لا يجب أن نجامل أنفسنا .....ولا يتسع المجال والوقت للمزيد من الوهم والخيال واستمرار نشر البضاعة الفاسدة...عندما نقول ونكرر ونؤكد أن شعبنا الفلسطيني من الشعوب التي تمتاز بثقافتها ووعيها وارادتها ....ومدى صبرها وتحملها وتضحياتها عبر مسيرة نضال طويل... أثبتنا مدى اصرارنا وقدرتنا على استمرار نضالنا بكل قوة وعنفوان .... ومقدرة عالية على الصمود والثبات والتمسك بالثوابت الوطنية التي من أجلها كان النضال والتضحيات ودماء عشرات الألاف من شهدائنا الأبرار وعذابات عشرات الألاف من أسرانا البواسل ...كما جرحانا الأبطال .. لكن هذا لا يعني خلو مجتمعنا من سلبيات عديدة كما المجتمعات الاخرى لكن ما يظهر سوء ظاهرة عدم الثقة ... خصوصية حالتنا ... ومدى حاجتنا الى الثقة والتماسك والوحدة ... والتي تزيد من قوتنا وصلابتنا وثباتنا .. وليس كما يعتقد البعض ان بنشر بذرة عدم الثقة ... وترديدها ... ونشرها والامعان وكأن بهذا القول الحقيقة ... تحتاج الى مراجعة شاملة ثقافية وسياسية وفصائلية ... وان لا تعتبر الفصائل ان نقدها او معارضتها لموقف محدد ومحاولة ابراز عدم الثقة ... من نسج الخيال ... واستغلال عواطف الناس وحاجاتهم والتلاعب على الامهم .. قضية تحتاج الى وقفة صادقة وأمينة .. والى مراجعة شاملة ... لان ما يزرع ستكون نتائجه وخيمة على الجميع ... وليس على طرف تلو الاخر .
تاريخ شعبنا الفلسطيني ليس مجال لمزايدة أحد....كما أنه لا يعطي المجال .....والقبول....والرضى ....على استمرار اختلاق ظواهر سلبية اصابتنا بالكثير من الامراض المتفشية بثقافتنا وسلوكياتنا ومنهجية فكرنا .
هذه الثقافة الدخيلة .. والطارئة .. والاستثنائية ... التي تولدت بفعل سنوات طويلة من التجارب التي افرزت بعض الظواهر السلبية في سلوكيات البعض منا .... والتي اصبحنا نعاني منها بحياتنا العامة وحتى الخاصة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر.... ظاهرة عدم الثقة بكل ما يقال ....ولكل من يشغل منصب ولكل متحدث.... كما لكل وسيلة اعلامية أو كاتب رأي يخالفنا بالرأي .
هذه الحالة من عدم الثقة لدى البعض لها أسبابها ومنطلقاتها غير المشروعة ....كما أنها غير مقبولة عند الغالبية العظمى لأسباب جوهرية أساسها حرية الرأي والفعل والإجتهاد السياسي والوطني على أرضية الثوابت والحقوق وليس خارج سياقها ومضمونها .
محاولة نشر عدم الثقة وادخال اليأس بالنفوس ....وتشتيت الجهود والطاقات واهدار المزيد من الوقت بقضايا جانبية هامشية أو لحسابات شخصية .....تعتبر خسارة وطنية انسانية ثقافية ....يجب أن تحدث المراجعة لدينا ....وأن نعيد صياغة فكرنا وسلوكياتنا وثقافتنا على أرضية صلبة أساسها الوطن الذي يجمعنا ...والحقوق التي توحدنا .....والشهداء والأسرى والجرحى الذين قدموا أغلى ما يملكون من أجلنا ولأجل حريتنا ....وليس لأجل مناصبنا ومطامعنا وانتهازيتنا ....و ليس من أجل مناكفتنا ومجادلتنا ومحاولات خلق الأوهام .....ان الحقيقة يمتلكها البعض ولا يمتلكها البعض الاخر وان الثقة من حق فريق دون فريق في ظل استمرار الشكوك والتشكيك الى درجة متقدمة وفرت ارضية عدم الاطمئنان .....وغياب القناعة والثقة بمن يتحدثون .....مما جعل من حياتنا حالة يصعب فيها تصديق ما يقال ....مما يخلق حالة من الفشل المريب واليقين الغائب .....وعدم الثقة المسيطرة على الفكر والسلوك والمواقف .
