لا يختلف اثنان على ان المجتمعات البشرية تعيش الآن في عالم متغير بسبب التقدم التقني والتكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات الامر الذي جعل العالم وكانه يعيش في قرية صغير في عصر العولمة ، ورغم الايجابيات التي حققها هذا التقدم للبشرية الا ان هناك سلوكيات وظواهر غريبة وشاذة طفت على السطح وتحتاج من الباحثين واصحاب الراى معرفة حجمها الحقيقي والعوامل والاسباب التي تقف ورائها والعمل على الحد من انتشارها الا وهي سلوكيات العنف الالكتروني ، اذ اصبح استخدام التكنولوجيا الالكترونية عبر الانترنت والهواتف المتحركة ومواقع التواصل الاجتماعي مصدر خطراً للانتقام او الابتزاز او ربما للتسلية على حساب الاخرين.
مما سبق يعد شكلاً من اشكال تمزق السلوك الانساني السوي وصورة من صور الانحطاط الانساني ، ونمط من انماط الفوضى الاخلاقية والاجتماعية تدمر العلاقات الانسانية وتغتال الانسانية فكرا وسلوكا.
ولان العنف ظاهرة اجتماعية بالاساس يجب الا تنأى عن فهم ومحاولة سيقنة الظاهرة في إطارها الاجتماعي العام حيث تؤكد معظم الدراسات العلمية ان التربية والثقافة والعلاقات الاجتماعية تلعب دورا هاما في جعل بعض الافراد اكثر ميلا الى استخدام العنف اكثر من غيرهم من الشعوب.
وفي اطار فهمنا ودراستنا لواقع المجتمع العربي عامة والفلسطيني على وجه الخصوص فلا احد ينكر ان تاريج هذه المجتمعات مليئاً بالصراعات والمجابهات والحروب بكل اشكال العنف ، واذا كان المواطن الفلسطيني قد عايش اشكالا متعددة منه بفعل تراكمات تاريخية وترسيبات ثقافية واجتماعية وثقافية ، الا ان العنف اتخذ في الاونة الاخيرة اشكالا باتت تشكل خطرا حقيقيا على المنظومة الاجتماعية والاخلاقية والدينية ، ولاستثراء الظاهرة واستفحالها وتنوع اساليبها وتمظهرها وفق اساليب متعددة وسعت من دائرة العنف وجعلتها مكونا من مكونات البناء الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني لدرجة اصبح الفلسطيني كائنا عنيفا بطبعه.
وللحديث عن أشكال العنف الالكتروني المنتشر في المجتمعات كافة خلال الفترة الراهنة ووفقًا لشبكة علم العنف هناك ست أشكال هما :
الاختراق:
وهو استخدام التكنولوجيا للوصول بصورة غير قانونية أو غير مصرح بها إلى الأنظمة أو الحسابات الخاصة بالفرد لغرض الحصول على المعلومات الشخصية أو تغيير أو تعديل المعلومات الخاصة بها، أو الافتراء وتشويه سمعة الضحية المستهدفة.
الانتحال:
يعني استخدام التكنولوجيا لحمل هوية الضحية أو شخص آخر من أجل الوصول إلى معلومات خاصة أو إحراج الضحية أو إلحاق العار بها، أو التواصل معها أو إنشاء وثائق هوية مزورة.
التتبع:
استخدام التكنولوجيا لمطاردة ورصد أنشطة الضحية وسلوكه، إما فى وقت حدوثها أو التى وقعت فى وقتٍ سابق.
التحرش:
استخدام التكنولوجيا للاتصال المستمر والإزعاج والتهديد أو تخويف الضحية، على أن يكون هذا السلوك متكررًا ومستمرًا وليس حادثًا واحدًا، وذلك عن طريق المكالمات المستمرة أو الرسائل النصية أو البريد الصوتى أو الإلكترونى.
التوظيف:
استخدام التكنولوجيا لجذب الضحايا المحتملين فى حالات العنف، على سبيل المثال وظائف احتيالية وإعلانات سواء على مواقع التواصل أو مواقع فرص العمل.
توزيع مواد مزعجة:
استخدام التكنولوجيا لمعالجة وتوزيع مواد تشهيرية وغير قانونية متعلقة بالضحية، منها على سبيل المثال تسريب الصور الحميمية، أو الفيديو للضحية.
هناك نوع آخر من العنف الإلكترونى وهو إرسال المواد الإباحية غير التوافقية (إرسال محتوى جنسى من طرف واحد)، بالإضافة إلى الانتقام الإباحى على الانترنت من خلال تسريب صور حميمية لتشويه الضحية أو إذلالها بهدف الانتقام وإلحاق الضرر بها.
كيف يمكن مواجهة هذا النوع من العنف :
قبل الحديث عن اليات المواجهة لا بد من الوقوف على بعض الاسباب التي تساهم في تعزيز ثقافة العنف الالكتروني وهي :
1- الفهم الخاطئ للحرية والتعبير عن الراى من قبل مستخدمي مواقع وشبكات الانترنت.
2- شعور الاشخاص بالنقص والاحباط، والحرمان، وعدم الثقة بالنفس.
3- إستفحال التسلط والإستبداد وسياسة التفرد والإقصاء و القمع والانتهاكات والملاحقات و التقييد على الحريات العامة وحرية التعبير من قبل السلطات الحاكمة.
4- الضغوط النفسية والاجتماعية نتيجة الفقر والبطالة وسوء الاحوال الاقتصادية.
5- قلة الوعي بالاساليب المناسبة للتعامل مع المواقف والظروف.
اما من حيث مواجهة هذا العنف يتطلب تظافر كافة الجهود وتكاثفها بداً من الأسرة مرورا بمؤسسات التنشئة من مدارس وجامعات ومساجد واحزاب، ووسائل اعلام ، وصولا الى المؤسسات الرسمية والاهلية لترسيخ المبادئ والقواعد أبرزها ما يلي:
1- ضرورة إعتبار السلطات الامنية أن ظاهرة العنف الالكتروني جريمة يعاقب عليها القانون، ووضع رقابة قانونية تساهم في الحد من تلك الظاهرة ،وآثارها الاجتماعية للأسرة والمجتمع.
2- توعية افراد المجتمع بكافئة فئاته وشرائحه بماهية الانترنيت وتوجيههم بعدم الانجراف الى ممارسة كهذا نوع من العنف.
3- حث الاسرة (الابوين) على مراقبة سلوك وتصرفات ابناءها من اجل الوقوف على الحلول والعلاج كهذا نوع من العنف.
4- ترسيخ وتعزيز ثقافة الحوار، والتسامح، و الديمقراطية من خلال حرية تبادل الرأي والتعبير واحترام حقوق الإنسان.
5- تشجيع افراد المجتمع على استخدام لغة العقل والمنطق في حل الخلافات والمشكلات.
6- وضع آليات تربوية واخلاقية ودينية للحد من انتشار هذه المشكلة بين الافراد، وتنفيذ دورات تثقيفية توضح الاخطار المحدقة والضارة عن سوء استخدام مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية.
بقلم / د . اياد مسعود رابعة