كلما تأزم بنا الحال ... وتصعبت علينا الطريق ونفشل بصياغة علاقاتنا ... ونتجادل على حالنا وازماتنا وما نحن عليه من كوارث ... وما يحيطنا من مشاريع سياسية ربما تاخذ الاخضر واليابس .
المثقفين والكتاب واصحاب الفكر أمام الازمات والمعضلات يجدوا من واجبهم ان يقوموا بعصف ذهني ليطرحوا من افكارهم ما يعتبرونه مخرجا سياسيا لازمة طاحنة تعصف بالوطن والمواطن والقضية .
لكن الاجتهاد المبرر بمنطلقاته واخلاص اصحابه لا يعني صحته وصوابيته .
العلاقة الفيدرالية بالنسبة لنا لا تنطبق بأي حال من الاحوال لأننا شعب ذات عرق وجذور وتاريخ ومذهب واحد ... صحيح ان هناك خلاف واختلاف سياسي .. وصحيح ايضا ان جغرافية الوطن غير مترابطة لكن هذا لا يجعلنا بموقف الاجتهاد لايجاد صياغات سياسية ربما تعزز من الانفصال والانقسام بأكثر مما تقربنا من الوحدة والتلاحم والوئام .
من هنا فان محاولة الهروب الي مفهوم الفيدرالية لمعالجة ازمة طاحنة وكارثة وطنية قائمة لا تعتبر مخرجا وطنيا بقدر ما تعتبر ربما مخرجا ترقيعيا استثنائيا طارئا ستكون المخاوف والمحاذير من امكانية ان يكون الطارئ والاستثناء دائم وثابت ومستمر وهذا لن يكون مقبولا بالمطلق ... حتى ان التجربة وامكانية الحديث لا طائل منها ولا نتيجة من ورائها الا اعطاء المنقسمين فرصة التنفس والاستمرار بأخطائهم وما ولده الواقع من سلبيات وظواهر قد نحتاج فيها الي عشرات السنوات حتى نتمكن من معالجتها .
ليس من الخطأ ان نفكر ... وان نطرح من الافكار ما نحرك به عقولنا ونضع قوانا السياسية أمام مخاطر ما هم عليه ... وان نحذرهم ... وان نصوب من مسارهم .. وان لا يستمروا بخداع انفسهم وكأنهم بالطريق الصحيح وهم بالحقيقة اناس فشلوا في خياراتهم وفي تحقيق اهدافهم ... بل فشلوا في تعبئتهم الفكرية والتنظيمية والتفاف الجماهير من حولهم .
وليس بهذا القول ادعاء على غير الحقيقة بل ان مراجعة الحالة التنظيمية للفصائل والانتماء لها بصورة رسمية قد لا تشكل اكثر من 20% من الشعب الفلسطيني وهذا يعني الكثير والذي يحتاج الى القول الصريح والتحليل الموضوعي في سياق أخر وبمقال مختلف .
طالما كانت النتيجة الفكرية حول الفيدرالية وعدم امكانية تنفيذها وتطبيقها والقبول بها ... فلنا تجربة سابقة حول مفهوم الكونفدرالية والتي شهدت مرحلة الارتباط ما بين الاردن ومنظمة التحرير حتى جاء القرار الاردني بفك الارتباط والذي توافق مع قرار القمة العربية بالرباط والذي أكد على وحدانية التمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب العربي الفلسطيني .
مفهوم الكونفدرالية ومشروع المملكة المتحدة والذي تم الغاؤه بارادة الحكم الاردني بقيادة جلالة المغفور له الملك حسين والقيادة الفلسطينية برئاسة الشهيد ياسر عرفات برغم ما يجمع الشعبين من علاقات وخصوصية متميزة وتداخل لا ينفصل وبشتى المجالات وعلى كافة الصعد الا ان هذه الخصوصية لا تعني علاقة سياسية لصيغة وحدوية الا بحالة الاستقلال الوطني وتجسيد الدولة الفلسطينية على ارض الواقع بعاصمتها القدس ... وما يمكن ان تكون عليه ارادة الشعبين والقيادتين لاحقا .
قطاع غزة هذا الجزء الجنوبي من الوطن بسكانه الذين يشكلوا جزءا من الشعب العربي الفلسطيني لا يقبلون بالانفصال ... كما لم يقبلون بأي صيغة يمكن ان تكون على عكس ارادتهم وثقافتهم ... فكرهم وذاكرتهم الوطنية التي عاشوا عليها .. وضحوا من اجلها ولا زالوا ثابتين صامدين لاجل وطن وشعب واحد ... كما اهلنا وابناء شعبنا بالمحافظات الشمالية والذين كانوا جزء من المملكة الاردنية الهاشمية حتى حرب حزيران 67 ... كما القطاع وسكانه في ظل الادارة المصرية .
نحن لا ننفصل عن امتنا ونقدر مصر الشقيقة وشعبها وقيادتها على ما قدموا ويقدمون حتى اليوم ... كما دائمي الشكر للملكة الاردنية الهاشمية وعلى راسها جلالة الملك عبدالله وما يقدمون من دعم ورعاية الا ان هذا الشكر الممتد عبر سنوات طويلة والمتجدد على مدار اللحظة لا يعطي لنا الحق ... ولا حتى الاجتهاد بمجرد التفكير بايجاد صياغات ومخارج فنحن نحترم الدول واستقلاليتها وخصوصيتها ... كما يجب ان نحترم خصوصيتنا وتطلعاتنا ومفهومنا للحرية والاستقلال والدولة الفلسطينية المستقلة ... كما مفهومنا برفض كافة اشكال الانقسام والانفصال ... والرفض القاطع لمفهوم دولة غزة ... كما الرفض المطلق لمفهوم الدولة دون غزة .
نحن بحالة رباط مقدس وتاريخي ولا يفصلنا عن بعضنا البعض كافة النظريات والصيغ السياسية ولا حتى المؤامرات الدولية ... برغم السنوات العجاف والسوداء التي نحن فيها ... ويعلم الله متى سيكون نهايتها .
بقلم/ وفيق زنداح