أن تكون معارضا مختلفا برأيك فهذا حق طبيعي كفله القانون والدستور في أي نظام سياسي ديمقراطي، وأن تكون مؤيدا فهذا حق ايضا بما تؤمن به وما تراه صحيحا صائبا وممكنا.
لكل إنسان حق اتخاذ المواقف التي يراها مناسبة كما لكل فصيل او حزب سياسي حق اتخاذ المواقف لما يراه مناسبًا وملائمًا لأيدولوجياته وتوجهاته وتعبئته الفكرية والتنظيمية.
لا أحد يستطيع أن يحجر على الأخر، ولا حتى أن يفرض رأيا مخالفا لقناعات هذا الشخص أو هذه الجماعة وأن محاولات ممارسة الضغوط من أجل انتزاع واختلاق مواقف على عكس القناعات والتوجهات التي يؤمن بها هذا الفرد أو ذاك لا تشكل في محصلتها النهائية رأيا معتمدا أو توجها صادقا أو حتى معارضة فعلية.
الدول الديمقراطية والشعوب المتحضرة تعتبر المعارضة السياسية جزءًا من مكونات النظام السياسي بما على المعارضة من مهام ومسؤوليات تتعدى حدود الرقابة والنقد البناء، كما وتتعدى حدود النقد وتسجيل الأخطاء والبناء عليها للإفشال وإحداث الفشل في التوجهات والقرارات ومحصلة النتائج.
أي أن المعارضة تسجل هدفا سلبيا في مرمى النظام السياسي على اعتبار أنها تسجل من النقاط ما يقربها من نظام الحكم على أرضية غير صالحة، وفي ظل امكانيات متهاوية وفي واقع مجتمع مشتت .... أي أن المعارضة تأتي الى الحكم في ظل أوضاع بائسة اشتركت في صناعتها وكان حصادها المزيد من الكوارث والتبعات والأثار التي تنعكس بالسلب على مجمل الوضع العام لأي مجتمع أو نظام سياسي بكافة مكوناته وتلاوينه السياسية والأيديولوجية.
المعارضة حق دستوري ديمقراطي وطني لكنه لا يعطي حق التجاوز أو التطاول، بل هناك طرق وأساليب يمكن من خلالها تقديم الاعتراضات وابداء الانتقادات والشكاوي.
من هنا تكمن أهمية الوعي بالثقافة الديمقراطية وبالممارسة السياسية وما يحيط بدور المعارضة من وسائل وآليات وقنوات مسموح بها وما يعترضها قانونا ودستورا من الخروج عن السياق الطبيعي للعمل الديمقراطي والمؤسساتي حتى لا تكون المعارضة نقمة، واعاقة لعجلة التقدم، وحتى يمكن أن يشكل من خلالها نعمة اضافية .... وليس ضررا ...وتخريبا ....واعاقة ثقافية وديمقراطية ستنعكس بالسلب على مجمل الأوضاع العامة والخاصة لأي مجتمع .
ما طرأ داخل دول المنطقة من جماعات تكفيرية تسعى الى التخريب وضرب استقرار دول المنطقة وتهجير السكان عن أوطانهم، ونشر الذعر والخوف، وعدم احترام ارادة الشعوب في اختيار قياداتها ... حتى وان كانت بعكس المزاج الأمريكي... بعد ان فشلت ثورات الكرتون الامريكي الاسرائيلي عن تحقيق اهدافها
بحالتنا الفلسطينية مارسنا الديمقراطية في ظل غابة البنادق كما مارسنا الديمقراطية في مؤسساتنا الفلسطينية وداخل الأطر الرسمية والشرعية المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية، كما مارسنا الديمقراطية داخل الأطر والمؤسسات الحركية والتنظيمية، اجتهدنا وعملنا ما نستطيع وفق المناخ الوطني الديمقراطي ووفق المناخ الإقليمي والدولي وما سمحت به الظروف والمعطيات عبر كل مرحلة من مراحل نضالنا الوطني حتى عهد بناء السلطة الوطنية الفلسطينية واجراء الانتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية.
