لا يدنوهم الخطأ؟.
جميعنا أخطأ إن لم يكن بحق أنفسنا أو الغير فعلى الأقل بحق الوطن المكلوم بنا، الوطن الذي يدفع حتى يومنا هذا ثمن خلافاتنا، الوطن الذي لا يبدو أن باستطاعته أن يتعافى من حماقتنا، الوطن المثخن بالجراج والذي لو قدر له أن ينطق لتبرأ منا، ألا ترى قيادات الفصائل ما يراه المواطن أم أنها عميت البصر والبصيرة؟، إن كانت القيادات عاجزة عن تحقيق حلم شعبها فعلى الأقل لا تعمل على إطفاء الضوء في النفق.
د. أسامه الفرا