عدم الثقة اذا ما جاز لنا ان نعتبرها ظاهرة لثقافة قائمة تحكم علاقات الناس مع بعضهم البعض ....كما تحكم علاقات الفصائل والقيادات .....مما يجعلنا نجزم انها ظاهرة سلوكية بمنهج الفكر السياسي الفصائلي القائم على التعبئة لجزئيات محددة تقوم على الأنا الذاتية ....ولا تقوم على نحن التي تجمعنا وتعزز من وحدتنا وصلابتنا وثقتنا بأنفسنا .
ظواهر دخيلة على مجتمعنا الفلسطيني شارك بصناعتها وترسيخها ونشرها البعض ممن لا يرون بالوحدة مصالحهم .....ولا يلمسون بتعزيز الثقة ونشرها وتأكيدها ....مجالا ومتسعا لنشر أقوالهم وحتى شعاراتهم التي تسيء للمشهد الوطني ....ولا تعبر عن جذورنا وقضيتنا وتضحيات شعبنا .
عدم الثقة ونشرها وتفشيها ليس حالة فلسطينية نختص بها عن باقي الشعوب الأخرى.... لكنها حالة طاغية على الكثير من جوانب حياتنا وعلاقاتنا ومنهجية فكرنا ولأسباب عديدة أساسها ظروفنا السياسية ....وعلاقاتنا الوطنية ....وعدم قبول كل منا للأخر في ظل مناكفات وتجاذبات ....مماحكات وحملات اعلامية لا طائلة منها ولا هدف الا المزيد من حالة التشتت وعدم الثقة .
هذه الحالة المجتمعية من أخطر الظواهر والسلوكيات التي تعصف بمجتمعنا والتي غلبت النظرة السوداوية ....وغيبت النظرة التفاؤلية .....غلبت الشك على اليقين .... مما أضاع الثقة ونشر حالة من عدم الثقة .
نتساءل كثيرا ....ويسأل كل منا الأخر...لماذا نحن على هذا الحال ؟! لماذا نحن ليس كما غيرنا من الشعوب التي تحررت ونالت استقلالها ....ونحن لازلنا نعاني الاحتلال وممارساته ؟!
الجواب وباختصار شديد أن عدونا مدعوم أمريكيا وربما عالميا ....ويعيشون بحالة وحدة وتماسك على المستوى الداخلي ....كما يعيشون بحالة ارتباط معنوي ونفسي مع كل يهود العالم والحركة الصهيونية وما يقدم لهم من دعم ومعونات وامكانيات تزيد من تفوقهم وعوامل قوتهم....وتمكنهم من ممارسة غطرستهم وعنجهيتهم في الوقت والمكان الذي يريدون.... بينما نحن على فرقتنا ....مزايداتنا ..... مناكفاتنا ...والأخطر على حالة عدم الثقة بيننا .....واهدار طاقاتنا وضياع تضحياتنا في سوق المجادلة والمناكفة والمصالح الضيقة ....حتى أضعفنا من عمقنا العربي والإسلامي باستمرار فرقتنا وانقسامنا وحالنا الذي يزداد سوء وتراجع ....دون أن نتخذ الخطوة الصحيحة والصائبة باتجاه تعزيز وحدتنا وانهاء انقسامنا.
نحن لم نستخلص العبر والدروس ولم نسارع إلى طريق الصواب .....ولم نعمل بجدية واخلاص إلى حيث يجب أن نعمل من وحدة وترابط وتعزيز للثقة .....واحترام قيادتنا ومشروعيتها وشرعيتها.... وحرية تحركها بما يخدم قضيتنا وبما يحقق حلمنا الوطني .
الحالة التي وصلنا اليها يحاول كل منا أن يتهرب من مسؤولياته .... وأن يرمي بالكرة بملعب الأخر .....حتى أصبحنا نحمل الرئيس مسؤولية كل ما يجري ...ولا أعرف شخصياً أين يمكن أن تقع مسؤولية الفصائل والقيادات وكل من صدعونا بتصريحاتهم ومزايداتهم التي طالت كافة القضايا .
يجب أن نحدث المراجعة الصادقة والأمينة .....وأن نصدق القول والعمل .....وأن لا نمارس ثقافة عدم الثقة المحاطة بالمزايدات والتجاهل والمكابرة .....وأن نعطي الناس حقها .....وأن لا نبخس حقوقهم ....وأن نقول كلمة الحق حتى ولو كانت على أنفسنا ....عندها يمكن أن نقول أننا نخطو الخطوة التي يجب أن تكون ...والتي نأمل أن نراها .
الكاتب : وفيق زنداح