حاول البعض القليل ان يخرج عن الاطار المسموح به في اسلوب المعارضة ومفهومها وابعادها المتوافق عليها في حياتنا السياسية؛ فكانت النتائج أن احترق القائمون عليها واشعلوا النار بأنفسهم، وذهبوا الى حيث المجهول عندما خرجوا عن اطار المعارضة الحقيقية داخل المؤسسات التنظيمية، وهذا ما حدث مع جماعة ابو موسى وما سبق من قوى اخرى حاولت الخروج عن اطارها التنظيمي بتنظيم نفسها من خلال فصائل جديدة وأحزاب وجبهات عديدة لكن الفرق بين جماعة ابو موسى وما فعلت بعض قوى اليسار والاحزاب القومية انهم قد شكلوا تنظيمات موازية ولم يحاولوا اختلاق ازمات وصراعات دموية أو العمل لحسابات أجندات خارجية هذا بشكل عام دون الدخول بتفاصيل ما جرى في تلك الجبهات والأحزاب.
تجربة المعارضة الفلسطينية الداخلية تجربة غنية ومليئة بالوقفات والمحطات التي يجب التوقف امامها لاستخلاص العبر والدروس، وعدم تكرار الكثير من التجارب التي افسدت جزءا من الصورة التي كنا نسعى لتجميلها وابراز مكامن قوتها وعدم القبول بإظهار سلبياتها على قاعدة اننا بمرحلة تحرر وطني لا يستدعي الكثير من التنظير والشعارات المنمقة التي تخدم بأغلبيتها مصالح شخصية واجندات خارجية لا علاقة لها بالديمقراطية وتجديد الشرعيات وبناء النظام السياسي الفلسطيني.
المعارضة ليس دورها ان تشخص الحالة وان تكتشف العيوب والسلبيات وان تطرح نظريا ما يجب وما لا يجب فالأمور التنظيرية من خلال مقاعد المعارضة وعبر شاشات التلفزة، ومن خلال مانشتات الصحف ليس بالأمر المطلوب والوحيد كما أنه ليس بالأمر الواجب العمل من خلاله لإصلاح ما يمكن اصلاحه او مواجهة او معالجة ما يمكن معالجته لان الجلوس على مقاعد الحكم وتحمل المسؤولية بالأرقام والحسابات وبالمواقف وتحديد الكلمات سيكشف لنا ولغيرنا الفرق الشاسع بين الخيال النظري والواقع العملي وما بينهما من مسؤولية يتحملها القائمون على نظام الحكم وليس الجالسون عل مقاعد التنظير والتصريح واطلاق الاتهامات.
من هنا فان من يعارض او يريد ان يمارس المعارضة بصورة فردية او حزبية يجب ان يكون لديه البدائل العملية الموضوعية لما يتم طرحه وليس مجرد اطلاق العنان لحملات التشهير والقذف واستخدام بلاغة الكلام وقنوات الاتصال ووسائل التواصل والقائم على دغدغة العواطف والتلاعب بأحاسيس الناس وحاجتهم بعيدا عن العقل والحسابات الدقيقة واستخلاصات التجربة وحقيقة المواقف وما وراء الكواليس.
المعارضة الايجابية يجب ان نرسخها في حياتنا السياسية وان نبتعد عن ممارسة المعارضة السلبية الهدامة.... لكل فعل وانجاز وخطوة متقدمة.
عقود طويلة لم يثبت فيها ان المعارضة داخل الحياة السياسية الفلسطينية لها نتائجها الايجابية او كان لها اساليبها القادرة على تعديل وتصحيح المسار بما يحقق النتائج الافضل بل كانت المعارضة سلبية في طرحها حتى وان امتلكت بلاغة الكلام وجاذبية الشعار ولم تكن بنتائجها الا صفرا كبيرا لم يضيف لتراكمات التجربة وانجازاتها ما يمكن حسابه واظهاره بصورة واضحة ومباشرة.
وهذا لا يعني ان المعارضة ليست بذات الاهمية لكن المعارضة القائمة تحتاج الى اعادة صياغة بمكوناتها وافكارها واساليبها ومفردات خطابها حتى يمكن ان تحقق ما هو متوقع منها.
النوايا الصادقة والتوجهات الجادة واساليب الطرح الموضوعي ما زالت قاصرة وعاجزة ومترددة، وهذا ما اضعف المعارضة وجعل منها صوتا اكثر منه مضمونا وفعلا يمكن تلمسه والبناء عليه لتعزيز المواقف وتصليبها والبناء عليها.
نحن بحاجة الى معارضة موضوعية وجادة وملتزمة معارضة، تقوي من التوجهات والثوابت وتعزز من مقومات الصمود والتحدي معارضة تضيف قوة اضافية للنظام السياسي وليس معارضة تضعف وتشتت معارضة تقوي المقاوم والمفاوض وليس اضعافهم وتشتيت جهودهم وطاقاتهم.
معارضة تزيد من الوعي والثقافة الوطنية الديمقراطية وليس معارضة تزيد من حالة الفلتان الاخلاقي والاعلامي وتعزيز الانانية والمصلحة الفردية على حساب الوطن واولوياته.
نحن بحاجة الى مراجعة اساليب المعارضة لدينا حتى نجعل من المعارضة حاجة وطنية واسلوبا موضوعيا جادا يمكن الاستفادة منه والاضافة عليه لبناء المواقف الاكثر صوابيه والتزام.
المعارضون لا تقل اهميتهم عن المؤيدين اذا احسنوا دورهم وتحديد مكانهم واسلوب عملهم ومفردات خطابهم، لكن المعارضة تفقد اهميتها وبريقها ودورها عندما تعمل على الاعاقة ووضع العراقيل وتشتيت الجهود وحرف المسار وعندها لا يمكن القول عنها انها معارضة ولكن بالتأكيد لها تسمية اخرى؟!
وهذا ما يطرح علينا السؤال الكبير ... والاهم في حياتنا السياسية والوطنية ... حول ماهية تعريف الانقسام ... او الحسم ... او الانقلاب ... في مفهوم أي معارضة ؟!!!! ... وما يمكن ان يتحقق من عائدات وفوائد وانجازات وطنية من وراء هذا الفعل ؟!!!! .
المحصلة النهائية ... عبارة عن فتات... ومحاولة الالتفاف واضعاف الشرعية الوطنية الفلسطينية ... ومحاصرتها ووضعها في مواقف العمل من خلفها ... وهذا لا يمكن ان يفيد اصحابه ... ولا يمكن ان يحققوا ما يرغبون تحقيقه ... لان خسارتنا أكبر بكثير اذا ما استمرينا بهذا العبث .. مما يمكن ان نحققه من بعض المميزات ... او التحسينات ... والتي هي بالأصل والاساس حقوقا طبيعية بالنسبة لنا ... وليست انجازا لمن يمكن ان يحققها ... على كلا منا ان يحدد موقعه ضمن المعادلة السياسية ... فاذا كان معارضا ... فهو جزء من النظام السياسي وليس خارجه ... واذا كان مؤيدا فهو جزء من النظام السياسي ... ولا اختلاف في المواقف الا بما يمكن ان يقدم في الاطار الوطني العام ... وفي داخل المؤسسات الوطنية ... فهل نحن نقترب من معادلة المعارضة والمؤيدين ... واجبات وحقوق ؟!! أم اننا لا زلنا نضل الطريق .. ولا نعرف اين الاتجاه ؟!
بقلم/ وفيق زنداح